يستمر مجلسا النواب والدولة والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في تجاهل الاتفاق المعلن بين قيادة مليشيات حفتر ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، بشأن استئناف إنتاج النفط وتصديره، في وقت تشير فيه تصريحات جانب حفتر إلى فشل الاتفاق.
وقال المتحدث باسم قيادة مليشيات حفتر، أحمد المسماري، إن قيادة حفتر "فتحت خط حوار مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لحل الإشكاليات التي تواجهها الأزمة الليبية"، في إشارة للاتفاق بينها وبين معيتيق.
وفي مؤشر يدل على فشل الاتفاق قال المسماري، في تصريح لتلفزيون إماراتي اليوم الأحد، إن المجلس الرئاسي وقواته "هم وحدهم من يقفون ضد استئناف تصدير النفط"، معبراً عن أسفه بشأن تجاهل الأمم المتحدة للاتفاق.
من جانبها ورغم إعلان الحكومة الموازية، شرقي البلاد، عن استقالتها منذ أسبوعين، دعت وزارة خارجيتها "جميع دول العالم التي تهمها ليبيا، وخاصة البعثة الأممية، إلى التعامل بإيجابية مع الاتفاق"، في محاولة فيما يبدو لتحشيد مواقف دولية وأممية داعمة للاتفاق.
في المقابل، أكدت غرفة عمليات سرت-الجفرة، التابعة لحكومة الوفاق، رفضها الزج بها في "مماحكات سياسية ومنافع شخصية، سواء أكانت من جهات سياسية أو حكومية أو مناطقية". وقالت، في بيان لها ظهر اليوم الأحد، نرفض أن "تكون الغرفة ورجالها وتضحياتهم طرفاً في أية مناورات سياسية، حتى إن اتخذت شعارات براقة"، مضيفة "لا نكترث بخطوط أو تقسيمات ترسم من قبل الواهمين في الداخل أو من الخارج".
وشدد بيان الغرفة على "التأكيد على الانضواء تحت إمرة القائد الأعلى للجيش الليبي بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وتنفيذ تعليمات وزارة الدفاع ورئاسة الأركان وآمر الغرفة".
وجاء البيان بعد ساعات من تصريح لوزير الدفاع بحكومة الوفاق صلاح الدين النمروش، أكد فيه انفتاح الحكومة على "أي حل سياسي" شريطة عدم مشاركة حفتر فيه، بحسب الصفحة الرسمية للوزارة.
وتأكيداً على استمرار رفضها لاتفاق قيادة حفتر ومعيتيق؛ أعلنت المؤسسة الوطنية "رفع حالة القوة القاهرة عن الحقول والموانئ النفطية الآمنة فقط". وشددت المؤسسة في إعلانها على "أهمية التمسك بالثوابت المهنية وغير السياسية في أية ترتيبات تتعلق برفع حالة القوة القاهرة عن الحقول والموانئ النفطية"، مؤكدة أن رفعها لحالة القوة القاهرة يشمل "الحقول والموانئ الآمنة فقط". وأوضحت المؤسسة أنّ "القوة القاهرة" ستبقى مفروضة "على الحقول والموانئ النفطية التي تأكد وجود عناصر فيها من عصابات فاغنر، والجماعات المسلحة التي تعرقل أنشطة المؤسسة وعملياتها"، في إشارة إلى رفضها للاتفاق المعلن بين قيادة حفتر ومعيتيق الذي يقضي باستئناف كامل عمل الحقول النفطية والموانئ.
اتهمت ميليشيات حفتر المجلس الرئاسي بالوقوف ضد استئناف تصدير النفط، وعبرت عن أسفها بشأن تجاهل الأمم المتحدة للاتفاق
وإلى جانب الأنباء التي تم تداولها من قبل وسائل إعلام دولية عن رفض فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لاتفاق معيتيق مع قيادة مليشيات حفتر؛ فإن المجلس لم يعلن حتى الساعة عن موقفه الرسمي، أسوة بمجلسي النواب والدولة اللذين لم يعلقا بشكل رسمي أيضاً على الاتفاق.
ورغم عدم إعلان المجلس الأعلى للدولة عن موقفه من إعلان قيادة حفتر ومعيتيق؛ فقد قال عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، إن "أحمد معيتيق حاول توظيف استئناف تصدير النفط لمصالحه الشخصية، كما فعل حفتر أيضاً، الذي يريد أن يسدد ديوناً بلغت 50 ملياراً جراء الحرب على طرابلس، فيما أراد معيتيق أن يضمن مقعده في الرئاسي الجديد".
وبينما أكد معزب، في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية، على التوافق بين كل الليبيين على ضرورة استئناف تشغيل القطاع النفطي؛ فإنه أكّد على أن الحديث عن عودته بهذه السرعة سيكبد الدولة خسائر إضافية، موضحاً أن "قطاع النفط بحاجة لإصلاحات تقدر بالمليارات لكي يعود الإنتاج كما كان في السابق"، مشيراً إلى أن حفتر ومعيتيق فشلا في تحقيق أهدافهما.
وقد ذكرت مصادر ليبية متطابقة، مقربة من حكومة الوفاق ومجلس الدولة، وجود إجماع على الاستمرار بتجاهل الاتفاق بين قيادة حفتر ومعيتيق، وأكدت أنه لن يصدر أي تعليق من جانبهما بخصوصه. في حين أكد برلماني من طبرق لـ"العربي الجديد" عدم مشاركة أي ممثلين عن مجلس نواب طبرق في لقاءات ممثلي حفتر ومعيتيق في موسكو، بشأن الاتفاق المعلن.
ويرى الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي أن الخطوة من جانب حفتر والإصرار على الدفع بها إلى واجهة المشهد، هدفهما التشويش على الفرص التي نجح المجتمع الدولي في خلقها لوصول مجلسي النواب والدولة إلى توافق سياسي قريب. وأكد الجواشي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن استضافة موسكو لمثل هذه اللقاءات واحتضانها لهذا التوجه، خصوصاً في ما يتعلق بالنفط، يعنيا وجودها وراء الأمر وأن لها هدف ما، لكنه يرجح أن يكون كل الاتفاق هدفه بعثرة الأوراق التي تمكن ممثلو مجلسي النواب والدولة من لملمة شتاتها في لقاءات المغرب وسويسرا.
ويرى الباحث السياسي الليبي أن توافق المجلسين على معايير لاختيار شاغلي المناصب القيادية وتوزيعها جغرافيا يعدّ خطوة مهمة ورئيسية باتجاه توحيد المؤسسات السيادية، ويعني أنه لا داعي لاستمرار الانقسام، وأن الأرضية باتت ممهدة للقاءات مستويات أعلى في المجلسين.
لافتاً إلى أن سعي حفتر إلى تجاوز مجلسي الدولة والنواب، صاحبي القرار في لجنة الحوار، هو محاولة لاختراق المجلس الرئاسي لفرض أمر واقع، خصوصاً أنه يعيش مصيراً ينتظره أعضاء المجلس الرئاسي أيضاً إذا توافق مجلسا النواب والدولة على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وإنتاج وجوه سياسية جديدة.
وفي سياق متصل، قال المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة إن رئيسه خالد المشري التقى، اليوم الأحد، السفير الألماني لدى ليبيا، أوليفر أوفتشا، لمناقشة "تطورات الأوضاع السياسية والعسكرية في البلاد، والمبادرات المطروحة لوقف إطلاق النار، وفرص استئناف الحوار السياسي، وكيفية صناعة بيئة مناسبة لإنجاحه، ودور ألمانيا في الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام".
يرى مراقبون أن الاتفاق هدفه بعثرة الأوراق التي تمكن ممثلو مجلسي النواب والدولة من لملمة شتاتها في لقاءات المغرب وسويسرا
ويرى الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، من جانبه، في لقاء المشري بالسفير الألماني في هذا التوقيت، رداً غير مباشر من جانب مجلس الدولة، للقول إنه مستمر في لقاءاته السياسية من أجل الوصول إلى طاولة الحوار المنتظرة برعاية الأمم المتحدة.
وحول غياب موقف المجلس الرئاسي عن اتفاق قيادة حفتر ومعيتيق، قال الأطرش متحدثاً لـ"العربي الجديد" إن تأثيرات أطراف دولية وإقليمية على السراج لإرجاء تنحيه لم تفلح بالشكل المطلوب، معتبراً أن السراج تنحى فعلياً عن منصبه وآثر الانسحاب قبل الإعلان عن إعادة تشكيل المجلس الرئاسي نهاية أكتوبر المقبل، الأمر الذي أتاح لمعيتيق التحرك بحرية بعيداً عن قرار المجلس الرئاسي.
وأشار الأطرش إلى أن المفاوضات بين معيتيق وممثلي حفتر، وإن كانت تجرى منذ مدة برعاية موسكو؛ لم تكن تشكل أهمية أو ثقلاً يلفت أنظار قادة الطرفين في ليبيا، ولا حتى المجلس الرئاسي. لكنه يرى أن حفتر وحلفاءه يحاولون حالياً اختراق المجلس بعد أن فشلوا في إقصائه عن المشهد عسكرياً.
ويرى الأطرش أن حفتر سيركز في الوقت الحالي على مصراته، ذات الثقل السياسي والعسكري الأكبر في غرب البلاد، معتبراً أن تقاربه من معيتيق سيمكنه من إحداث فوضى وخلافات بين قادة المدينة وشخصياتها المؤثرة.
وعلى الرغم من ذلك كله، يؤكد الأطرش أن الاتفاق ولد ميتاً، فلم يصحب الإعلان عنه أي ترحيب دولي أو أممي، كما أن الصمت الداخلي الليبي يعني فشل آخر أوراق حفتر، بل يؤكد قرب خروج ورقة النفط من يديه بعد أن حاول استثمارها بشكل عبثي أكثر من مرة، ما يجعل روسيا نفسها تتجاوزه وتتجه إلى تفعيل التفاهمات التي توصلت إليها مع الجانب التركي، ومن بينها أوضاع مواقع النفط.