هل ستتغير سياسة بريطانيا تجاه الشرق الأوسط بعد تسلّم تراس

05 سبتمبر 2022
لا يمكن توقع تغييرات دراماتيكية في سياسة بريطانيا تجاه دول المنطقة (Getty)
+ الخط -

يكفي أن نعرف أن ليز تراس هي "مرشحة الاستمرارية" بالنسبة لـ"حزب المحافظين" ولزعيمه "المخلوع" بوريس جونسون، حتى ندرك أننا لن نشهد تغييرات دراماتيكية في سياسة بريطانيا تجاه أي دولة من دول الشرق الأوسط، وخاصة أنَّ الانتخابات في هذا السباق كانت داخلية، وبالتالي أي مرشّح عن الحزب لن يكون إلا تكملة لفترة حكم جونسون التي بدأت عام 2019.

قد يكون الفارق الأبرز بين الولايتين هو البعد الشخصي الذي جمع جونسون ببعض القادة العرب، خصوصاً قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ولاحقاً العلاقة الشخصية "الممتازة" التي جمعته بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، التي تعهّدت تراس بالحفاظ عليها قائلة: "سأكون أعظم صديق لأوكرانيا"، كما تعهّدت بالمضي قدماً في تزويد كييف بالأسلحة الثقيلة، وبفرض المزيد من العقوبات على نظام بوتين لهزيمته في أوكرانيا، لا بل واستعادة شبه جزيرة القرم. إلا أن هذه التعهدات التي بدأها جونسون تبدو اليوم أصعب مما كانت عليه قبل أشهر وسط حال الركود الاقتصادي التي تعيشها بريطانيا إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، تضاف إليها أزمة غلاء المعيشة التي كان ظلّها أكثر ثقلاً على البريطانيين من جيرانهم، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى ارتفاع أسعار الطاقة.

يصعب إذاً اليوم تقييم العلاقات البريطانية مع دول العالم بمعزل عن الغزو الروسي لأوكرانيا، والكارثة الاقتصادية التي ستحدّد ملامح تلك العلاقات. وبالتالي لن تكون الأولوية اليوم للعلاقة مع سورية مثلاً أو العراق أو لبنان أو اليمن، حيث ستكمل تراس ما بدأه جونسون، وربما تكون أكثر تحفّظاً منه في التعاطي مع أزماتنا الإنسانية والحقوقية منها قبل السياسية. ففي حين قالت تراس قبل أشهر إنها تعمل جاهدة على إطلاق سراح الناشط المصري المضرب عن الطعام علاء عبد الفتاح، فإنها لم تستجب لنداءات الاستغاثة التي أطلقتها عائلته، حتى أنها لم تجتمع بهم كوزيرة للخارجية، وعلاء لا يزال معتقلاً ومضرباً عن الطعام حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن تاريخ تراس السياسي لا يشي بالكثير من التفاؤل في قضايانا، وهي التي صوّتت عام 2016 ضدّ إجراء تحقيقات في الغزو الأميركي على العراق، وفي العام ذاته صوّتت ضد المساهمة في حل أزمة اللاجئين في أوروبا، معلنة بذلك تأييدها لنظام لجوء أكثر صرامة.

أما عن القضية الفلسطينية فهي منسيّة أيضاً بشكل علني وفجّ. فقبل شهر، مع تصعيد جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته على قطاع غزة متسبّباً في مقتل أكثر من 32 مدنياً وإصابة العشرات، أعلنت تراس أن المملكة المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس. وكانت تراس قد كتبت رسالة مفتوحة قبل تصريحها هذا بيوم إلى مجموعة الضغط البريطانية "أصدقاء إسرائيل المحافظين" تناشدهم فيها حشد نفوذهم لتفوز في السباق.

ولا تختلف رؤية تراس عن رؤية منافسها الذي خسر السباق ريشي سوناك في المسائل المتعلقة بالشرق الأوسط. إذ تعهّد المرشّحان منذ اليوم الأول للحملة الانتخابية التي استغرقت شهرين بالاستمرار في دعمهما لخطة رواندا المثيرة للجدل، والتي ترمي إلى ترحيل طالبي اللجوء إلى البلد الأفريقي. بينما تعهّدت تراس بشكل منفصل بتوسيع رقعة الخطة لتشمل بلداناً أخرى ولتتمكن من ترحيل المزيد من اللاجئين الهاربين من الحروب والقمع والتعذيب والاعتقال والموت.

سيرة سياسية
التحديثات الحية

وفي حين استهدف جونسون دول مجلس التعاون الخليجي في مرحلة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والسوق الموحّدة، ستستهدفها تراس اليوم في سعيها لمواجهة ارتفاع أسعار النفط والغاز. وبلغت قيمة التجارة الثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي ما يقرب من 45 مليار جنيه في عام 2019، عندما كانت تراس وزيرة للتجارة، ما يجعلها واحدة من أكبر الشراكات التجارية للمملكة المتحدة، حيث سعت بريطانيا لعقد اتفاقات تجارة حرة مع عدد من الدول والكتل لتعوّض عن العلاقة الجديدة التي فرضها "بريكست" مع السوق الأوروبية. وفي هذا الإطار تم توقيع اتفاقات تجارة حرة مع دول كاليابان وكندا وغيرها. يضاف إلى ذلك أن بريطانيا معنية اليوم بإقناع دول الخليج باتّخاذ موقف أقرب إلى موقفها في ما يتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا، بالنظر إلى أن تلك الدول ملتزمة باتفاق "أوبك+"، أي بتفاهماتها مع روسيا، حيث تريّثت في زيادة الإنتاج النفطي وضخّه إلى السوق العالمية.

من جانب آخر، منح انسحاب واشنطن الشكلي من المنطقة العربية بريطانيا التي تراجعت كقوة عالمية كبرى، فرصة لتعزيز نفوذها العسكري والدبلوماسي. ومن شأن اتفاقية التجارة الحرة أن تساعد في توسيع طرق التجارة البريطانية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما يمكّنها من عولمة طرقها التجارية. وربما تكون السياسة البريطانية في عهد تراس مختلفة أكثر في ما يتعلق بإيران والعلاقة معها. فقد يدفع الاتفاق النووي إيران لضخّ مليون برميل نفط في الأسواق يومياً، وبالتالي قد تشكّل العلاقة الجديدة مع طهران أولوية أوروبية وبريطانية أيضاً وسط الحاجة المتزايدة والموجعة للطاقة، على خلفية تراجع صادرات النفط والغاز من روسيا.

في الخلاصة، لا يمكن توقع تغييرات دراماتيكية في سياسة بريطانيا تجاه دول المنطقة، لكن الأمر المؤكد أن الملفات التي كانت مطروحة على طاولة جونسون ستنقل كما هي إلى طاولة تراس. ولا بد من انتظار الوجهة الأولى لرئيسة الحكومة الجديدة بعد تسلمها الحكم. فيما سربت بعض الصحف البريطانية عن مقرّبين من رئيسة الحكومة أن الزيارة الأولى ستكون للولايات المتحدة الأميركية لحضور الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ستلتقي على الأرجح بالرئيس الأميركي جو بايدن.

المساهمون