همروجة نتنياهو في الكونغرس تبخرت سيرتها بعد ساعات

25 يوليو 2024
نتنياهو يلقي كلمة في الكونغرس الأميركي، 24 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ألقى نتنياهو خطابًا في الكونغرس الأميركي، حيث قوبل بتصفيق الجمهوريين واستياء الديمقراطيين بسبب تزييف الحقائق وانحيازه لترامب.
- طالب نتنياهو بتسريع إمدادات السلاح لإسرائيل وتوسيع رقعة الحرب، مبررًا ذلك بحربه في غزة، لكن خطابه لم يلق قبولًا حتى في الأوساط المتعاطفة مع إسرائيل.
- قاطع حوالي 100 نائب و28 سيناتور ديمقراطي خطابه، مما يعكس تزايد الاحتجاجات ضد إسرائيل وتراجع الدعم غير المشروط لها في واشنطن.

كان وقع الخطاب الذي ألقاه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الأربعاء في الكونغرس الأميركي، أخفّ بكثير من التوقعات التي سبقته، إذ توزعت الردود عليه بين مقاطعته بدرجة ملحوظة في الكونغرس وبين الاستياء ولو المكبوت إجمالاً من سرديته التي امتزج فيها التزييف الفاقع مع الابتزاز الذي لا يخلو من الاستفزاز، فضلاً عما انطوى عليه من انحياز مبطّن لصالح ترامب في انتخابات الرئاسة.

مزيج الخداع مع الصورة الميدانية المنفوخة، قدمه نتنياهو كالعادة بصورة عرض مسرحي يتقن فنونه وبما أثار موجات من التصفيق وقوفاً لكلمته، خاصة من جانب الجمهوريين، لكن همروجته لم تصمد، وتراجعت سيرتها بسرعة ثم تبخرت من العناوين والمداولات بعد الكلمة التي وجهها الرئيس بايدن في أول السهرة إلى الأميركيين حول انسحابه من معركة الرئاسة الذي أعطى ضيف الكونغرس مساحة أوسع للتصرف وكأنه صاحب المَونة للمطالبة "بتسريع إمدادت السلاح" وضرورة تزويد إسرائيل "بالعدة اللازمة لإنهاء المهمة بسرعة"، مع أن الإدارة الأميركية لم تبخل عليها في هذا الخصوص، بل حرصت على تزويدها بأكثر مما تحتاج باستثناء ما تردد عن تعليق تسليمها قنابل الألفي رطل في المدة الأخيرة والتي استعاضت عنها بتزويد اسرائيل بقنابل الـ500 باوند دفعة أولى على طريق العودة إلى قنبلة الألفين.

وبدت مطالبة نتنياهو تعبيرًا غير مباشر عن اعتزام مضمر لدى إسرائيل لتوسيع رقعة الحرب، خاصة وأن بايدن الممانع ولو برخاوة للتوسيع، صار أكثر من "بطة عرجاء" وأن نتنياهو بات بإمكانه التعويل على غالبية الكونغرس لإطلاق يده في هذا الخيار، ولتقديم صورة "آدمية" عن حروب إسرائيل. وبما يبرر طلباته للسلاح، رسم صورة وديعة عن حربه في غزة، واضعا الملامة على المدنيين بزعم أنهم "لم يأبهوا بالتنبيهات المسبقة" التي دعتهم لمغادرة أماكن القتال وبأن قضية التجويع قصة مفتعلة، زاعما أن حركة حماس كانت تسرق المواد الغذائية التي دخل منها إلى القطاع "أكثر مما يحتاجه".

نكران بهذا الحجم يتعذر تسويقه حتى في ساحة متعاطفة ومنحازة إجمالا لإسرائيل، وذهابه في التلفيق إلى هذا الحد رسم علامات استفهام كثير على مجمل خطابه، إلا طبعا من "النتنياهويين" في الكونغرس المتلاقين معه على "رؤيته" لغزة بعد الحرب والتي تضمر إدامة احتلالها بصورة مفخخة تحت ستار الحاجة إلى السيطرة الأمنية على القطاع "وحتى إشعار آخر". وطبعا يلتقي معظمها معه بالنسبة لموضوع الدولتين الذي لم يأت نتنياهو على ذكره ولو بالتلميح. لكن في المقابل، نال نتنياهو لطمة جامدة من كتلة وازنة في الكونغرس، إذ قاطع الخطاب حوالي 100 نائب و28 سيناتور ديمقراطي، وهي صفعة لا سابق لها، ففي خطابه سنة 2015 قاطعه حوالي 60 نائباً. أما الآن فضعف هذا العدد وفي مؤسسة كانت وبالذات فريقها الديمقراطي، العمود الفقري لنفوذ إسرائيل في واشنطن، والأكثر أهمية أن هذه الكتلة المحتجة على استضافة نتنياهو تمثل قاعدة انتخابية أكثر احتجاجا منها على إسرائيل وحربها في غزة، وقد لعبت دورا هاما في حركة الاحتجاج الطلابي التي اجتاحت الجامعات الأميركية في الأشهر الماضية ولغاية بداية الإجازة الصيفية.

وفي السياق، لم يتردد نتنياهو في خطابه، في تأنيب هذا الحراك بزعم أنه لعب دور "الأحمق بيد إيران"، خارقاً الأصول في إدانة أميركيين يمارسون حقهم الدستوري في التظاهر ومن دون أن يخرج صوت واحد لإدانة تدخله في شؤون البلد المضيف، بل إنهم اعتبروا أنه "ابن البيت" ويتمتع بامتياز خاص في هذا الخصوص.

امتيازات إسرائيل في واشنطن لا مثيل لها. كانت تُحسب حارسا أميركيا في المنطقة، إلا أنها بعد السابع من أكتوبر صارت محروسة من أميركا. مع ذلك خاطب نتنياهو الكونغرس وكأنه صاحب الدار وذهب في الجلافة إلى حد القول إن إسرائيل "تدافع عن أميركا"، وسط تصفيق أعضاء الكونغرس؛ وكأن المعادلة انقلبت. لكن تحت السطح هناك حالة تأفف وضيق لدى دوائر وجهات رسمية وغيرها ولو أن تعبيراتها مكبوتة ويجري تمريرها أحياناً بصورة رمزية، في رد نُسب إلى مسؤول في البيت الأبيض عندما سُئل عن برنامج نتنياهو، فقال: "هل هو في واشنطن؟". وفيما سيلتقي نتنياهو مع الرئيس بايدن الخميس، قرر وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن يبقى في واشنطن لحضور اللقاء، رغم أنه كان من المقرر أن يتوجه إلى عدد من البلدان في منطقة الشرق الأوسط. في كل حال، صار لقاء نتنياهو وبايدن مجاملة مع رئيس لم يتبق له في البيت الأبيض سوى ستة أشهر.

المساهمون