أعلنت وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، عن "بداية خروج بسيط" للقوات الأجنبية من ليبيا، في وقت اختلفت فيه التقديرات والآراء بشأن توقيت الإعلان وحجم الانسحاب العسكري من ليبيا، ومدى قدرة ليبيا على الاستفادة من التغيرات الإقليمية والدولية لحلحلة ملف القوات الأجنبية والمرتزقة في البلاد.
وجاءت تصريحات المنقوش خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها الكويتي أحمد الناصر الصباح، أثناء زيارتها للكويت التي قدمت خلالها شرحا للمبادرة الليبية للاستقرار، التي تعتزم ليبيا طرحها في مؤتمر دولي ستنظمه الشهر الجاري، وأضافت "ما زلنا نسعى إلى تنظيم أكبر وشامل لخروج المرتزقة والقوات الأجنبية".
ولم تسم المنقوش من الطرف العسكري الذي سحب جزءاً من قواته، خصوصاً وأن أبرز الأطراف المتدخلة عسكرياً في ليبيا، وهما تركيا وروسيا، لا تزالان في طور المفاوضات في هذا الشأن. كما أن اللافت في تصريحاتها أنها تأتي قبل أسبوع من اجتماع مرتقب للجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 مع ممثلي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، في جنيف، الأسبوع المقبل.
ووفقاً لمصادر مقربة من المجلس الرئاسي في طرابلس، فإن المؤتمر الدولي الذي تعتزم ليبيا تنظيمه، خلال الشهر الجاري، والذي أعلن عنه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مؤخرا، لا يزال في طور الترتيب، وإن كانت أجنداته تتركز حول ملفات تتعلق بسياسات دول متدخلة في الملف الليبي، وأبرزها ملف القوات الأجنبية والمرتزقة.
وتوافقت معلومات المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، على أن زيارة المنفي لألمانيا والمنقوش للكويت تأتي في هذا الإطار، كاشفة النقاب عن تلقّي المجلس الرئاسي موافقة عديد الدول للمشاركة في المؤتمر الذي سيعقد على مستوى وزراء الخارجية، مشيرة إلى أن اجتماع لجنة 5+5 مع ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن في جنيف، الذي تأجل من الأسبوع الجاري إلى الأسبوع المقبل، طالب به المجلس الرئاسي ليناقش آليات محددة لخروج القوات الأجنبية، بالإضافة إلى معالجة أوضاع المقاتلين المرتزقة، لا سيما القادمين من دول أفريقية مجاورة.
والأربعاء الماضي، طالبت المنقوش، خلال زيارتها للنيجر رفقة رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، بضرورة تطبيق تفعيل الاتفاقية الرباعية المعنية بحماية وتأمين الحدود المشتركة بين ليبيا ودول الجوار الأفريقي، بالإضافة إلى بحث ملفات الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وتسرّب المقاتلين والسلاح عبر الحدود، في إشارة إلى المرتزقة الأفارقة.
هناك أنباء عن انتقال روسي إلى العمق الأفريقي ومحاولة الاستفادة من الفراغ الذي أحدثه الانسحاب العسكري الفرنسي من دول أفريقية
وفي حين يقر الأستاذ الجامعي الليبي في العلاقات الدولية، مفتاح القدار، بوجود أهمية كبيرة للتحركات الليبية في اتجاه جمع الكلمة الدولية في الملف الليبي، ونقل موقعها في الملف من طرف مشارك إلى طرف منظم للرأي الدولي، سواء في المؤتمر المرتقب أو في مشاورات لجنة 5+5 العسكرية المرتقبة في جنيف مع ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن، فإنه يرى في الوقت ذاته أن الدور الليبي لا يزال قاصراً على محاولة الاستفادة من التغيرات الحاصلة في المنطقة، ولم يرق إلى مستوى الفعل.
ويؤكد القدار، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المنقوش تعني بـ"الخروج البسيط" نقل موسكو لجزء من مقاتلي شركة "فاغنر" إلى دولة أفريقية مجاورة، مشيرا إلى أن الأنباء بشأن تعاقد المجلس العسكري في مالي مع شركة "فاغنر" قد يكون على علاقة بهذه الخطوة، ولذا فهو يرى أن "المغادرة لم تأت بإرادة ليبية أو تحت ضغط دولي، وإنما لمصالح روسية، وما يجري هو فقط محاولة ليبية للاستفادة من التغيرات الحاصلة في المنطقة".
ويتابع القدار شرح رأيه بالقول "هناك أنباء عن انتقال روسي إلى العمق الأفريقي، ومحاولة الاستفادة من الفراغ الذي أحدثه الانسحاب العسكري الفرنسي من دول أفريقية"، واعتبر أن التوتر الكبير مؤخرا بين فرنسا والجزائر على علاقة بالتحالفات الجزائرية الروسية والتغيرات في الفضاء الأفريقي.
وقال "ليبيا تحاول أيضا الاستفادة من إمكانية انتقال تركيا إلى فضاءات أفريقية أوسع؛ فهناك حديث عن اتفاق تركي مع النيجر لبناء قاعدة تركية عسكرية وعقود اقتصادية كبيرة"، مشيرا إلى أن اقتناص مثل هذه الفرص يحتاج خبرات سياسية كبيرة ولا يبدو أنها متوفرة؛ بدليل محاولة سير الحراك الليبي في ركاب السياسة الأميركية التي تقف موقفا معاديا لموسكو وتحاول الضغط عليها للتخلي عن مواقعها في ليبيا.
وفيما يعد القدار الميل الليبي إلى السياسات الأميركية "خطأ استراتيجيا لأن المواقف الأميركية قد تتحول في أي قت"، يرى الناشط السياسي الليبي جمال الحمروني، في مقابل ذلك، أن السياسة الليبية لم تتحرر، وأن الانخراط الأميركي الكبير مؤخرا في ملفات الانتخابات وأعمال لجنة 5+5 جعلها رهين رغبات المصالح الأميركية التي لا تراعي مصالح ليبيا.
ويرى الحمروني أن "حلحلة حلف التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا يحتاج قبل التوافق الدولي توافقا محليا"، موضحا أن "المؤسسة العسكرية لا تزال منقسمة، وحفتر يرى في نفسه قائدا ولا يعترف بأي سلطة، ولجنة 5+5 لم تتمكن من إحداث أي وفاق عسكري؛ حتى توقف الحرب حدث بسبب توازن القوى الذي أحدثه التدخل الروسي والتركي على الطرفين"، مشيرا إلى أن الأطراف الليبية لا تزال غير مستعدة للتخلي عن شركائها الأجانب في الطرفين.
وإزاء إصرار تركيا على شرعية وجودها العسكري في ليبيا، أشار الحمروني إلى أن تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مؤخرا حول وجود "فاغنر" في ليبيا بطلب من مجلس النواب "لا يعد تراجعا أو ضعفا؛ فالقراءة الأخرى تعني أن روسيا باتت في مرحلة متقدمة من الاعتراف بوجودها في ليبيا، وبالتالي فهي تصريحات تشير إلى إصرارها على البقاء".
ويعبّر الحمروني عن مخاوفه من فقدان ليبيا للمبادرة، وضياع البوصلة من يدها في أتون المتغيرات الأفريقية مؤخرا، وقال "هناك إلحاج جزائري يتماهي مع الدعوات الروسية بضرورة مغادرة القوات الأجنبية من ليبيا بالتدريج. وهناك ضغوط مصرية بشأن الوجود التركي العسكري. ويضاف إلى كل هذا إمكانية عودة فرنسا لمواقع في أفريقيا مجددا من بوابة ليبيا، ومعنى هذا إمكانية تحول ليبيا إلى ساحة صراع نفوذ عسكري دولي"، مذكّرا بأن مليشيات حفتر كانت غطاء لهجوم قوة فرنسية على مواقع المعارضة التشادية في جنوب ليبيا، وقال "فرنسا لن تتخلى عن موقعها في ليبيا، بدليل أنها دعت إلى مؤتمر دولي في نوفمبر المقبل، والخوف من عودتها من بوابة حفتر مرجح وبشكل كبير".