انقضت الأيام الأربعة الأولى من مدة الشهر التي حددها الرئيس التونسي قيس سعيّد أمام المنظمات الوطنية والمجتمع الدولي لإنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية، من دون أن يكشف عن خريطة طريق للتغييرات التي ينوي إدخالها على النظام السياسي والانتخابي، ولا القرارات الاستثنائية لإنهاء الخطر الداهم الذي دعاه لإقالة الحكومة وتعطيل المؤسسات وتجميد البرلمان. ولا يعلم أحد نوايا سعيّد الحقيقية، سوى ما أعلنه من عناوين كبرى في "بيانه الصفر" عشية احتفال تونس بذكرى قيام النظام الجمهوري وإنهاء الملكية، مساء الأحد الماضي، أمام قيادات عسكرية وضباط، إذ اكتفى بالقول إن "المسؤولية التي نتحمّلها تقتضي منا عملاً بأحكام الدستور اتخاذ تدابير يقتضيها هذا الوضع لإنقاذ الدولة التونسية والمجتمع".
ولا تخفى على التونسيين مناهضة سعيّد للنظام السياسي القائم ورفضه للنظام الانتخابي المعتمد وانتقاده للدستور ومحتوياته حتى قبل توليه الرئاسة، إذ صرح في وقت سابق، بأن "التجربة أثبتت أن التنظيم السياسي الحالي وطريقة الاقتراع المعتمدة أديا إلى الانقسام وتعطل السير العادي لدواليب الدولة". كما قال سعيّد خلال لقاء عقده في منتصف شهر يونيو/ حزيران الماضي بحضور رؤساء الحكومات السابقين، إنه "لا يمكن معالجة الوضع بالطرق التقليدية، بل يجب بلورة تصوّر جديد يقوم على إدخال إصلاحات سياسية جوهرية، ومن بينها القانون الانتخابي، إلى جانب بعض الأحكام الواردة في نصّ الدستور".
ويبدو أن تحقيق التصوّر الجديد الذي فكر فيه سعيّد منذ أشهر، انطلق بقراراته الأخيرة، والتي نصّت على تجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة والإمساك بالسلطة التنفيذية بكاملها، بانتظار الكشف عن شكل وإجراءات تغيير النصوص القانونية والدستورية من دون العودة للبرلمان وفي فترة شهر تنتهي يوم 25 أغسطس/ آب المقبل، كما جاء في محتوى التطمينات والضمانات الشفوية التي أعلنها.
تقف عقبات إجرائية وقانونية عدة أمام تغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي في غياب المحكمة الدستورية وتعليق عمل البرلمان
وتقف عقبات إجرائية وقانونية عدة أمام تغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي في غياب المحكمة الدستورية وتعليق عمل البرلمان، ما يجعل من سيناريو إجراء "استفتاء"، من دون أرضية دستورية أو غطاء قانوني، المنفذ الوحيد لتحقيق ما يبحث عنه سعيّد. وينظم القانون الانتخابي في البند 131، سبل وإجراءات الاستفتاء، بطرح سؤال على الناخبين تكون إجابته بنعم أو لا على المسألة المطروحة للاستفتاء.
وقد يطرح سعيّد ثاني استفتاء في تاريخ البلاد، إذ شهدت تونس استفتاء وحيداً في تاريخها تم تنظيمه في 26 مايو/ أيار 2002 وأدى إلى تنقيح جوهري للدستور من قبل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أحكم به قبضته على البلاد من خلال التمديد لنفسه لأكثر من ولاية، في وقت كان الدستور ينص على ولايتين رئاسيتين فقط.
وعن ذلك، قالت أستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن اللجوء في الوضع الحالي إلى تغيير النظام السياسي أو إدخال تعديلات على القانون الانتخابي من دون العودة إلى البرلمان الذي تم تجميده وتعليق اختصاصه التشريعي يعد "إجراءً خارج الإطار الدستوري". وأوضحت أنه "لا يمكن الاستفتاء إلا على نص صادق عليه مجلس نواب الشعب، وأي استفتاء على نص من دون العودة للبرلمان هو استفتاء مخالف لدستور 2014 ولا أساس دستورياً له".
خبيرة دستورية: لا يمكن الاستفتاء إلا على نص صادق عليه مجلس النواب
ولفتت الدريدي إلى أنه "لا يمكن تغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي بأوامر رئاسية، لأن الأوامر تزول بزوال أسبابها"، كما "لا يمكن للرئيس إصدار مراسيم منظّمة للانتخابات وللسلطة العمومية، لأن المراسيم تُتخذ في حالة حل البرلمان تماماً". وأوضحت أنه "من الناحية السياسية يمكن للرئيس إجراء استفتاء لتغيير النظام السياسي وتعديل القانون الانتخابي من دون أن تكون له أرضية دستورية، على غرار تأويله الفصل 80 وتجميده أعمال البرلمان، على الرغم من عدم وجود نص يفيد بذلك". وشددت على أن "القرارات والتدابير التي يتخذها سعيّد لا يمكن الطعن فيها أو إبطالها بسبب غياب المحكمة الدستورية من جهة، بالإضافة إلى تمتعها بغطاء المشروعية القانونية والسياسية من جهة أخرى"، مشيرة إلى أن "المحكمة الإدارية غير مختصة في هذا المجال ولا يمكنها أن تحل محل المحكمة الدستورية، والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (المحكمة الدستورية الوقتية) مختصة في دستورية مشاريع القوانين فقط ولا تقوم بأعمال المحكمة الدستورية".
مقابل ذلك، يؤكد خبراء في القانون الإداري أن قرارات رئيس الجمهورية تُكيَّف كـ"أعمال السيادة" وهي نافذة بمجرد إعلانها، ولا يمكن النظر إليها من زاوية شرعية القرار الإداري طالما كان سندها الدستور والفصل 80 تحديداً، الذي يسند للرئيس صلاحية اتخاذ قرارات ترتيبية وتشريعية ودستورية أيضاً، وهي محصنة من الطعن قبل انقضاء مدة التدابير الاستثنائية.
من جهته، اعتبر خبير القانون الدستوري رابح الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك سيناريوهات مستخلصة مما حدث يوم 25 يوليو، وتقوم الفرضية الأولى على تمديد الرئيس المدة التي حددها بثلاثين يوماً عند انقضائها، فيمددها لثلاثين يوماً أخرى، ومع انتهاء هذا الأجل قد يستند إلى حالة الطوارئ التي مددها أخيراً ستة أشهر، أي إلى شهر يناير/ كانون الثاني 2022. ورجح الخرايفي الفرضية الثانية التي تقوم على "إعداد مشروع قانون تنظيم للسلطات مؤقت، يتضمن كل ما جاء به دستور 27 يناير 2014 من ضمان للحريات والحقوق الأساسية واستقلال القضاء والقضاة والمحكمة الدستورية وتفريق السلطات ومدنية الدولة والنظام الجمهوري". وأضاف "مقابل ذلك، توحيد السلطة التنفيذية بقيادة رئيس الجمهورية ووضع آليات رقابية صارمة وفعالة بيد البرلمان لمراقبة رئيس الجمهورية، على أن يكون هذا التنظيم المؤقت مشروع دستور للجمهورية الثالثة يُعرض على الاستفتاء الشعبي".