هذه "التكتيكات الحقيرة" استخدمها الموساد لتهديد وابتزاز فاتو بنسودا

28 مايو 2024
المدعية العامة فاتو بنسودا، كمبالا 27 فبراير 2015 (إسحاق كاسمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- صحيفة ذا غارديان كشفت عن محاولات إسرائيل، عبر الموساد ورئيسه السابق يوسي كوهين، للضغط على المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، لوقف التحقيق في جرائم الحرب بالأراضي الفلسطينية.
- الضغوط تضمنت ابتزاز وتجنيد بنسودا، باستخدام تكتيكات "حقيرة" مثل التخويف وملاحقة أفراد عائلتها، في محاولة لتشويه سمعتها.
- بالرغم من الضغوط الإسرائيلية، تلقت بنسودا دعمًا من جوزيف كابيلا، وحذر المدعي العام الحالي، كريم خان، من ملاحقة أي محاولات لتخويف أو التأثير بشكل غير مناسب على المحكمة.

كشفت صحيفة ذا غارديان البريطانية في تحقيق صحافي، نشر صباح اليوم الثلاثاء، عن قيام إسرائيل عبر جهاز المخابرات الإسرائيليّة الخارجي (الموساد) بتهديد المدعية العامة السابقة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، في سلسلة من الاجتماعات السريّة حاول فيها رئيس الموساد السابق، يوسي كوهين، الضغط على بنسودا للتخلي عن التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبدأ كوهين باتصالاته السرية مع بنسودا في السنوات التي سبقت قرار المدعية العامّة بفتح التحقيق.

عُين كوهين مديراً لجهاز الموساد من رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو في عام 2016 بعد أن عمل لعدة سنوات مستشاراً للأمن القومي، ووفق مسؤول إسرائيلي كبير جرت اتصالات كوهين بالمدعية العامة بنسودا بتفويض من مستويات عليا في الحكومة الإسرائيلية مبررين ذلك بأن المحكمة تمثل تهديداً بالملاحقات القضائية ضد العسكريين الإسرائيليين.

وتنقل ذا غارديان عن مصدر إسرائيلي آخر على دراية بالعملية ضد بنسودا قوله إن هدف الموساد كان إما ابتزاز المدعية وإما تجنيدها لتلبية مطالب إسرائيل وتحقيق مصالحها، بينما يصف مصدر ثالث كوهين بأنه كان يتصرف كـ"رسول غير رسمي" لنتنياهو. قاد كوهين، الذي كان واحداً من أقرب حلفاء نتنياهو في ذلك الوقت ويظهر الآن بصفته قوةً سياسيّة بحد ذاته في إسرائيل، بشكل شخصي تورط الموساد في حملة استمرت لعقد تقريباً من البلاد لإضعاف المحكمة.

وقالت الصحيفة إن أربعة مصادر قالت إن بنسودا أطلعت مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائيّة الدوليّة على محاولات كوهين للتأثير عليها، وسط مخاوف بشأن الطبيعة المتزايدة للإصرار والتهديد في سلوكه، ووفقاً للروايات التي شاركتها مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، قال لها "يجب أن تساعدينا وتدعينا نهتم بك، أنت لا ترغبين في التورط في أشياء قد تضر بأمنك أو أمن عائلتك".

فيما قال شخص مطلع على أنشطة كوهين إنه استخدم "تكتيكات حقيرة" ضد بنسودا كجزء من جهد فاشل في النهاية لتخويفها والتأثير عليها، وشبه سلوكه بـ "المطاردة". كما لاحق الموساد أفراد عائلة بنسودا وحصل على نصوص تسجيلات سريّة لزوجها، وفقاً لمصدرين على دراية مباشرة بالموقف، ثم حاول المسؤولون الإسرائيليون استخدام المواد لتشويه سمعة المدعية.

من جهته قال المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في اتصال مع الصحيفة البريطانية "الأسئلة الموجهة إلينا مليئة بالعديد من الادعاءات الكاذبة وغير المستندة التي تهدف إلى الإضرار بدولة إسرائيل"، بينما لم يرد كوهين على طلب للتعليق ورفضت بنسودا كذلك التعليق.

مصادر للموساد داخل المحكمة الجنائية الدولية

وتلقت إسرائيل دعماً من حليف غير متوقع في جهودها للتأثير على بنسودا، حيث لعب جوزيف كابيلا، الرئيس السابق لجمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة، دوراً داعماً في الضغوط. ووفقاً لخبراء قانونيين ومسؤولين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية، فإن جهود الموساد للتهديد أو الضغط على بنسودا يمكن أن تصل إلى جرائم ضد الإدارة العادلة بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي، المعاهدة التي أنشأت المحكمة.

ويأتي كشف جهود الموساد للتأثير على بنسودا في وقت حذر فيه المدعي العام الحالي، كريم خان، مؤخراً من أنه لن يتردد في ملاحقة اي "محاولات إعاقة أو تخويف أو التأثير بشكل غير مناسب" على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، في الوقت الذي ترتكب فيه إسرائيل إبادة جماعيّة مستمرة في قطاع غزّة.

تعود قضية المحكمة الجنائية الدولية إلى عام 2015، عندما قررت بنسودا فتح فحص أولي للوضع في فلسطين بديلاً للتحقيق الكامل، كان تحقيقها مكلّفاً بإجراء تقييم أولي للاتهامات بارتكاب جرائم من أفراد في غزة والضفة الغربيّة والقدس الشرقيّة المحتلّة. وأثار قرار بنسودا غضب إسرائيل. وقالت صحيفة ذا غارديان وفقاً لمصدرين إنه كانت هناك شكوك بين كبار مسؤولي المحكمة الجنائيّة الدوليّة بأن إسرائيل زرعت مصادر داخل قسم الادعاء بالمحكمة، المعروف باسم مكتب المدعي العام. 

ويبدو أن أول تفاعل لكوهين مع بنسودا جرى في مؤتمر الأمن في ميونيخ عام 2017، عندما قدّم مدير الموساد نفسه للمدعية في لقاء سريع، وبعد هذا اللقاء أقدم كوهين لاحقاً على "مفاجأة" بنسودا في حادثة غريبة في جناح فندق في مانهاتن، وفقاً لمصادر متعددة مطلعة على الحادثة، حيث كانت بنسودا في نيويورك عام 2018 والتقت كابيلا في فندقه، وكان قد التقيا عدة مرات من قبل في إطار التحقيق الجاري للمحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المزعومة في بلاده، وبعد أن طُلب من طاقم بنسودا مغادرة الغرفة دخل كوهين، وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع. وقالت المصادر إن الظهور المفاجئ سبّب قلق بنسودا ومجموعة من مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية الذين كانوا يسافرون معها.

ترامب ساهم أيضاً

بعد الاجتماع المفاجئ مع كابيلا وبنسودا في نيويورك، اتصل كوهين مراراً بالمدعية العامة وسعى للقائها، كما تذكر ثلاثة مصادر. في البداية، أوضحت المصادر، أن رئيس الاستخبارات "حاول بناء علاقة" مع المدعية ولعب دور "الشرطي الجيد" في محاولة لسحرها. وكان الهدف الأولي، كما قالوا، تجنيد بنسودا للتعاون مع إسرائيل. مع مرور الوقت، تغيرت نبرة الاتصال مع كوهين وبدأ يستخدم مجموعة متنوعة من التكتيكات، بما في ذلك "التهديدات والتلاعب"، كما قال فرد مطلع على الاجتماعات. 

في ديسمبر 2019، أعلنت المدعية أنها لديها أسباب لفتح تحقيق جنائي كامل في مزاعم جرائم الحرب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. ومع ذلك، قررت تأجيل إطلاقه، واختارت أولاً طلب حكم من الغرفة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لتأكيد أن المحكمة لديها الولاية القضائية بالفعل على فلسطين.

وصعّد كوهين محاولاته لإقناع بنسودا بعدم متابعة التحقيق الكامل، وجرت ثلاثة لقاءات بينهما في الفترة بين أواخر عام 2019 وأوائل عام 2021، وقال مصدر مطلع إن كوهين في الاجتماعين الأخيرين أثار أسئلة حول أمنها وأمن عائلتها بطريقة جعلتها تعتقد أنه يهددها. وفي إحدى المناسبات، يُقال إن كوهين عرض على بنسودا نسخاً من صور زوجها، التي تم التقاطها سراً عندما كان الزوجان يزوران لندن.

كما ساند الرئيس الأميركي وقتها دونالد ترامب في الضغط على المدعية العامة، وفي قرار غير مسبوق فرضت إدارة ترامب قيوداً على التأشيرات وعقوبات على المدعية العامة، وكانت هذه الخطوة رداً على سعي بنسودا لإجراء تحقيق منفصل في جرائم الحرب في أفغانستان، التي يُزعم أنها ارتكبت من طالبان وكل من القوات الأفغانية والأميركية.