وسط رغبة دولية في إنهاء ملف المقاتلين الأجانب.. هل يتمكن "الدبيبة" من مواجهة التحدي الأمني والعسكري؟

12 مارس 2021
لا تزال مجموعة مسلحة تقفل المنفذ الشرقي للعاصمة طرابلس (فرانس برس)
+ الخط -

تواجه حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة عدة ملفات معقدة، أهمها الملف العسكري والأمني المتشابك في خيوطه بين الداخل والخارج. 

وخلال الساعات الماضية، رحبت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بــ"انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من المنطقة المحيطة بمطار القرضابية" للسماح لأعضاء مجلس النواب بالمشاركة بأمان في جلسة مجلس النواب في سرت، منتصف الأسبوع الجاري، ما يمهد لعمل اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5. 

جاء ذلك في بيان رحبت فيه الدول الخمس بمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، واعتبرت أنها "خطوة لا رجعة فيها نحو التنفيذ الكامل لاتفاق 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020 لوقف إطلاق النار، بما في ذلك انسحاب جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب من جميع أنحاء ليبيا". 

وفيما اعتبر بيان الدول الخمس، ليل أمس الخميس، منح الثقة لحكومة الدبيبة خطوة أساسية على طريق توحيد المؤسسات الليبية وتحقيق حل سياسي شامل، قالت إنه "سيكون من المهام الأساسية للسلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، والتنفيذ الكامل لاتفاق 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020 لوقف إطلاق النار"، وهي خطوة أساسية شدد عليها بيان بعثة الاتحاد الأوروبي في ليبيا. 

 وأكد البيان على حكومة الدبيبة "أهمية التنفيذ الفعال لجميع أحكام اتفاق 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020 لوقف إطلاق النار، وكذلك احترام حظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة وسحب جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي". 

ويأتي ذلك في وقت كشفت فيه مصادر ليبية مقربة من لجنة 5 + 5 عن اتفاق الطرفين على بدء انسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من كلا الطرفين عبر مراحل أساسية. وقالت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن أهمها إخلاء مدينة سرت بالإضافة لمحيطها من منطقة بن جواد (135 كيلو مترا شرق سرت)، وحتى أبو قرين (138 كيلو مترا غرب سرت)، بعد الانتهاء الكامل من نزع كل الألغام المزروعة في سرت ومحيطها تمهيداً لوصول قوة شرطية تخضع لسلطة حكومة الوحدة الوطنية وفتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب. 

وفي اتجاه نزع الألغام المزروعة في محيط سرت، أعلنت غرفة عمليات سرت الجفرة أن فرقها الهندسية ستقوم، السبت المقبل، بتفجير كمية جديدة من مخلفات الحرب "في إطار اتفاق 5 + 5". 

وأضافت المصادر أن فريق المراقبين الدوليين التابع للأمم المتحدة، الذي وصل إلى طرابلس في الأسبوع الماضي، سيرفع تقريراً لمجلس الأمن، الأسبوع المقبل، يتضمن الخطة التي تم الاتفاق عليها بشأن سحب المقاتلين الأجانب والمرتزقة، والتي ستتضمن مراحل أخرى تتلو إخلاء سرت ومحيطها، وستقتصر المراحل الأولية على الانسحاب إلى مناطق خلفية في قواعد عسكرية، مثل قاعدة الوطية، جنوب غرب طرابلس، وقاعدة براك الساحلية المحاذية لمدينة سبها، جنوب البلاد. 

وأشارت المصادر إلى أن مباحثات الفريق الدولي لم تنته إلى اتفاق مع قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر أثناء زيارتها لبنغازي، الاثنين، بشأن الخروج الكلي للمقاتلين الأجانب، وتحديداً مقاتلي شركة فاغنر الروسية

وبشأن الخروج الكلي للمقاتلين الأجانب، أكدت المصادر أن الاتفاق تم على انسحاب المقاتلين الأجانب من مناطق وسط البلاد إلى مناطق خلفية في الخطوتين الأولى والثانية، تمهيداً لوصول فريق دولي موسع لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، مطلع مايو/أيار المقبل، وستكون من بين مهامه معالجة الوضع القانوني للوجود الروسي والتركي في ليبيا، فيما ستكون مسألة إجلاء المرتزقة الأفارقة "قريبة التنفيذ"، دون تحديد موعدها. 

وفيما شدد البيان الخماسي على أولويات حكومة الدبيبة الأخرى، مثل تهيئة الظروف للانتخابات المقبلة في نهاية العام الجاري وتحسين الأوضاع الخدمية، إلا أن الباحث السياسي الليبي خميس الرابطي، يرى أن قضية معالجة الوضع الأمني والعسكري من أهم التحديات أمام الحكومة. 

ويرجح الرابطي، خلال حديثه لــ"العربي الجديد"، أن تكون الأمم المتحدة والأطراف الدولية التي دعمت وصول السلطة الجديدة إلى سدة الحكم "تمتلك برنامجاً يهدف إلى مواجهة رغبة موسكو في التوغل في المنطقة"، مضيفاً "أعتقد أن موسكو تدرك جيداً أن بقاءها في المنطقة أمر صعب بالنسبة لها في مواجهة واشنطن وحلفائها، ولذا فسيكون قبولها بأي مقاربة للحل أمرا ممكنا جدا، فليبيا بالنسبة لها ورقة ضغط لمصالحها الأخرى في المنطقة". 

ويتابع الرابطي قراءته بالقول "تشكيلة الدبيبة الحكومية لا تعكس قدرته على معالجة هذا الملف الشائك، وخصوصاً أن قيادة الدبلوماسية، وتحديداً وزارة الخارجية أو كلها لسيدة لا تتوفر على أي خبرة ولم تعمل في السلك الدبلوماسي من قبل، تعني أن حلولا وخططا لمعالجة ملف المقاتلين الأجانب ستفرض  عبر الأمم المتحدة وبعثتها". 

ورحبت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق، اليوم الجمعة، بمنح مجلس النواب الثقة لحكومة الدبيبة، معتبرة أن الخطوة أنهت "فصلاً بائساً من فصول الفرقة والانقسام والاقتتال بين الأشقاء في الوطن"، موضحةً أن الميزانية مهمة للحكومة الجديدة للوفاء بالوعود والاستحقاقات الانتخابية المتمثلة في إصدار قانون الاستفتاء على الدستور وقانون الانتخابات وتمكينها من العمل والتقدم. 

ويعتبر الباحث السياسي الليبي أن الوضع الأمني الضعيف الذي يعيشه حفتر حالياً "قد يكون مقدمة جيدة وعاملاً مساعداً للدبيبة، فلن يكون بمقدور حفتر أكثر من المناورة بين الحين والآخر بعدما فقد قوته، حتى بنغازي لم تعد لديه القدرة على السيطرة عليها". 

وفشلت عملية "فرض القانون" التي أطلقها حفتر، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في إعادة سيطرته الكاملة على بنغازي، ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف احتجاجات النشطاء على انتشار مظاهر الاختطافات والقتل خارج القانون، فبعدما حذر بيان لقبيلة العواقير من استمرار استهداف مسلحين "مجهولين" لأبنائها في عدة مناسبات، تداولت منصات التواصل الاجتماعي فيديو للشيخ أسامة أبو حلاق العقوري، يوم أمس الخميس، يتحدث فيه، وسط اجتماع قبلي، عن محاولات "سيارة معتمة"، الاقتراب من بيته، مؤكداً أنها "ستكون هدفا مشروعا"، بعدما قال إنه نصب مدفعاً رشاشاً على سطح منزله لحماية نفسه. 

ولذا يرى الرابطي أن "حفتر لم تعد لديه كلمة ضمن الموقف الروسي في ليبيا، وهو الحليف العسكري الوحيد المتبقي له بعد تخلي حلفائه الآخرين عنه"، ما يعني، وفق رؤية الرابطي، أن المفاوضات في شأن ملف المقاتلين الأجانب مع موسكو ستكون من خلال أنقرة التي ذهبت لتحسين علاقاتها مع قوى إقليمية كمصر، ويمكنها أن تكون نافذة الغرب أيضا لموازنة الموقف الروسي في ليبيا. 

ورغم التهيئة الدولية للظروف المواتية لإنهاء التوتر في الملف الأمني والعسكري، إلا أن الرابطي يعود ليؤكد على أهمية أن يكون الدبيبة قادراً على استثمار الموقف الدولي، ليس في ملف المقاتلين الأجانب فقط، بل في اتجاه تقويض سلطة المجاميع المسلحة التي يمكن أن تتحول إلى عقبة جديدة أمامه. 

وإضافة للتوتر الأمني الذي تعيشه بنغازي، لا تزال مجموعة مسلحة تقفل المنفذ الشرقي للعاصمة طرابلس، منذ مساء الأمس، على خلفية اتهامها لمجموعة مسلحة بطرابلس تعمل تحت مسمى "جهاز دعم الاستقرار" باختطاف عدد من عناصرها وتطالب بضرورة إطلاق سراحهم. 

المساهمون