أثار قرار استعادة حوالي 47 قاضياً لوظائفهم بعد إنصافهم من المحكمة الإدارية جدلاً في تونس، حول مدى التزام السلطات التونسية بالقرارات القضائية، بعد مضيها في تعيين آخرين بدلهم في مناصبهم السابقة للإعفاء، وصرف وزارة العدل لتعويضات مالية عن عزلهم نهائياً.
وقررت المحكمة الإدارية أمس الأربعاء، إيقاف تنفيذ عدد من قرارات إعفاء قضاة (بين 47 و50 قاضياً)، بعد صدور قرار عزلهم بأمر رئاسي عدد 516 لسنة 2022، مؤرخ في الأول من يونيو/حزيران 2022.
وقال المتحدث الرسمي باسم المحكمة الإدارية عماد الغابري، إن "قاضي توقيف التنفيذ استند في أحكامه إلى نتائج إجراءات التحقيق التي أذن بها، من خلال مطالبة الجهات الإدارية المعنية بما يفيد تعليل وتسبيب الإعفاءات، لذلك فإن التعاطي القضائي مع هذه الملفات تم بحسب خصوصية كل ملف، وقد كانت ملفات الأحكام في عمومها من جهة قبول إيقاف تنفيذ قرارات الإعفاء التي لم يتوفر فيها الموجب الواقعي والقانوني".
وأوضح الغابري أنّ "الفصل 41 في قانون المحكمة الإدارية، يقول إنه بمجرد إعلام الأطراف المعنية، يعلّق فوراً تنفيذ قرار الإعفاء، بمعنى رجوع الوضعية إلى ما كانت عليه قبل صدور القرارات".
ووصف رئيس اتحاد القضاة الإداريين، القاضي الإداري وليد الهلالي، على "فيسبوك"، قرارات المحكمة بأنها "انتصار للحق والقانون"، مضيفاً في منشور آخر: "ننتظر إقالة وزيرة العدل (ليلى جفال)، التي غالطت رئيس الجمهورية وتلاعبت بمصير القضاة وعائلاتهم".
وأكد القاضي بمحكمة الاستئناف، عمر الوسلاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قرارات وقف التنفيذ الصادرة عن المحكمة الإدارية في إعفاء مجموعة من القضاة طبقاً لقانون المجلس الأعلى للقضاء، هي قرارات ملزمة وعلى الجهة الإدارية تنفيذه فوراً، طبقاً للفصل 41 من قانون المحكمة الإدارية".
وشدد الوسلاتي على أن "القاضي الذي صدر بشأنه القرار يعود إلى الوضعية السابقة لقرار الإعفاء، وبالتالي سيعود رئيس المجلس الأعلى للقضاء إلى منصبه نفسه في محكمة التعقيب، وليس إلى المجلس الأعلى للقضاء الذي تم حله، فرجوع صفة رئيس المجلس الأعلى للقضاء تتطلب عودة المؤسسة التي تم حلها بموجب مرسوم رئاسي".
وفسر الوسلاتي أنه "في صورة امتناع الوزارة أو الدولة عن تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية؛ فستعد حجة أخرى عن خروجنا عن دولة القانون إلى دولة اللا قانون، وستعطي صورة عن أننا في اتجاه منظومة استبدادية لا تحتكم إلى قرارات القضاء، باعتباره الفيصل والحكم في دولة القانون".
وقال وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، الأسبق، والحقوقي سمير ديلو، في تعليقه لـ"العربي الجديد"، إن "قرارات توقيف تنفيذ الإعفاءات نهائيّة، وباتّة، ولا تقبل أيّ وجه من أوجه الطّعن، وهي بالطّبع مُلزِمة للإدارة، وواجبة التّنفيذ فور إعلام الجهات المعنيّة بمنطوق الأحكام بشكل رسميّ".
وبيّن ديلو أن "تنفيذ قرارات توقيف تنفيذ الإعفاءات يعني استرجاع القضاة المعفيّين لوظائفهم كقضاة، ولمراكزهم الوظيفيّة السّابقة لقرارات الإعفاء (رئيس محكمة، وكيل جمهوريّة، عميد قضاة التّحقيق..)".
وحول امتناع الجهة التنفيذية عن تطبيق قرار المحكمة الإدارية، قال ديلو إنه "نظريّاً، من الممكن الامتناع عن تنفيذ هذه الأحكام، ولكنّ ذلك سيكون على المستوى السّياسيّ مكلّفاً جدّاً للسّلطة القائمة، فضلاً عن أنّ الامتناع عن تنفيذ حكم قضائيّ يشكّل جريمة".
وشدد ديلو على أن "هذا القرار مثّل ردّاً مباشراً على اعتبار رئيس الجمهوريّة قرار الإعفاء تاريخيّاً.. ولكن صمود القضاة وحملة التّضامن الكبيرة داخل البلاد وخارجها، فرضا قراراً تاريخيّاً حقيقيّاً، هو قرار توقيف تنفيذ الإعفاءات الظّالمة".
وتابع: "هذه أوّل مرّة منذ انقلاب سعيّد تقف فيها جهة رسميّة في وجهه، وتتصدّى لأحد قراراته، وتظهر أنّ الخلفيّة الحقيقيّة للإعفاءات ليست إصلاح القضاء، بل تطويعه لخدمة أجندة الرّئيس ومشروعه الشّخصيّ"، مشيراً إلى أن "مسؤوليّة فضيحة الإعفاءات يتحمّلها الثّالوث الذي يقف وراءها؛ رئيس الجمهوريّة ووزيرة عدله ووزير داخليّته، ومقتضيات الوطنيّة والمروءة تفرض عليهم الاعتذار والاستقالة" بحسب قوله.
وحول إمكانية تراجع الرئيس عن خياراته، قال ديلو: "لا أرجح ذلك، فشخصيّة السّيّد سعيّد لم تعد مجهولة ولا غامضة، وهو بمثابة قطار بلا فرامل.. ولو كان في قاموسه السّياسي آلاف الصّفحات لما كانت فيه كلمة واحدة من مشتقّات التّفهّم أو المراجعة أو الاعتراف بالخطأ".
واتهم أستاذ القانون، المساند لرئيس الجمهورية، رابح الخرايفي، وزيرة العدل بالتقصير والتقاعس بما يتصل بملف إعفاء القضاة،
وقال في تصريح صحفي إن "قرار المحكمة الإدارية المتعلق بإيقاف تنفيذ قرار إعفاء 47 قاضياً كشف عن تقاعس وتقصير من قبل وزارة العدل، في إشارة بالأساس للوزيرة، وذلك بسبب أن بعض الملفات خاوية"، حسب تعبيره.
واعتبر الخرايفي أن "قرار المحكمة الإدارية قد يكون له انعكاسات خطيرة، باعتبار أنه سيصبح في بعض الحالات هناك قاضيان في المنصب نفسه، قاض مباشر وآخر غير مباشر، من بين الذين تم إيقاف قرار إعفائهم"، مرجحا في المقابل أن "السلطة التنفيذية لن تلتزم بقرارات المحكمة الإدارية".