ونجحت اتصالات دولية في إنهاء جولة التصعيد التي بدأها الاحتلال الإسرائيلي يوم السبت، واستهدف فيها مواقع للمقاومة الفلسطينية، ومبنى غير مأهول بجوار حديقة، ما أدى إلى استشهاد طفلين وإصابة 16 فلسطينياً بجراح.
وأُغلقت الجولة الأخيرة من التصعيد، وهي الأعنف منذ انتهاء عدوان 2014، بوقف القصف الإسرائيلي، فأوقفت المقاومة بالتالي ردودها على العدوان. لكن السؤال في القطاع المحاصر والمُنهك بات أكثر عن الجولة المقبلة وموعدها وظروفها، وليس عن حالة الهدوء الهشّ التي باتت واضحة للفلسطينيين ولغيرهم. وبات كثيرون في غزة يعتقدون أنّ جولات التصعيد الأخيرة هي "بروفة" وتحضير لعدوان واسع على القطاع، رغم كل الضغوط الهادفة إلى عدم توسيع نطاق المواجهة، ومنع الوصول إلى عدوان شامل على القطاع، في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن تمرير "صفقة القرن".
لكن على الأرض تختلف المعطيات، حيث تستهدف الغارات الإسرائيلية مواقع المقاومة ومنصاتها وأدواتها القتالية، ما يعني أنّها دخلت مرحلة الضغط الأكبر على المقاومة عبر الاستهداف المنظّم لمواقعها، وليس مجرّد قصف الأراضي التي فيها المواقع العسكرية.
وإلى حدّ ما، كانت الغارات الإسرائيلية في السابق على مواقع المقاومة تستهدف المباني الصغيرة بداخلها ونقاط الرصد، لكنها في آخر جولتي تصعيد توسّعت وباتت تستهدف قدرات المقاومة نفسها، ما يعني أنّ معادلة القصف بالقصف التي وضعتها المقاومة تحتاج إلى تغيير، وفق ما يرى مراقبون.
أمّا الوسطاء الذين يسارعون لمنع تدهور الأوضاع أكثر، فإنهم يعملون لضمان وقف إطلاق النار، وليس لنزع فتيل التوتّر القائم والمستمر بفعل الإجراءات الإسرائيلية المتصاعدة بحق الفلسطينيين، وخصوصاً من خلال تشديد الحصار وإغلاق المعبر التجاري الوحيد، كرم أبو سالم، جزئياً.
وكان لافتاً، تأكيد منسق عملية السلام في الشرق الأوسط للأمم المتحدة، نيكولاي ميلادينوف، "أننا كنا بالأمس (أمس الأول) على حافة حرب حقيقية في غزة"، داعياً الأطراف المختلفة إلى التمسّك بالهدوء وضبط النفس. وبينّ المسؤول الأممي في مؤتمر صحافي في غزة أمس الأحد أنّ "هناك طريقة واحدة فقط لإنهاء التصعيد، وهي استعادة الهدوء وإيقاف إطلاق النار وإنهاء المعاناة الإنسانية في غزة".
أما رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، فأكّد من جانبه، أنه "من غير المسموح للاحتلال الإسرائيلي أن يفرض معادلات قواعد الاشتباك"، مشيراً إلى أنّ "أطراف عدة تحركت، لإعادة الهدوء لغزة واحتواء التصعيد الحاصل وكانت كلمة المقاومة العليا".
من جانبه، وصف الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، طلال عوكل، حالة الهدوء القائمة حالياً والتي أعقبت التصعيد الأخير بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بـ"الهشة تماماً"، مشككاً في الوقت ذاته بأن يكون الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار قد نصّ على وقف الطائرات الورقية الحارقة والبالونات المشعلة.
وقال عوكل، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الاحتلال حتى اللحظة لا يعرف ماذا يريد، فهو ليس من مصلحته الدخول في حرب جديدة ضد قطاع غزة، إلا في حالة واحدة؛ وهي إذا ما أراد إسقاط حكم حركة حماس كلياً"، موضحاً أنّ "ما يجري حالياً هو بمثابة ضغط ورسائل محددة لأطراف منها مصر وحركة حماس. فالاحتلال أراد تغيير قواعد اللعبة وهو ما لم يحصل حتى اللحظة، خصوصاً أنّ هناك ردعا وردعا متبادلا، وحراكا متواصلا لمسيرات العودة شرق قطاع غزة".
ورأى عوكل أنّ "الاحتلال بدأ التصعيد حينما فكّرت مصر بتوجيه دعوة لحماس لزيارة القاهرة، ثمّ صعّد مرّة ثانية حينما عاد وفدها إلى القطاع مجدداً، ويبدو أنّ الاحتلال يريد قطع الطريق أمام أيّ حراك مرتبط بالمصالحة الفلسطينية"، مضيفاً أنّ إسرائيل "ستبقى ترفع سيف التصعيد بين الفينة والأخرى حتى تضمن فشل المصالحة الداخلية، وإذا نجح أي جهد في تحقيق الوحدة، فعندها ستقرّر شنّ حرب جديدة على القطاع كما فعلتها في السابق". وتوقّع عوكل كذلك أنّ "تتواصل عملية التصعيد بين الفينة والأخرى، وقد تأخذ طابعاً أشدّ مما حصل أخيراً لأن إسرائيل معنية بالضغط على حماس، خصوصاً في الملفات التي يجري نقاشها بين الجانبين، كالجنود الأسرى ومسيرات العودة والتهدئة".
في غضون ذلك، ذكر الباحث في الإعلام السياسي والدعائي، حيدر المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ جولة التصعيد الأخيرة "جزء من فعل إسرائيلي متسلسل، هدفه استنزاف قدرات المقاومة، مستغلاً عامل الوقت، وعدم وجود حراك حقيقي يخرج غزة من الأزمة الإنسانية التي تشهدها".
وأشار المصدر إلى طبيعة التصعيد "الذي تستفيد منه إسرائيل أكثر عبر معادلة القصف بالقصف، لأن استفادتها على المستوى المادي أكثر من استفادة المقاومة الفلسطينية على المستوى المعنوي"، موضحاً أنّ "إسرائيل تمارس تدميراً ممنهجاً يُحدث تأثيراً بمرور الوقت على قدرات المقاومة".
واعتبر المصدر أنّ "أصحاب القرار في غزة مطالبون بدراسة المعادلة بشكل أفضل، والتركيز على فعاليات مسيرة العودة وأنشطتها السلمية، مع الحدّ في هذه الفترة من البالونات الحارقة التي تخدم الأصوات المتطرفة داخل إسرائيل التي تدعو لشنّ حرب واسعة ضد غزة"، لافتاً إلى أنّ "ردّ المقاومة لا يعدو كونه تثبيت معادلة، مع غياب التأثير الحقيقي على الطرف الإسرائيلي". وأوضح كذلك أنّ "ما هو تكتيكي اليوم، يمكن أنّ يؤجل لغدٍ، طالما أن غيابه لن يحدث أي ضرر"، في إشارة للبالونات الحارقة.