هل تنجح المفاوضات في جدة بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" بوقف إطلاق النار؟

14 مايو 2023
تأتي هذه الجلسة من المفاوضات وسط ترجيحات متباينة حول النجاح في الوصول إلى اتفاق (Getty)
+ الخط -

تنطلق مفاوضات جديدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة السعودية، اليوم الأحد، لبحث سبل التوصل لاتفاق يضمن وقف إطلاق النار، وسط ترجيحات متباينة حول نجاح تلك المفاوضات في تحقيق هدفها، في ظل وقائع ميدانية معقدة.

وتجري المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين طرفي القتال بوساطة سعودية أميركية، دشنتها الرياض وواشنطن منذ إبريل/ نيسان الماضي، عقب اندلاع القتال الذي أودي حتى الآن، بحسب تقديرات أولية، إلى مصرع نحو 500 من المدنيين وآلاف المصابين وعدد غير محصور من ضحايا الجيش والدعم السريع، كما أدى القتال إلى نزوح مئات الآلاف من العاصمة الخرطوم إلى الولايات القريبة، وعشرات الآلاف لدول الجوار مثل مصر وتشاد وإثيوبيا.

ورسم الوسطاء من السعودية والولايات المتحدة سيناريو لمبادرتهم يبدأ تدريجياً من اتفاق لهدنة إنسانية وفتح ممرات آمنة للمدنيين والسماح للمساعدات الإنسانية، وصولاً للمرحلة الثانية التي ستبدأ اليوم بدفع الطرفين نحو اتفاق طويل المدى لوقف إطلاق النار، تعقبه مرحلة ثالثة بخصوص الترتيبات الأمنية الشاملة، ومرحلة أخيرة بمفاوضات ذات طابع سياسي يشارك فيها المدنيون، وتحديداً القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وقبل انطلاق المباحثات، اليوم الأحد، سعى الجيش والدعم السريع في آن واحد لتعزيز مواقفهما التفاوضية بتحقيق انتصارات على الأرض، كما حدث في مناطق شمال بحري وشمال أم درمان في اليومين الماضيين، وجنوب الخرطوم، لكن فيما يبدو فشل الطرفان في تحقيق ذلك، إذ بقي الوضع الميداني، كما هو عليه في الأيام الأولى للحرب.

ولم تتضح حتى هذه اللحظة المواقف التفاوضية لأي طرف، لكن الجيش ظلّ يكرر في أكثر من مناسبة ضرورة عودة الدعم السريع إلى مقراته قبل ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تاريخ بداية التحشيد للحرب، كما ينادي بخروجه من جميع المواقع الاستراتيجية التي استولى عليها، بما في ذلك جزء من قيادة الجيش والمطار والقصر الرئاسي ومصفاة الجيلي وغيرها، فيما يشترط الدعم السريع فتح مسارات آمنة وحماية المدنيين في مناطق الاشتباك، والسماح لقوات الشرطة بالانتشار لتأمين المناطق والمنشآت الدينية، وكذا سحب كل القواعد العسكرية للطرفين من العاصمة، وتبادل الأسرى، وفرض رقابة دولية على وقف إطلاق النار.

في هذا السياق، يقول الخبير العسكري اللواء المتقاعد أمين مجذوب، إنّ المرحلة الثانية من مفاوضات جدة ستركز على وقف إطلاق النار وفض الاشتباك للقوات المتحاربة، وفتح الممرات الإنسانية، وتحتاج تلك النقاط الأربع لبحث تفاصيل عديدة من الجانبين، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أنّ وفدي التفاوض يعلمان جيداً أُسس التفاوض حول وقف إطلاق النار، وهناك عوامل عدة ستلقي بظلالها على المفاوضات، منها الموقف على الأرض والجانب الإنساني، وتطمينات الوسطاء، عدا عن الحاجة الماسة إلى إنهاء الحرب التي دخلت شهرها الثاني، بالتالي لا بد من وقف إطلاق النار لمعالجة الجوانب الإنسانية.

وأشار مجذوب إلى أنّ بند المساعدات الإنسانية نفسه لديه سياقات خاصة به، تتعلق بفتح الممرات الآمنة، وتحديد آلية لاستقبال المساعدات والإشراف عليها، وكذا آلية لتوزيعها، وكذلك لا بد من تحديد والاتفاق على أسس الرقابة على وقف إطلاق النار، وتحديد ما إذا كانت ستكون رقابة بشرية أم بتقنية الطائرات المسيرة.

وتوقع الخبير أنّ تعمل فرق الوساطة على وضع ورقة توافقية تكون أساساً للتفاوض حول وقف إطلاق النار.

فيما أوضح القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير محمد عبد الحكم لـ"العربي الجديد"، أنّ الآمال كلها معلقة على مفاوضات وقف إطلاق النار لإحداث اختراق كبير يبدأ بتطوير اتفاق الهدنة إلى وقف إطلاق نار لمدة 10 أيام، ثم لوقف إطلاق نار دائم محكوم بالتزامات ومراقبة، يعقبه البحث عن كل الترتيبات الأمنية، بما في ذلك حسم موضوع دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وصولاً للمرحلة الرابعة من المفاوضات التي يشترك فيها المدنيون لحل القضايا السياسية العالقة بالعودة للمسار السياسي.

وبين عبد الحكم أنّ واحدة من الصعوبات والعقبات التي جرى تجاوزها هو عدم رغبة قيادات الجيش والدعم السريع في التواصل، مبيناً أنّ وسطاء جدة نجحوا في خلق فرصة تواصل مباشر وغير مباشر، وهذا ما يساعد على إيجاد الحل.

فيما يقول المحلل السياسي عبد الله رزق في حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ كل عوامل النجاح متوفرة لمفاوضات جدة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأولها أنّ الولايات المتحدة والسعودية هما الأكثر تأثيراً على الطرفين، ولديهما مصالح في السودان، وكلاهما لا يمكن أنّ يغامر بعمل دبلوماسي كبير دون أن يضمن نجاحه، كما أن الانتخابات الأميركية حاضرة في المفاوضات بحيث إن الرئيس بايدن يحتاج لتحقيق اختراق في السياسة الخارجية ليبرز به اسمه وسط الرأي العام الأميركي الذي لديه اهتمامات بما يدور في السودان، لا سيما وسط النخبة السياسية في الولايات المتحدة، خصوصاً أنّ الإدارة الأميركية وضعت حرب السودان في خانة التهديد للأمن القومي، مبيناً أنّ ذلك مرده ربما الخوف من دخول منظمات إرهابية في معادلة الحرب، أو الخشية الدبلوماسية من كسب كل من الصين وروسيا نقطة في طريق التسابق نحو أفريقيا على حساب الولايات المتحدة والغرب عامة.

وأضاف المحلل السياسي أنّ الإرهاق العسكري الذي أصاب الطرفين خلال نحو شهر يمكن أنّ يكون عاملاً إيجابياً لصالح الوصول لحل للأزمة، لأن قبولهما بمبدأ التفاوض في حد ذاته مؤشر لعدم الرغبة في المواصلة في الحرب مجدداً.

من جهة أخرى، لا يتوقع الخبير العسكري عمر أرباب، في حديثه مع "العربي الجديد"، أي التزام من أي طرف بوقف إطلاق النار، لأن كلا الطرفين، حسب قوله، يعتقدان أنهما يستطيعان حسم المعركة عن طريق العمل العسكري، وجنوح أي طرف إلى السلم يأتي في حال شعر أحد الأطراف بقرب الهزيمة، بالتالي يقبل بالتفاوض والتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار لتدارك ما يمكن تداركه، وقد يستعد لتقديم تنازلات حتى لا يخسر كل شيء.

وأضاف أرباب أنّ الحالة الثانية التي قد تدفع للالتزام بوقف كامل لإطلاق النار هي حصول حالة من الإجهاد للأطراف المتحاربة، توصلهما لقناعة بأنّ العمليات العسكرية لن تجدي، وأنّه لا رابح في هذه الحرب الاستنزافية في مداها الطويل، مشيراً إلى أنّ كلتا الحالتين غير موجودة الآن في المشهد، لذا يستبعد أي التزام بوقف إطلاق النار، ما يتطلب من المجتمع الدولي الحاجة لبذل مزيد من الضغوط.