لا يزال المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، ومعه المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ، وسفراء الدول الراعية للسلام، يجرون اتصالات واسعة بالأطراف اليمنية في محاولة للخروج باتفاق لتجديد الهدنة المنتهية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وتصطدم هذه الجهود باشتراطات متجددة لجماعة الحوثيين، التي تجد الظروف مؤاتية لتحقيق مزيد من المكاسب، لا سيما في ظل الاحتياج العالمي للإبقاء على حالة الاستقرار في المنطقة.
وألقى مجلس الأمن الدولي قبل أيام، باللوم على الحوثيين، في فشل جهود المبعوث الأممي، نظراً لرفضهم مقترحه الذي تقدم به قبل أكثر من أسبوع. ويتضمن المقترح دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية (بمناطق سيطرة الحوثيين) وفتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة من دون عوائق. كما يتضمن تعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق العسكرية والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين، بالإضافة إلى الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة، وقضايا اقتصادية أوسع، بما في ذلك الخدمات العامة.
وبدأ المبعوث الأميركي تيموثي ليندركينغ، يوم الجمعة الماضي، جولة جديدة في المنطقة، بإجراء مباحثات مع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، حيث ناقش سبل التعاون لتجديد الهدنة. ونقل حساب الخارجية الأميركية على "تويتر"، عن ليندركينغ قوله إنه "يجب علينا دعم الاستقرار في جميع أنحاء اليمن، ومساعدة الأطراف اليمنية على العودة إلى طريق السلام الدائم"، مشيداً بموقف مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الداعم لتمديد الهدنة.
ومن المتوقع أن يعقد المبعوث الأميركي مباحثات مماثلة في مسقط فضلاً عن مباحثات أخرى مع مسؤولين سعوديين، وقيادات يمنية في الرياض.
تجديد الهدنة واشتراطات الحوثيين
وقالت مصادر حكومية يمنية مطلعة على المفاوضات، لـ"العربي الجديد"، إن المبعوث الأممي ما زال يواصل جهوده الرامية لتجديد الهدنة المنتهية، فضلاً عن تمديدها وتوسيعها لستة أشهر، لكن جهوده اصطدمت باشتراطات الحوثيين واعتراضاتهم المتكررة.
وأضافت المصادر أن جماعة الحوثيين تستغل الضغط العالمي الدافع نحو تجديد الهدنة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، "وكلّما لمسوا من الأطراف المعنية تجاوباً أضافوا مطالب جديدة".
يطالب الحوثيون بصرف رواتب القوات العسكرية والأمنية التابعة لهم
وأوضحت المصادر أن الحوثيين "اشترطوا في البداية صرف رواتب الموظفين المدنيين من دون ربطها بإيرادات النفط القادم عبر ميناء الحديدة، وبعدما وافق الجانب الحكومي والتحالف، رفعوا سقف مطالبهم، وهم الآن يطالبون بصرف رواتب القوات العسكرية والأمنية التابعة لهم، بحجة صرف رواتب موظفي وزارتي الدفاع والداخلية في مناطق سيطرتهم".
وبحسب المصادر، فقد "تكفلت السعودية بصرف رواتب الموظفين المدنيين، ليفتح الحوثيون صفحة جديدة من الاشتراطات، من ضمنها صرف الرواتب بالعملة القديمة (المعترف بها من قبل سلطاتهم في صنعاء)، وألا تمر عبر الجانب الحكومي، بل تسلّم إليهم بشكل مباشر ليتصرفوا فيها على هواهم، مع عدم ممانعتهم أن يكون ذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة". وكان زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، دعا في خطاب له أول من أمس السبت، إلى "وقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال ومعالجة ملفات الحرب، في ما يتعلق بالأسرى والأضرار".
أحد المصادر الحكومية قال لـ"العربي الجديد" إن المبعوث الأممي "يضغط حالياً على الحكومة المعترف بها للموافقة على مطلب الحوثيين في صرف رواتب موظفي وزارتي الدفاع والداخلية، ولم يعد فيهما أحد سوى مقاتلي الحوثي". ولفتت إلى أن غروندبرغ لجأ إلى هذا الأمر، بعدما عجز عن إقناع الحوثيين بالموافقة على تمديد الهدنة بعد استجابة الحكومة للمقترح الذي تقدم به.
تهديدات حوثية من دون فعل
في الوقت ذاته، يواصل الحوثيون إطلاق التهديدات باستهداف السعودية والإمارات والشركات العاملة في مجال النفط في الداخل اليمني، وسفن المشتقات النفطية العابرة عبر البحر الأحمر، في محاولة لاستثمار الاحتياج العالمي للطاقة الذي خلفته الحرب الروسية ضد أوكرانيا. لكن تهديدات الحوثيين لم تصل بعد إلى مستوى الفعل، فلم يطلق الحوثيون طائرات أو صواريخ حتى اللحظة ضد أي من تلك الأهداف المعلنة.
في المقابل، صعّد مجلس القيادة الرئاسي اليمني، خلال اجتماع ضمّ مجلس القيادة وكل قيادات الدولة للمرة الأولى في الرياض، يوم الخميس الماضي، من لهجته خلافاً للمعتاد، حيث استهجن "التهديدات الإرهابية" التي تتبناها قيادات الحوثيين ضد المؤسسات الوطنية ودول الجوار وخطوط الملاحة الدولية، مؤكداً "التزام الدولة بالدفاع عن المصالح العليا للبلاد، وردع أي تصعيد عدائي"، وفقاً لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ"، بنسختها التي تديرها الحكومة اليمنية.
لا يذهب الحوثيون حالياً نحو تصعيد ميداني، لاعتقادهم بأنه قد تحدث استجابة لشروطهم
ولم يتغير الواقع على الأرض، فمقتضيات الهدنة ما زالت سارية: رحلات الطيران تتدفق إلى مطار صنعاء، بواقع رحلتين يومياً خلال الأيام الثلاثة الماضية على الأقل، وفقاً لمصادر ملاحية وشهود عيان أفادوا "العربي الجديد"، وذلك في استمرار للرحلات التي جاءت كثمرة لاتفاق الهدنة المعلن برعاية أممية في شهر إبريل/نيسان الماضي لمدة شهرين، ومددت بنفس الشروط لفترتين إضافيتين.
الجبهات لم تشهد أيضاً تغيرات كبيرة سوى هجمات الحوثيين في الساعات الأولى عقب انتهاء الهدنة في 2 أكتوبر الحالي في مأرب وتعز والضالع وجبهات الساحل الغربي للبلاد التابعة لمحافظة الحديدة، قبل أن تعود الجبهات المختلفة إلى حالها كهدنة تتخللها مناوشات هنا وهناك، مع اتهامات متبادلة بارتكاب تلك الخروقات.
كما شهد يوم السبت الماضي إصابة 8 أشخاص في غارة نفذتها طائرة مسيّرة تابعة لجماعة الحوثيين، استهدفت مركبة مدنية في محافظة تعز، جنوب غرب اليمن.
وقالت مصادر عسكرية في محافظة مأرب لـ"العربي الجديد"، إن الحوثيين كثفوا من إطلاق طائرات الاستطلاع التي تحلق في سماء المحافظة، وفوق المواقع العسكرية للقوات الحكومية. وأشارت المصادر إلى أن قوات الجيش أسقطت قبل أيام طائرتين مسيّرتين حلّقتا في سماء المواقع التابعة للقوات الحكومية في مديرية مجزر غربي المحافظة. الأمر ذاته يتكرر في جبهات أخرى، لكنه لم يقد حتى الآن إلى أي تصعيد قد يؤثر على الهدوء السائد.
وأرجع الكاتب والباحث اليمني أحمد ناجي، في حديث مع "العربي الجديد"، الوضع الحالي، إلى "تفاصيل" قال إنها مهيمنة على المشهد، أبرزها "أن الحوثيين يعتقدون أنه قد تحدث استجابة لشروطهم، وبالتالي لا يودون خلال هذه الفترة الذهاب نحو التصعيد". وأضاف: "نعم، أطلقوا تهديدات، ولكن حتى الآن لم تحصل هجمات نوعية إن صح التعبير، هناك اشتباكات في بعض الجبهات ولكن ما زالت في حالة تشبه الاختراقات التي حصلت خلال فترة الهدنة".
وأوضح ناجي، وهو الباحث غير المقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، أن "الحوثيين يجدون أنه يمكن استيعاب الشروط التي يضعونها والاستجابة لها، وبالتالي يظلون يلوحون بالقوة وبالرفض وبالتهديد لتحقيق هذا، خصوصاً أنهم يعرفون أن المجتمع الدولي والفاعلين الكبار لا يودون رؤية أزمة طاقة جديدة في المنطقة، ويحاولون الضغط لإبقاء حالة الاستقرار مستمرة".
وعلى الجانب الآخر، رأى ناجي أن "مما يضمن بقاء الإجراءات الإنسانية، فتح مطار صنعاء واستمرار دخول المشتقات عبر ميناء الحديدة، أن مجلس القيادة الرئاسي حريص على الهدنة بكل تأكيد، ولا يود أن يتخذ خطوات قطع هذه الإجراءات الإنسانية خلال هذه الفترة، لأن عواقبها لن تكون لصالحه، كون إنجاح الهدنة هدفا رئيسيا بالنسبة للمجلس".
وحول مآلات الوضع الحالي، قال ناجي إن "الذي يحصل الآن أن هناك اتصالات مكثفة جداً بالحوثيين، الأمم المتحدة تتواصل مع الإيرانيين وبقية الأطراف التي لها علاقة جيدة بالحوثيين بحيث يتم الضغط لاتفاق التجديد وما زالت الأمور مستمرة". وباعتقاد الباحث، فإن "الوضع لن يذهب إلى التصعيد إلا إذا تكشفت مؤشرات لحالة رفض، وأن هناك استحالة في الوصول إلى اتفاق، وهو المؤشر الرئيسي لفشل هذه الجولة من المفاوضات ما يعني أننا قد نذهب إلى جولة جديدة من الصراع".