هل يجهز خليفة حفتر لاستقبال قواعد روسية في ليبيا؟

05 يناير 2025
خليفة حفتر وسيرغي لافروف، 14 أغسطس 2017 (نيكيتا شفيتسوف/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتحرك مليشيات حفتر لتعزيز السيطرة على المواقع العسكرية في شرق وجنوب ليبيا، وسط تكهنات برغبة روسيا في نقل وجودها العسكري من سوريا إلى ليبيا عبر حفتر.
- تهدف التحركات إلى تأمين قواعد حفتر مثل براك الشاطئ والقرضابية، وإبعاد العناصر المشبوهة، مع توجس من التغيرات الإقليمية وتأثيرها على تحالف حفتر مع روسيا.
- يرى الخبراء أن نقل الوجود العسكري الروسي إلى ليبيا صعب بسبب المراقبة الغربية وضعف البنية التحتية، بينما تبرز تحركات الحكومة في طرابلس التي تتناقض مع الأهداف الروسية.

كشفت مصادر مقربة من معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر أن مليشياته تتحرك بشكل حثيث في مناطق سيطرتها في شرق وجنوب ليبيا بغرض إحكام نفوذها على العديد من المواقع ذات الطبيعة العسكرية، في الوقت الذي يعتقد فيه مراقبون أنها تحركات على علاقة برغبة روسيا في نقل وجودها العسكري من سورية إلى ليبيا عبر بوابة حليفها حفتر.

وكانت مليشيا تابعة لصدام، نجل حفتر، اقتحمت مقر معسكر التيندي في أوباري وسط جنوب البلاد، ليل الأربعاء الماضي، قبل أن تعلن قيادة حفتر الخميس الماضي تأمين كامل القطاعات الدفاعية لمنطقة سبها العسكرية، ما يسهل عملية الاتصال بين جميع الوحدات العسكرية بالجنوب. كما أعلنت أمس الجمعة تأمين الاتصال بالحقول النفطية في إطار "خطة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المناطق الحيوية"، مشيرة إلى أن هدف هذه التحركات هو "حماية المنشآت الحيوية، خاصة المتعلقة بالموارد النفطية، وضمان استمرارية العمليات في ظل التحديات الأمنية الراهنة"، من دون أن تشير إلى طبيعة هذه التحديات الأمنية.

وأدلى مصدر عسكري بمعلومات توضح أن ما يجري من تحركات تهدف إلى زيادة حجم التأمين حول قواعد عسكرية تابعة لحفتر، ومنها قاعدة براك الشاطئ الواقعة شمال سبها جنوب البلاد بنحو 60 كم، وقاعدة القرضابية بسرت، شمال وسط البلاد، وقاعدة جمال عبد الناصر في طبرق، حيث حرك صدام نجل حفتر عدد من مليشياته لتكثيف تمركزاتها في منشآت متاخمة لهذه المواقع العسكرية. وبالإضافة إلى سيطرة مليشيا تابعة لصدام على معسكر تيندي بأوباري، القريب من قاعدتي براك الشاطئ وتمنهنت، أكد المصدر نفسه لـ"العربي الجديد" أن اقتحام معسكر 77 بمدينة سرت وطرد عناصره وقائده، الأسبوع الماضي، على صلة بما يحدث من تحركات، موضحاً أنه بالرغم من تبعية معسكر تيندي لشخصية عسكرية موالية للحكومة في طرابلس، وتبعية قائد معسكر 77 لحفتر، إلا أنها تبعية اسمية فكلا القائدين ينتميان إلى قبائل الطوارق المتنفذة بالجنوب الغربي ولا تخضع لولاء مطلق لحفتر، بل تبدوان أكثر ولاء لرموز النظام السابق.

وفي الوقت الذي أشار فيه المصدر ذاته إلى أن الحدثين في معسكري التيندي والــ 77 على علاقة بإبعاد كل العناصر المشبوهة من محيط القواعد العسكرية، لفت إلى أن التحركات في الجنوب تهدف أيضاً إلى أخذ الاحتياطات خوفاً من أي رد فعل عسكري قد تقدم عليه القبائل المتنفذة في الجنوب ولا سيما في مواقع النفط التي تقع داخل أراضيها.

توجس خليفة حفتر

وجاءت هذه التحركات بعد كلمة لحفتر ألقاها بمناسبة ذكرى الاستقلال الليبي، في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اتهم فيها كل الحكومات بالفشل في تحقيق ما وصفه ببناء الدولة، ومن دون أي مناسبة للتهديد أكد أن قواته "تراقب المتغيرات الخطيرة التي تجتاح المنطقة، ونحن على أعلى درجة من اليقظة والجاهزية لحماية مكتسباتنا ومقدراتنا". ولا يشك الخبير في الشأن العسكري الصيد عبد الحفيظ في الارتباط بين تصريح خليفة حفتر وتحركات مليشياته الأخيرة، ويرى في حديث مع "العربي الجديد" أن تصريح حفتر يعكس توجساً من التغيرات الإقليمية، وتحديداً ما حدث في سورية وتداعياته على تحالفه مع الروس، فبحسب رأيه فإن موسكو "لا شك أنها تدرس نقل وجودها العسكري من سورية إلى ليبيا، وربما لا يوجد لديها خيار آخر لا سيما أنها قطعت أشواطاً في مشروعها الاستراتيجي في أفريقيا انطلاقاً من ليبيا عبر تحالفها مع حفتر".

ويلفت عبد الحفيظ إلى أن الحراك الأمني يجري حول القواعد نفسها التي يوجَد فيها الروس. ويرى أن تحركات مليشيات حفتر في محيط هذه القواعد العسكرية يدل على أن "حجم العتاد العسكري الروسي القادم هذه المرة أكبر مما وصل في السابق، كما أن تأمين هذه القواعد يدل على أن النقل سيكون جواً بالدرجة الأولى باعتبارها قواعد تتوفر على مهابط جوية مهمة، ربما لضيق الوقت بالنسبة لموسكو".

وعلى الرغم من ذلك يرى الخبير العسكري الليبي أن انتقالاً عسكرياً بحجم الوجود العسكري الروسي في سورية إلى ليبيا "لن يكون ميسوراً وبطريقة سلسلة في ظل مراقبة غربية من كثب"، كما أن البنى التحتية للمنشآت العسكرية في ليبيا، بحسب رأيه، غير قادرة على استيعاب حجم كبير من الثقل العسكري الروسي، ولهذا يؤكد أن الانتقال "يحتاج إلى استعدادات من بينها الإنشاءات والمرافق في القواعد العسكرية الليبية، إما بتوسيعها وتأهيلها أو التفكير في بناء جديدة". ومن هذه الزاوية يرى عبد الحفيظ  أن إنشاء حفتر أجهزة للبناء والإعمار، يقودها نجلاه صدام وبلقاسم وتعمل في سرت والجنوب، له وجه آخر غير الإعمار والبناء وله علاقة بتوفير الإمدادات اللازمة لدعم البنى التحتية في المنشآت والقواعد العسكرية، مضيفاً: "باعتقادي أن أعمال هذه الأجهزة غير المعلنة هو من حرك مسؤولين أميركيين صوب الجنوب وعقد مقاربات واتصالات مع أنجال حفتر، وهناك الفرنسيون أيضاً يجتهدون في الوجود في الجنوب ضمن مشروعات الإعمار".

ويخلص عبد الحفيظ إلى أن خليفة حفتر سيعود إلى الواجهة مجدداً في الأشهر المقبلة محاطاً باهتمام أميركي وأوروبي كبير، وأضاف: "حفتر سيحول المنطقة إلى ساحة تنافس دولي أمني كبير، وسيفتح البلاد على كل السيناريوهات، ومنها انهيار وقف إطلاق النار بدفع مليشيات معسكر غرب البلاد إلى الجنوب وفتح مواجهات عسكرية معه".

ومن جانبه يُبرز المهتم بالشأن السياسي أحمد العاقل زاوية أخرى لقراءة تحركات مليشيات حفتر الأخيرة، فهو وإن يتفق في أنها على علاقة بانتقال الوجود الروسي من سورية إلى ليبيا، فإنه يرى أنها مجرد تحركات أحادية من جانب حفتر رغبة منه في الاحتفاظ بتحالفه مع موسكو، التي يرى أنها من المؤكد تدرس العديد من الخيارات الأخرى. ويلفت العاقل في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "مجرد وجود عنصر قلق كالقبائل التي تملك نفوذاً وسلاحاً مثل الطوارق أو التبو وغيرهم كاف ليجعل الروس يراجعون أكثر من خيار آخر من دون المجازفة في الوقوع في مستنقع ليبيا المليء بالمفاجآت".

وفيما يلفت العاقل أيضاً إلى أن حفتر لم يزره أي مسؤول روسي حتى الآن، يؤكد أنه "شريك مؤقت للروس لأسباب عديدة، منها عدم وضوح مستقبله فهو يعول على أولاده الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية ليحققوا أهداف دولة قطبية في السياسات الدولية مثل روسيا، كما أن نفوذه في الجنوب وهو المجال الاستراتيجي للروس ليس حقيقياً بوجود أنصار النظام السابق، وأسباب أخرى عديدة تتعلق بالموقف المصري الذي لن يوافق على وجود عسكري كبير قريباً من عمقها الأمني".

ويرجح العاقل أن تكون قواعد حفتر العسكرية منطقة مرور لمواقع أكثر أماناً في دول أفريقيا وبعيداً عن مستجدات حوض البحر المتوسط، لافتاً إلى تحركات الحكومة في طرابلس مؤخراً والتي تشير إلى أنها تسير في اتجاهات تتناقض مع الأهداف الروسية، ومنها زيارة وفد حكومي دمشق للقاء القادة السوريين الجدد، والتحركات العسكرية الأخيرة بمدينة الزاوية حيث توجد مجموعات مسلحة موالية للحكومة في بنغازي.

وأعلنت المنطقة العسكرية للساحل الغربي الموالية للحكومة في طرابلس، ليل أمس السبت سيطرتها على مدينة الزاوية، غرب العاصمة، وأنها مستمرة في تنفيذ عمليات عسكرية وأمنية في المنطقة. وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أكد رفضه لنقل قوات أجنبية إلى البلاد إلا باتفاقيات رسمية ضمن إطار التدريب، وأعرب عن مخاوف، في تصريحات له منتصف الشهر الماضي، من نقل الصراع الدولي إلى الأراضي الليبية وتحويلها إلى ساحة قتال بين الدول.
 

المساهمون