لم تبدد الاجتماعات التي أجراها مسؤولون روس مع نظرائهم من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ما بين العاشر والثالث عشر من الشهر الحالي من المخاوف الغربية بشأن النوايا الحقيقية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التي وصلت إلى التساؤل عما إذا كان يتعمد تقديم مطالب غير قابلة للتحقيق لتبرير غزو بلاده لأوكرانيا.
وأراد الروس خلال الاجتماعات الثلاثة التأكيد للغرب على ضرورة إنهاء توسع حلف شمال الأطلسي شرقا مع تقديم ضمانات أمنية أخرى، فيما كان الحلف والولايات المتحدة مهتمين في المقام الأول بإقناع روسيا بوقف انتشار قواتها على الحدود مع أوكرانيا.
وأمام هذا الواقع، تساءل تقرير لموقع "تي أون لاين" الإخباري الألماني، أخيراً، ما إذا كان بوتين وبعد ماراتون المناقشات، لا يزال يخطط لشن هجوم على أوكرانيا ويتعمد تقديم مطالب غير قابلة للتحقيق.
وأضاف التقرير أن ذلك "أمر ذو أهمية أساسية لأمن أوروبا وكلًّا من الطرفين يشعر بالتهديد من قبل الآخر، وهناك حالة من الذعر في دول البلطيق وبولندا منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، وصولا إلى امتلاك روسيا لصواريخ متوسطة المدى يصل مداها إلى برلين".
واعتبر التقرير أن الأمور تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات لأن المشكلة تكمن حاليا في أن حلف شمال الأطلسي لا يمكنه إلا التكهن بنوايا بوتين المهتم بإثبات أن روسيا مثل الولايات المتحدة والصين، قوة عالمية يمكنها وضع جدول أعمال على المستوى الدولي، وربما أيضا لتحويل الانتباه عن المشاكل السياسية الداخلية، أو وضع حلف الأطلسي، الذي أضعفه الانسحاب الكارثي من أفغانستان، أمام اختبار جديد.
واستدرك التقرير بالإشارة إلى أن روسيا، القوة النووية، ترى نفسها مهددة من قبل الجيش الأميركي وحلف شمال الأطلسي، وتنتظر الرد على مقترحاتها من الغرب بحلول الأسبوع المقبل، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف. وقال الأخير إن "روسيا لا تريد أن تنخدع بضمانات شفهية كما حدث في التسعينيات، والمطلوب أجوبة سريعة ومحددة وخطية، وفي حال رفْض المقترحات سنتخذ قراراً يراعي مصالحنا الأمنية".
وفي خضم ذلك، تساءل المحلل السياسي الألماني، ميشائيل تومان، في مقال نشرته صحيفة "دي تسايت" عما إذا كان رفض الضمانات يعني غزو روسيا لأوكرانيا، مشيراً إلى أن لافروف ظل غامضا بشأن التهديدات وزخرفها بتوبيخ مرير ضد الغرب.
واعتبر تومان أن "المؤتمر الصحافي للوزير المخضرم يظهر أن القيادة الروسية لم تقرر بعد كيفية المضي قدما"، مضيفا أنه "كما ينبغي أن يعني ذلك أن بوتين يواصل التفكير في القرار الذي قد يتخذه، في حين أن مرؤوسيه يثرثرون بكلمات قوية كما طلب منهم حتى الآن".
وأردف: "في الوقت الحالي بوتين صامت ويسمح لدبلوماسييه بقول ما يريدونه، وزعيم الكرملين يستخدم هذه الطريقة مراراً وتكرراً، فهو يرسل مبعوثيه للتهديد والإغراء ويقوم بوضع الأجندة، فيما تتأرجح الدبلوماسية الغربية بين الخوف والأمل. في النهاية، قد يندفع بوتين إلى الأمام في قرار يفاجئ الجميع. الحيرة جزء من لعبة بوتين".
من جهته، اعتبر الخبير الروسي في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، شتيفان مايستر، في مقال نشرته شبكة التحرير الألمانية، أن "أهم شيء بالنسبة للكرملين هو الاستقرار وتأمين مجال نفوذه، من دون أن يخفي أن هناك خوفا كبيرا من ظهور تطورات في أوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان، يمكن أن يتخذها المجتمع الروسي أيضا كنموذج لتحقيق التحول الديمقراطي، وإقامة المزيد من العلاقات مع الغرب".
وأشار مايستر إلى أن "الاتحاد السوفياتي تفكك منذ 30 عاما وبوتين يريد بطريقة ما أن يبقي شظاياه متماسكة، وهو الذي لم يتردد في دعم الديكتاتور البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وصولا إلى إرسال قوات لدعم كازاخستان في إخماد حركة الاحتجاج ضد الرئيس المستبد في نور سلطان، هذه عدا عن أن البلدين من أهم الشركاء الاقتصاديين، وبالنسبة له ربما تنجرف أوكرانيا بعيدا نحو الغرب".
وعما إذا كان بوتين يفكر بالفعل بمهاجمة أوكرانيا أم أنه يخادع، اعتبر السفير الأميركي السابق لدى أوكرانيا والخبير في الحد من التسلح شتيفان بيفر، أنه من المحتمل أن يعتمد بوتين على قرقعة السيوف فقط لإقناع أوكرانيا والغرب بتقديم التنازلات، لافتا إلى أنه من المفارقات أن يطالب بوتين بضمانات أمنية، على الرغم من أن روسيا تمتلك أكبر عدد من الأسلحة النووية في العالم، ولديها أكبر جيش في أوروبا.
واستحضر الأخير ما كتبته الخبيرة الروسية ليليا شيفتسوفا وقالت فيه إن بوتين "سيد التوتر والحركة المفاجئة"، ويريد "دمج سلطته الجيوسياسية وحكمه الشخصي"، وقد يستغرق الأمر شهورا قبل أن يكتشف الشركاء الغربيون أنهم انجروا إلى تبادل الاشتباك على حافة الهاوية.