استمع إلى الملخص
- اجتياحات 1978 و1982: اجتياح جنوب لبنان في 1978 وبيروت في 1982، مما أدى إلى مقتل ونزوح الآلاف، وانسحاب تدريجي حتى 2000.
- الوضع الحالي واحتمالات الاجتياح: حزب الله أصبح لاعباً أساسياً بعد انسحاب الجيش السوري، مما يصعّب الاجتياح الإسرائيلي، رغم التحركات الحدودية المحدودة.
أي اجتياح للبنان لن يكون مشابها لاجتياحي 1978 و1982 لاعتبارات عدة
هناك ما بين 41 ألفاً و62 ألف جندي إسرائيلي على الحدود مع لبنان
الاحتلال يستخدم مصطلحات من قبيل "التوغل المحدود ولأقصر مدة زمنية"
لم يتأخر الاحتلال الإسرائيلي في إبراز نياته لغزو لبنان، سواء باستخدام مصطلحات من قبيل "التوغل المحدود ولأقصر مدة زمنية ممكنة"، أو حتى في اعتبار أن الخطوة قد لا تحصل، بعد اغتيال الأمين العام لحزب حسن نصر الله، الجمعة الماضي. غير أنه حتى ذلك الحين، فإنّ أي اجتياح للبنان لن يكون مشابهاً لاجتياحي 1978 و1982 لاعتبارات عدة.
في الأيام الأخيرة، تطرّق الإسرائيليون، من عسكريين وسياسيين وإعلاميين، إلى فرضية اجتياح لبنان. ونقل موقع صحيفة معاريف العبرية، على سبيل المثال، عن مصادر إسرائيلية مطلعة قولها إن "العملية البرية في لبنان ستكون محدودة في حال المصادقة عليها"، وقرار شنّها "لم يتخذ بعد ولكن الجيش مستعد لذلك". وتزامن هذا المعطى مع معطيات مماثلة لسلطات مستوطنة كريات شمونة والقائد السابق للقيادة الشمالية لجيش الاحتلال يائير غولان، داعية إلى شنّ هجوم بري في لبنان. في المقابل، تحدثت صحيفة هآرتس العبرية عن "تقديرات بأن الجيش يعاني نقصاً بنحو عشرة آلاف جندي، مع مواجهة حرب متعددة الجبهات وإرهاق في صفوف الجنود".
عملياً، هل يمكن للاحتلال غزو لبنان مرة ثالثة بعد عامي 1978 و1982؟ في 14 مارس/آذار 1978، اجتاح الإسرائيليون بـ25 ألف جندي جنوب لبنان وصولاً إلى نهر الليطاني، بحجة دفع منظمة التحرير الفلسطينية إلى خلف النهر. وكان لبنان حينها قد دخل العام الثالث من حربه الأهلية، التي بدأت في عام 1975 وانتهت في عام 1990. أطلق الإسرائيليون على اجتياحهم اسم "عملية الليطاني" ودام سبعة أيام، حتى 21 مارس 1978، وأدى إلى مقتل أكثر من ألف شخص، ونزوح بين 100 ألف و250 ألف شخص في لبنان. بعد 21 مارس 1978، تراجع الاحتلال إلى الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة تاركاً منطقة جنوب الليطاني بعهدة طرفين: "جيش لبنان الجنوبي" (تابع لإسرائيل) بقيادة الرائد المنشق عن الجيش اللبناني سعد حداد، وقوة الأمم لمتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
اجتاحت إسرائيل لبنان في عامي 1978 و1982
اجتياح عام 1982
في 6 يونيو/حزيران عام 1982، اجتاح الاحتلال لبنان مجدداً تحت مسمى "عملية سلامة الجليل" بقيادة وزير الدفاع آرييل شارون. واتخذ الاحتلال من محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في بريطانيا شلومو أرغوف، في 3 يونيو 1982، ذريعة لاجتياح لبنان. هذا الاجتياح بحدّ ذاته كان الأكثر أهمية في تاريخ الشرق الأوسط، بسبب اجتياح الجيش الإسرائيلي بيروت، باعتبارها ثاني عاصمة عربية يجتاحها بعد القدس المحتلة. بقوات من 78 ألف جندي، ووفق مذكرات إسرائيلية، قرر شارون التمهيد للهجوم عبر الإيحاء لرئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، مناحيم بيغن، بأن هدف العملية هو "إبعاد المخربين (المقاومين الفلسطينيين) عن الحدود". لكن شارون اعتمد سياسة "خداع بيغن"، وفق تلك المذكرات، إذ مع كل تقدم للجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، كان شارون يشرح لبيغن "ضرورة التقدم أكثر"، وذلك "من أجل إسكات المدافع". ووفق هذا المبدأ، وصل جيش الاحتلال إلى بيروت.
وأدى الاجتياح إلى إفرازات عدة، منها انتخاب قائد مليشيا القوات اللبنانية بشير الجميل، الحليف لإسرائيل، رئيساً في 23 أغسطس/آب 1982، ثم اغتياله في 14 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ووقوع مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا بين 16 و18 سبتمبر 1982، ومقتل بين 1500 و3300 شخص. واتُهمت القوات اللبنانية، بدعم إسرائيلي، بتنفيذ المجزرة. والأهم هو خروج 14 ألف مقاتل من منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، من بيروت في 11 سبتمبر 1982، وانتشرت قوات متعددة الجنسيات، أميركية وفرنسية خصوصاً، في بيروت. بعد ذلك، انسحب الجيش الإسرائيلي تدريجياً من بيروت إلى صيدا، ثم إلى الشريط الحدودي (الحزام الأمني وفق التسمية الإسرائيلية). وهو عبارة عن مساحة بعمق من خمسة كيلومترات إلى 12 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية، وبلغت مساحته نحو 800 كيلومتر مربع. سيطر الاحتلال على هذه المنطقة بين عام 1985 و2000، حين انسحب من معظم الأراضي اللبنانية، عدا 13 نقطة متنازعاً عليها حدودياً، مشمولة بـ"الخط الأزرق" الذي رسمته الأمم المتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي.
وإذا كان اجتياحا 1978 و1982 قد حصلا في خضمّ الحرب اللبنانية، وإذا كان الغرض منهما، بحسب المزاعم الإسرائيلية، هو إبعاد الفلسطينيين عن الحدود، ثم عن لبنان، فإن فكرة الاجتياح حالياً تبدو مختلفة في العديد من التفاصيل. بداية، فإن حزب الله هو من تفرّد بمواجهة إسرائيل بعد عام 1990، تاريخ انتهاء الحرب اللبنانية، وذلك بعدما كانت أحزاب وفصائل أخرى، لبنانية وفلسطينية، تقاوم جنوباً. وتفرّد حزب الله في مقاومة إسرائيل استند إلى عاملين أساسيين، العامل الأول هو اعتماد الحزب على العناصر البشرية الجنوبية، وهي بغالبيتها من الطائفة الشيعية، أي بيئته الطبيعية وفق عقيدته. والعامل الثاني هو الدعم الإيراني عن طريق سورية. وسمح ذلك بإنشاء الحزب بنية قوية، خصوصاً بعد الانسحاب الإسرائيلي من معظم الأراضي اللبنانية في عام 2000، وطوّرها لاحقاً عسكرياً.
وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، ثم انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 إبريل/نيسان من العام نفسه، تحول حزب الله إلى لاعب أساسي في لبنان مشاركاً في الحكومات وترشيح رؤساء للجمهورية والسيطرة على بيروت عسكرياً في عام 2008 والتدخل العسكري لحماية النظام السوري بدءاً من عام 2011. وهو ما أسهم في توسيع مداه العسكري داخل لبنان، ما يُصعّب عملياً فرضية أي اجتياح إسرائيلي للبنان. حتى إن الإعلام الإسرائيلي دائماً ما تطرق إلى مخاوفه من حزب الله، وأنه أصبح الطرف الذي يهدد المستوطنات الشمالية في الجليل الفلسطيني المحتل، فضلاً عن قدرته على إطلاق أربعة آلاف صاروخ يومياً في أي حرب مع إسرائيل، وفق القراءات الإسرائيلية. ولم يتردد الحزب في مرات عدة من الإشارة إلى احتمالات اقتحامه الجليل.
ينتشر 16 لواءً إسرائيلياً على الحدود اللبنانية
غير أنه في المقابل، عمدت إسرائيل إلى إجراء مناورات سنوية في مايو/أيار، بدءاً من عام 2007، أي بعد عدوان صيف 2006. مع العلم أن القصف الإسرائيلي الذي شمل جسوراً وطرقات في مختلف الأراضي اللبنانية، في ذلك العدوان، شكّل إشارة واضحة إلى نيتها عدم اجتياح البلاد، رغم محاولات توغل متفرقة، في وادي الحجير وبنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب وغيرها. حين لا تُقصف خطوط المواصلات، يعني أنّ هناك نية لاستخدامها. ومع أن فرضية غزو لبنان، كانت مستبعدة قبل 17 سبتمبر الحالي، أي تاريخ تفجير أجهزة "بيجر" في لبنان، ثم ما تلاها من تفجيرات أجهزة اللاسلكي في 18 سبتمبر، واغتيال مجلس قيادة قوة الرضوان (نخبة حزب الله) في 20 سبتمبر، وصولاً إلى اغتيال نصرالله في 27 سبتمبر، كل ذلك أعاد وضع احتمال حصول غزو بري إسرائيلي على الطاولة.
تحركات حدودية محدودة
وفي السياق، نقلت قناة "إيه بي سي" الأميركية عن مسؤولين أميركيين قولهم، أمس الأحد، إن "إسرائيل بدأت أو على وشك أن تبدأ تحركات حدودية ضيقة النطاق داخل لبنان". ويفسح هذا التصريح المجال لتفسيرات مختلفة، ومنها مفهوم "التحركات الحدودية الضيقة"، وما إذا كان ذلك يعني المسافة بين خمسة وعشرة كيلومترات داخل لبنان فقط، لا إلى شمال الليطاني، أو يعني أكثر من ذلك، وما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيعتمد سياسة الخداع التي اعتمدها شارون في 1982، لجهة "مطاردة مصادر القصف" وصولاً إلى بيروت. وفي سيناريو اجتياح بيروت، فإن إسرائيل ستحتاج إلى الكثير من الجنود والعتاد، سواء في حال هاجمت من جهة الجولان السوري المحتل، أو من الشريط الساحلي البحري لجهة الناقورة، أو حتى من القطاع الأوسط. ففي عام 2006، شارك عشرة آلاف جندي إسرائيلي في العدوان على لبنان، وارتفع الرقم إلى 30 ألفاً قبل نهاية الحرب في 14 أغسطس/آب 2006 بأيام قليلة.
وفي الأشهر الأخيرة، نشر الاحتلال ألوية من الفرقة النظامية 36 للقيادة الشمالية، وفرقة المظليين النخبة 98، والفرقة المدرعة الاحتياطية 146، ولواءين احتياطيين إضافيين (عشرة آلاف جندي في كل لواء). وبالتالي، ينتشر بين الجولان السوري المحتل والجليل حوالي 16 لواء (يبلغ عدد الجنود في كل لواء بين 1500 وثلاثة آلاف، عدا لواءي الاحتياط)، أي أنّ هناك ما بين 41 ألفاً و62 ألف جندي إسرائيلي على الحدود مع لبنان. ويشار إلى أن الاحتلال عمد إلى تفجير الألغام المزروعة في الجولان، لجهة لبنان، في الأشهر الماضية، موحياً بنيته شنّ غزو من هناك. مع ذلك، فإن فرضية إقامة "نتساريم" لبناني، أي شق طريق من الجولان إلى بيروت، عبر طريق بيروت ـ دمشق الدولي، يبقى أمراً صعباً، نظراً إلى طبيعة لبنان الجغرافية والمناخية، وأيضاً لأنّ حزب الله، ورغم الضربات التي تكبّدها، قادر وبالحسابات الإسرائيلية، على مواصلة القتال.