خلال الأيام الأخيرة، برزت إشارات وتحركات إسرائيلية وأميركية، تتعلق بالاعتقاد بأن مشروع التطبيع الإسرائيلي – السعودي قد أخذ ضخّة أوكسجين جديدة. ولم تكن صدفة أن يأتي هذا في أعقاب تأجيل الرياض لفتح سفارتها في طهران وفي دمشق، إذ فُسِّرَت الخطوة الأخيرة بأنها ردّ على تعثر تطبيقات اتفاقية بكين بين المملكة وإيران، وهو تعثر لا شك في أنه حظي بارتياح الإدارة الأميركية، مع أن الخارجية الأميركية رفضت التعليق بخصوصه.
هذه الفرصة اغتنمها الثنائي الأميركي – الإسرائيلي للتشديد مجدداً على ملف التطبيع بين تل أبيب والرياض، وهو تشديد يحمل هدفين: الأول يتعلق بزيادة خلخلة الاتفاقية التي رعتها بكين، وهو ما من شأنه أن يخلخل الدور الذي لعبته الصين أخيراً. والثاني يتعلق بتمكين إسرائيل من الفوز بجائزة أكبر اعتراف بها في المنطقة.
ويبدو أن تحرك واشنطن وتل أبيب جرى بالتناغم، إذ سارع نتنياهو من جهته إلى طرح مقايضة مع استعداده لتقديم خطوات رمزية للفلسطينيين، على أن تكون الصفقة مع المملكة جوهرها، ومن أجل إبراز جديته، تراجع عن جزء من خطة التعديلات القضائية، المعروف أنّ أحد أهدافها هي في أن تكون غطاءً لإجراءات الضم في الضفة الغربية، من خلال إطلاق يد حكومة اليمين المتطرف في مصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان من غير رقيب ولا حسيب، لكن تراجعه اقتصر على الشق المتعلق بكيفية اختيار القضاة، كما أوضح في مقابلته مع تلفزيون "بلومبيرغ"، وهذا التنازل لن يكبح الانفلات الاستيطاني المتوقع لهذه الحكومة.
من خلال هذا "التنازل" المخادع، استرضى نتنياهو إدارة بايدن التي سارعت هي الأخرى إلى تكثيف الجهود التي بدأتها قبل أسبوعين بزيارة خاصة إلى المملكة قام بها مستشار الرئيس جيك سوليفان، والتي أكملها في أثناء مشاركته، قبل يومين، برفقة نائبة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند، في مؤتمر جدّة للسلام في أوكرانيا.
اختيار سوليفان تحديداً لتمثيل واشنطن في هذا المؤتمر، بعد أن كان في زيارة للسعودية قبل أسبوع، يشير إلى عزم الإدارة الأميركية على استكمال ما بدأته، ومتابعة الدفع في هذا الخصوص، إذ تراهن على أن توسيع التطبيع يقود إلى كبح تهويد الضفة الغربية، وبالتالي الحيلولة دون تحوّل إسرائيل إلى دولة ابارتهايد (فصل عنصري)، قد لا تقوى واشنطن حينها على احتضانها.
من جانب أخر، يبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن، يملك مصلحة انتخابية في التطبيع، إذ يعود عليه بمردودات انتخابية يحتاجها في منافسة ما زال غير قادر حتى الآن على الحسم فيها، رغم إنجازات إدارته وتحسّن الأوضاع في ظلها. من هنا، فإن تحقيق تسوية إسرائيلية سعودية يساعد الرئيس الأميركي في استقطاب واسع لدى الناخبين الوسط، الذي يتعذر فوز أي مرشح من غير تأييد واسع في صفوفهم، فضلاً عن أن مثل هذا التأييد يشكل مظلة واقية له من أي مرشح مستقل، وفي حال وجود هذا الأخير، ستتزايد حظوظه في ضوء ضعف مقبولية بايدن وترامب، كذلك من شأن تطبيع بهذا الحجم أن يزيد من مصادر التبرعات لحملته الانتخابية، ولو أن صندوقها ما زال الأغنى بين المرشحين من الحزبين.
بالرغم من ذلك، يشير بعض المراقبين والعارفين بحقائق العلاقات بين الإدارة والرياض إلى أنه "لا يوجد حافز سعودي لمساعدة بايدن" من خلال الاستجابة إلى مساعيه لتحقيق التطبيع، فالتوتر ما زالت رواسبه قائمة، ثم إن السعودية صاحبة المبادرة العربية في 2002، والمصرّة على شرط فلسطيني كبير كمقابل للتطبيع، من المستبعد أن تعطي ورقتها الكبيرة من غير ثمن يوازيها، والسؤال هو: إلى أي مدى يمكنها الاستمرار في هذا الموقف في منطقة تتصاعد فيها الأزمات الداخلية.
تصاعد الحديث عن صفقة تطبيع محتملة في أثناء زيارة سوليفان الأولى قبل أسبوعين للسعودية، ساهمت فيها تسريبات البيت الأبيض التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز". وفي الأيام الأخيرة التي تلت تأجيل فتح السعودية سفارتها في طهران، يعود هذا الحديث إلى الفوران مرة أخرى. لكن الاعتقاد الراجح في واشنطن أن هذه المسالة ما زالت رغبة أكثر منها إمكانية، أو بالأحرى كالسراب، قريبة وبعيدة في آن واحد.