كثُرت في الآونة الأخيرة حوادث استهداف القوات التركية في الشمال الغربي من سورية، من قبل مجموعات متطرفة تتلطى خلف تسميات مختلفة، إلا أنّ المعطيات تشير إلى أنّ هذه المجموعات تابعة أو تدور في فلك تنظيم "حراس الدين" المتشدد، وهو ما يفسر الحملة الأمنية ضدّ هذا التنظيم من قبل "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً).
من جهته، قال مصدر في وزارة الدفاع التركية لـ"العربي الجديد"، رداً على سؤال عن إمكانية الرد العسكري للقوات التركية على الاستهدافات التي تتعرض لها، أنه "من غير المنتظر حالياً تنفيذ أي عمليات عسكرية واسعة للقوات التركية في المناطق التي توجد فيها، مع الاحتفاظ بحق الرد على أي اعتداءات يمكن أن توجه ضد القوات العسكرية التركية، سواء من قبل قوات النظام، أو من قبل التنظيمات الإرهابية، أو من قبل أي جماعات راديكالية أخرى، واستهدافها في الوقت والزمان المناسبين".
وأعلنت مجموعة تطلق على نفسها اسم "كتائب أبو بكر الصديق" في بيان لها، أول من أمس الإثنين، مسؤوليتها عن عملية استهداف رتل لوجستي للقوات التركية بعبوة ناسفة ضمن شارع الكورنيش وسط مدينة إدلب. وأسفر الاستهداف عن إصابة جندي تركي (سائق شاحنة)، وإعطاب سيارة محملة بالوقود كانت متجهة إلى النقاط العسكرية التابعة للقوات التركية في منطقة جبل الزاوية جنوب الطريق الدولي حلب – اللاذقية المعروف بطريق "أم 4". ويوم الأحد الماضي، أعلنت الكتائب نفسها، مسؤوليتها عن استهداف رتل عسكري للقوات التركية على الطريق ذاته بالقرب من المنطقة الصناعية في إدلب، بلغم أرضي، ما أدى لإعطاب مصفحة تركية.
تستهدف المجموعات المتشددة القوات التركية بشكل خاص على الطريق الدولي "أم 4"
كذلك، أعلنت الأحد مجموعة أخرى تُطلق على نفسها اسم "سرية الشهيد مروان حديد"، مسؤوليتها عن عملية استهداف قاعدة للجيش التركي على أطراف بلدة الدانا شمال محافظة إدلب، بصاروخ موجه، وفق بيان صدر عن هذه المجموعة التي أعلنت عن نفسها للمرة الأولى. وتأتي هذه العمليات استكمالاً لعمليات سابقة نفذتها مجموعات متشددة تنتشر في بعض المناطق في ريف إدلب الغربي، حيث كانت أعلنت ما تسمّى بـ"كتائب خطاب الشيشاني" أنها استهدفت بسيارة مفخخة في منتصف يوليو/ تموز الماضي دورية مشتركة روسية – تركية، على الأوتوستراد الدولي حلب – دمشق، بالقرب من مدينة أريحا غرب محافظة إدلب، ما أدى لإصابة ثلاث جنود روس وإعطاب مدرعة روسية. وتلا ذلك عملية أخرى للمجموعة ذاتها، استهدفت عربة تركية مدرعة أثناء تسيير دورية مشتركة على الطريق ذاته، بقذيفة "آر بي جي" بالقرب من بلدة محمبل غرب إدلب، ما أدى لإصابة جندي تركي بجروح طفيفة، وإعطاب مصفحة تركية.
وكانت آخر عملية تبنتها "كتائب خطاب الشيشاني" واستهدفت الدوريات المشتركة الروسية - التركية في 25 أغسطس/ آب الماضي. وعلى إثرها، توقفت الدوريات المشتركة بين الجانبين الروسي والتركي ضمن منطقة "خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها)، والتي كان مسارها ينطلق من قرية الترنبة بالقرب من مدينة سراقب شرق إدلب، وصولاً إلى قرية عين حور شرق اللاذقية. وتستهدف هذه المجموعات القوات التركية بشكل خاص على الطريق الدولي "أم 4"، وتحديداً في ريف إدلب الغربي، بالإضافة لطريق باب الهوى – إدلب، الذي يعتبر خط إمداد للقوات التركية من معبرها العسكري على الحدود، إلى نقاطها العسكرية المنتشرة جنوب الطريق الدولي. ومطلع العام الحالي، جرت عمليات استهداف عدة للأرتال التركية على طريق مدينة معرة مصرين شمال إدلب، بالإضافة لعمليتي قنص أدت إحداها لمقتل وجرح خمسة جنود أتراك ضمن نقطة القوات التركية المتمركزة على أطراف بلدة باتبو غرب حلب في 17 يناير/كانون الثاني الماضي. وكان قتل جندي تركي متأثراً بجروحه بعد أن استهدفت مجموعة متطرفة حاجز أبو الزبير بالقرب من بلدة الفريكة غرب إدلب، في 31 يناير الماضي.
في السياق، اعتبر الباحث في مركز "جسور" للدراسات، عباس شريفة، أنّ هذه العمليات التي تُشن بين الفينة والأخرى ضدّ الدوريات والقوات التركية "تأتي من مجموعات مجهولة التبعية، وليست فصائل أو كتائب مُعلنة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "الفصائل التي تتبنى العمليات، لم تعلن عن نفسها إلا مع استهداف الجنود الأتراك، وكأنها أُنشئت لهذه المسألة بالتحديد".
الفصائل التي تتبنى العمليات، لم تعلن عن نفسها إلا مع استهداف الجنود الأتراك
ورجح شريفة أن "يكون عناصر تنظيم حراس الدين وراء هذه الكتائب التي تستهدف القوات التركية في المنطقة"، لافتاً إلى أنّ "هذا التنظيم لديه خلاف عميق مع هيئة تحرير الشام، بشأن قضية إدخال الجيش التركي إلى منطقة خفض التصعيد الرابعة". وأشار إلى أن هدف تنظيم "حراس الدين" من هذه العمليات "إظهار تحرير الشام بمظهر غير القادرة على حماية الأرتال والقواعد التركية"، معتبراً أنه "من مصلحة حراس الدين ضرب الأرتال لعرقلة علاقات الهيئة مع تركيا".
وأعرب شريفة في الوقت نفسه، عن اعتقاده بأنه "من الممكن أن يكون للنظام أو لتنظيم داعش، علاقة بعمليات استهداف القوات التركية، فذلك يصبّ في مصلحة الطرفين"، مستبعداً أن يكون لـ"هيئة تحرير الشام" علاقة بهذه العمليات "لأنها تعرقل مصالحها مع القوات التركية في المنطقة".
وأشار شريفة إلى أنّ الحملة الأمنية التي تشنها "هيئة تحرير الشام" ضدّ تنظيم "حراس الدين" في إدلب، منذ مطلع العام الحالي "تنطلق من أهداف ذاتية، إذ إنّ التنظيم يشكّل خطراً على هيئة تحرير الشام". وتابع: "بعد أن فكّت الهيئة ارتباطها بتنظيم القاعدة، ترى أنّ أي فصيل يريد إنتاج هذا الأخير مجدداً هو تهديد وقوة منافسة ومقلقة لها". كذلك، أوضح شريفة أن حملة "الهيئة" ضد "حراس الدين" في إدلب "لها أهداف عدة؛ أبرزها تصدير صورة مغايرة عن الهيئة باعتبارها تعمل على محاربة الإرهاب والفصائل الأكثر تشدداً"، معتبراً أنّ "هذا الدور الأمني الذي تقوم به هيئة تحرير الشام، قد يكون مرضياً للكثير من الدول التي ترى أنه من الممكن أن تبقى الهيئة في إدلب، لكونها الفصيل القادر على ضبط الوضع الأمني في المنطقة".
من جهتها، ذكرت مصادر مطلعة على ما يدور داخل "هيئة تحرير الشام"، لـ"العربي الجديد"، أنّ الجهاز الأمني التابع لـ"الهيئة"، اعتقل الخميس الماضي القيادييْن في تنظيم "حراس الدين" أبو الفاروق جزرايا، وأبو المعتصم، في كمين داخل سوق بلدة باتبو بريف حلب الغربي. ووفق المصادر نفسها، اعتقلت "هيئة تحرير الشام" الأسبوع الماضي أيضاً كلاً من أبو حمزة صليبة وأبو العز، وهما أيضاً قياديان أمنيان في التنظيم، إثر مداهمة وسط مدينة جسر الشغور غرب محافظة إدلب، مشيرة إلى أنّ القياديين اقتيدا إلى سجون "الهيئة" وسط مدينة إدلب.
شريفة: من مصلحة حراس الدين ضرب الأرتال لعرقلة علاقات هيئة تحرير الشام مع تركيا
وكان الجهاز الأمني التابع لـ"هيئة تحرير الشام"، قد بدأ حملته الأمنية المكثفة ضد تنظيم "حراس الدين" مع بداية تزايد الهجمات ضدّ القوات التركية في إدلب مطلع العام الحالي. فقد اعتقل على إثر هذه الهجمات، ما يزيد على 35 قيادياً في التنظيم، بحسب مصادر مقربة من "تحرير الشام". وأبرز القياديين الذين اعتقلوا خلال الحملة، القيادي المعروف باسم شقران الأردني، عضو مجلس الشورى التنظيم، وهو بمثابة الرجل الثاني في "حراس الدين" بعد المدعو أبو همام الأردني. كما اعتقلت "الهيئة" أبو عبد الرحمن الأردني، وهو الشرعي العام في التنظيم، وأبو عبد الله السوري، الإداري العام في التنظيم، وهو نجل أبو فراس السوري المتحدث السابق باسم جبهة النصرة، والذي قُتل بغارة للتحالف الدولي في إبريل/ نيسان عام 2016 على أطراف مدينة إدلب. واعتقل الجهاز الأمني في "هيئة تحرير الشام" أيضاً، أبو هريرة المصري، وهو نجل أبو ذر المصري، الشرعي العام السابق في "حراس الدين"، والذي قُتل بغارة للتحالف الدولي على وسط مدينة إدلب في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وخرج تنظيم "حراس الدين" إلى العلن في أواخر فبراير/شباط عام 2018، بعد إعلان "جبهة النصرة" فكّ ارتباطها بتنظيم "القاعدة"، إذ رفضت شخصيات مؤثرة في الجبهة هذا القرار، فاتجهت إلى تشكيل فصيل "حراس الدين"، الموصوف بكونه أكثر تشدّداً من الجبهة، خصوصاً لجهة رفض أي حلول سياسية للقضية السورية. وانضمت إلى "حراس الدين" لاحقاً مجموعات متشددة منها: جيش البادية، وجيش الساحل، وسرية كابل، وسرايا الساحل، وجيش الملاحم، وجند الشريعة، وكتيبة أبو بكر الصديق، وكتيبة أبو عبيدة بن الجراح، وسرايا الغرباء، وكتيبة البتار، وسرايا الساحل، وسرية عبد الرحمن بن عوف، وكتائب جند الشام، وكتائب فرسان الإيمان، وقوات النخبة.