هكذا قضى قائد "فاغنر" أيامه الأخيرة: رحلة إلى أفريقيا وسبائك ذهب من السودان

25 اغسطس 2023
أجرى بريغوجين لقاءات الأسبوع الماضي كان أحدها مع وفد من "قوات الدعم السريع" (رويترز)
+ الخط -

كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن قائد مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين قضى أيامه الأخيرة في التخطيط للمستقبل والبحث عن الذهب، وزار عدة بلدان قبل مقتله، في ما يبدو وكأنه جولة وداعية للرجل من دون أن يدرك ذلك.

وتستند الصحيفة في روايتها حول آخر أيام قائد المرتزقة إلى مقابلات مع أكثر من عشرة مسؤولين حكوميين وعسكريين أفريقيين، ومنشقين عن فاغنر، إضافة إلى مراجعات المحادثات المشفرة وبيانات الرحلات الجوية الخاصة به.

بريغوجين يزور بانغي ووفد "الدعم السريع" يهديه سبائك من الذهب

ويوم الجمعة الماضي، هبطت طائرة قائد فاغنر الخاصة في أفريقيا الوسطى، بحسب "وول ستريت جورنال"، في محاولة للحفاظ على العلاقة معها، إذ التقى مع الرئيس فوستين أرشانج تواديرا ورئيس استخباراته وانزيت لينغيسارا في القصر الرئاسي في العاصمة بانغي، وأكد خلال محادثاته أن التمرد الفاشل الذي قاده لن يثنيه عن إرسال المزيد من المقاتلين أو الاستثمار في هذه البلاد.

وفي اليوم التالي، كان بريغوجين يرحب بقادة قوات الدعم السريع السودانية، إذ هبطت مروحية تابعة لشركة فاغنر في بانغي وعلى متنها خمسة قادة من "الدعم السريع"، كانوا قادمين من إقليم دارفور حاملين صناديق هدايا تشمل سبائك من ذهب المناجم التي كانت قواته تأمن حمايتها غربي السودان.

وقال بريغوجين بحسب ما نقلت الصحيفة عن مسؤول سوداني، عقب تسليمه صناديق الذهب، إنه يحتاج إلى المزيد منها.

عقب ذلك، غادر بريغوجين بانغي، وتوجه إلى العاصمة المالية باماكو، بناءً على سجلات طيران طائرة خاصة كان يستخدمها كثيرًا في عبور القارة، قبل أن يعود إلى موسكو.

ومع سقوط الطائرة التي كان يستقلها بريغوجين وكبار مساعديه من موسكو إلى سانت بطرسبورغ يوم الأربعاء، انتهت المنافسة الدولية التي كانت تدور بهدوء منذ تمرد فاغنر بين الكرملين والأوليغارش الذين كانوا يحاولون الحصول على التأثير في عدة دول تنشط فيها، بحسب قول الصحيفة.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وعد، مساء الخميس، بالتحقيق في تحطم الطائرة التي كان يوجد فيها رئيس مجموعة فاغنر، واصفاً بريغوجين بأنه رجل "موهوب". وأضاف أن زعيم فاغنر "ارتكب أخطاءً جسيمة، لكنه حقّق نتائج".

إرث بريغوجين

وفي أعقاب مقتله، تدور أسئلة كثيرة حول إرث ومصير شركاته التي يبلغ عددها نحو مئة شركة، والتي كانت قد وسعت خدماتها تقريبا في الأشهر الأخيرة، لتشمل التمويل والبناء والإمداد والخدمات اللوجستية والتعدين والموارد الطبيعية والخيول الأصيلة.

وعن إحدى شركاته الخاصة بالسباقات والتي تتولى قيادتها ابنته بولينا، قالت الصحيفة نقلا عن مسؤولين غربيين وأفارقة إن دخلها يأتي من صادرات الذهب السوداني إلى روسيا، ومن صادرات الخشب من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الإمارات والصين. 

وترى الصحيفة أن مقتل بريغوجين يترك مستقبل تلك الشركات غير مؤكد، فيما يسعى الكرملين الآن إلى تأميم هذه الشبكة التي تتمحور حول سلطة بريغوجين نفسه.

وقال ديفيد لويس، من جامعة إكستر في المملكة المتحدة، إن الحركات والفصائل المرتبطة بالجيش الروسي قد تحاول الاستيلاء على العقود التجارية الخاصة بشركات قائد فاغنر، وقد تحاول إنشاء قوات جديدة على شاكلة فاغنر.

ورغم ذلك، تقول الصحيفة إن الشركات التي تديرها الاستخبارات الروسية كانت تتنافس للسيطرة على عقود فاغنر قبل مقتله، كما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أخبر شخصيًا رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى أن الوقت قد حان للنأي بنفسه عن بريغوجين.

إلا أن بريغوجين قلل من نهايته قائلا بطريقته الساخرة: "سنذهب كلنا إلى الجحيم، وفي الجحيم سنكون الأفضل".

معاملات قائد فاغنر: صفقات بالمصافحة والرواتب نقداً

كانت معظم المعاملات والصفقات التي يبرمها بريغوجين محاطة بالسرية ومغلفة بنظام غامض سمح للكرملين بإبعاد نفسه عن فاغنر وعن الاتهامات بالتورط في أعمالها، إلا أن فاغنر ساهمت في زيادة التأثير الروسي في أفريقيا كما أنمت الاحتجاجات ضد الغرب في هذه القارة.

وبحسب الصحيفة، فإن العديد من الصفقات أو المعاملات جرى إنجازها على أساس المصافحة فقط من دون معرفة تفاصيلها، باستثناء دائرة ضيقة صغيرة النطاق من مسؤولي المجموعة مثل ديمتري أوتكين، المسؤول السابق في المخابرات العسكرية الذي كان على متن الطائرة التي تحطمت الأربعاء.

وفي هذا السياق، تقول "وول ستريت جورنال" إن بريغوجين غالبًا ما كان يدفع رواتب الآلاف من العمال والمقاتلين والطهاة وجيولوجيي التعدين وأشخاص يعملون على وسائل التواصل الاجتماعي نقدًا، وفي بعض الأحيان تكون الأموال في كيس بلاستيكي يكون بحوزته نفسه، كما كان يرسل طائراته الخاصة إلى الحكومات لتحصيل أمواله نقدًا.

منذ أن قاد بريغوجين تمردًا فاشلًا في يونيو/ حزيران الماضي، يحاول الكرملين السيطرة على مملكته الغامضة، إذ كانت وزارة الدفاع الروسية، برئاسة المنافس والخصم الرئيسي له سيرغي شويغو، ترسل وفودًا لإبلاغ الحكومات الأجنبية بضرورة التعامل المباشر مع الدولة الروسية. لكن زعيم فاغنر رفض الخروج بهدوء وقام برحلات إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا من أجل الحفاظ على صلاته.

معتاد على الهروب

وكان أمير الحرب الذي فرضت عليه أكثر من 30 دولة عقوبات قد اعتاد على الهروب، فيما كان يسافر عبر طائرة تغلق أجهزة الاستقبال والإرسال عادة، كما كان يتجنب المجال الجوي للحكومات الموالية للغرب.

وتسهب الصحيفة في شرح تفاصيل حياة قائد فاغنر قائلة: "أجبر مرة على الهبوط المفاجئ وسط الصحراء بعد أن نفد الوقود في طائرته، وأدار المفاوضات في مدرج المطارات حتى يستطيع الهرب سريعا"، وتضيف: "لقد سافر مرارا بجوازات سفر مزورة، وكان حذرا للغاية، إذ كان يطلع متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مستجداته عبر رسائل صوتية يتعذر تحديد موقعها الجغرافي، أو من خلال مواقع فيديو يصعب تحديد نطاقها الجغرافي بالتحديد".

نشاط في ليبيا

تقول الصحيفة إن قائد المجموعة شبه العسكرية الروسية كان قد زار ليبيا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي للقاء خليفة حفتر، وكان يرتدي زيًا عسكريًا وقبعة ونظارات شمسية داكنة مع لحية كثيفة، حتى ظن السكان المحليون أنه من أتباع حركة سلفية إسلامية.

وكان تخفيه يأتي في سياق قناعته بأن نظام حفتر مخترق من قبل المخابرات الفرنسية ووكالة المخابرات الأميركية. وتشير الصحيفة إلى أنه طلب من حفتر مبلغ مئتي مليون دولار لتأمين حماية آبار النفط التي يسيطر عليها حفتر، فيما أرسل بريغوجين بعد شهر من اللقاء طائرة خاصة لاستلام الأموال.

بوتين قرر قتل بريغوجين بعد التمرد

وتقول الصحيفة إن الرئيس الروسي قرر قتل بريغوجين بعد تمرده، إلا أن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو اتصل ببوتين وأقنعه بالتخلي عن قراره وعرض استقبال قائد فاغنر وقواته في بيلاروسيا.

وبدأ الكرملين بالسيطرة على شبكة بريغوجين بعد التمرد، وقام عملاء من وكالة الاستخبارات الفيدرالية بمداهمة برج فاغنر الزجاجي في سانت بطرسبرغ للبحث عن أدلة ضد بريغوجين. كما صادرت قوات حفظ النظام أجهزة كمبيوتر وخوادم من أحد المقار التابعة له، وداهمت قوات الأمن شركات تابعة له، حيث وجدت المخابرات فيها مسدسات وجوازات مزورة وحوالي 48 مليون دولار أميركي وسبائك ذهبية.

ومع ذلك، كان بريغوجين يأمل إنقاذ مصالحه في أفريقيا والشرق الأوسط، إذ أرسل مجموعة من المقاتلين إلى جمهورية أفريقيا الوسطى لحماية الاستفتاء الذي يسمح للرئيس بالبقاء لولاية ثالثة، وأرسلت وحدة إلى الحدود مع الكونغو.

وقال مسؤولون أمنيون غربيون إن عمليات النشر الجديدة سعت إلى وضع موطئ قدم للمرتزقة على طول الحدود مع الكونغو، للحماية من هجوم المتمردين عبر الحدود.

المساهمون