هجوم مقديشو.. رسائل بالدم من حركة "الشباب"

31 أكتوبر 2022
قتل 120 شخصاً في التفجيرين في مقديشو (حسن علي علمي/فرانس برس)
+ الخط -

أدى التفجير الدموي، الذي هز شارعاً مزدحماً يضم مقرات حكومية ومحال تجارية ومطاعم شعبية في العاصمة الصومالية مقديشو، السبت الماضي، إلى مقتل 120 شخصاً أشخاص، وإصابة نحو 320.

ولا تزال حصيلة ضحايا الهجوم مرشحة للارتفاع، وذلك بعد وصول عشرات الجرحى، حالات بعضهم حرجة للغاية، إلى المستشفيات، فيما تعهدت الحكومة الفيدرالية بنقل الحالات الصعبة إلى الخارج لتلقي العلاج.

وتبنت حركة "الشباب"، المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، الهجوم، الذي نفذ بواسطة سيارتين مفخختين تركتا في شارع زوبي المزدحم. وانفجرت الأولى عند المدخل الأمامي لمقر وزارة التربية والتعليم، بينما انفجرت الثانية بالقرب من محال تجارية إلى جوار مبنى الوزارة. وقالت الحركة، في بيان، إن الهجوم استهدف وزارة التربية، التي "تجند الطلبة وتدرس مناهج منحرفة".


نور محمد: "الشباب" تريد، من خلال التفجيرين، رفع معنويات مسلحيها

وقال الصحافي سعيد شنوا، لـ"العربي الجديد": "كنت في مقر وزارة التربية، عندما سمعت تفجيراً مدوياً وسقطت الأسقف على رؤوسنا. كان هناك نحو 200 طالب داخل مقر الوزارة، لكننا تمكنا من الهرب عبر الأبواب الخلفية، وخرج معظمنا سالمين". واعتبر أنه "لولا صلابة الجدران الأمنية التي ارتطمت بها شظايا التفجيرات، لكان مبنى الوزارة دمر على رؤوس الموجودين فيه".

وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال تفقده شارع زوبي، أمس الأحد، إن استهداف الأبرياء والأيدي العاملة والطلبة الذين كانوا في مقر الوزارة اعتداء بربري، وهذا يذكرنا بما حدث سابقاً في هذا الشارع (تفجير زوبي 2017 الذي أدى إلى سقوط نحو ألفي قتيل وجريح). وأضاف "لا يوجد تبرير لاستهداف الأبرياء، فمن قاموا بالاعتداءات يعتبرون خوارج، لا يرحمون أحداً".

وشدد شيخ محمود، في بيان، على أن الحرب على هذه الحركة ستستمر، "وأن مآسي أخرى لن تتكرر، ولن تجد حركة الشباب فرصة أخرى لتنفيذ اعتداءات إرهابية".

واعتبر أن "هذه الهجمات بمنزلة إثبات وجود لمن يتعرض لهزائم عسكرية متلاحقة في ميادين القتال. فبعدما فقدوا القدرة على الصمود أمام الجيش الوطني بدأوا بالاعتداء على الأبرياء". وقال: "تستمر المعارك العسكرية ضدها (الشباب) في الولايات الفيدرالية، ولن تتوقف هذه الحرب حتى ننتصر عليها". 

قرارات طارئة للحكومة الصومالية

وشكل رئيس الحكومة الفيدرالية حمزة عبدي بري، في اجتماع طارئ للحكومة أمس الأحد، لجنة وزارية، تتألف من 10 أعضاء، لتقييم الأوضاع وكشف ملابسات التفجيرين. وتعهدت الحكومة بأن تكفل تعليم الأطفال الذين فقدوا آباءهم في هذا الاعتداء، وإعادة ترميم بنك الدم الصومالي، الذي انهار بفعل الحرب الأهلية عام 1991، بعد أن أصبح مجمعاً سكنياً.

وتضمن بيان اجتماع الحكومة قرارات أخرى، تمثلت في تقديم مليون دولار أميركي لصندوق الطوارئ، واتخاذ تدابير أمنية في العاصمة لمواجهة مخططات حركة "الشباب"، إلى جانب إجراء تغييرات في القيادات الأمنية، وأيضاً إغلاق المدارس والجامعات لمدة ثلاثة أيام.

وقال حمزة بري في تصريح، الأحد الماضي، إن "قرار الحكومة هو القضاء على هذه الحركة نهائياً، وإن الحل الوحيد هو مواجهتها عسكرياً".

واعتبر أن "الهجمات التي يرتكبونها في مقديشو تعكس مدى وحشيتهم، فهم ينتقمون من الأبرياء بعد خسائرهم الفادحة في المعارك الأخيرة". وأضاف حمزة بري: "من كان يريد أن يفهم نوعية أفكار هذه الحركة، فهذه التفجيرات تفضح ألوانهم وأفكارهم، وما على الشعب والحكومة إلا مواجهة هذه الحركة وتحرير البلاد منها". 

دلالات التفجيرين في مقديشو

وقال الباحث الأمني نور محمد، لـ"العربي الجديد"، إن حركة "الشباب" تريد، من خلال التفجيرين، رفع معنويات مسلحيها بعد خسائر متلاحقة أدت إلى هزيمتها في أكثر من منطقة في وسط البلاد. وأشار إلى أنها تهدف أيضاً إلى إشغال الحكومة بقضايا أمنية داخلية في العاصمة مقديشو، لوقف العمليات العسكرية ضدها في مناطق سيطرتها بوسط البلاد.

ومن أهداف الحركة، بحسب محمد، استهداف الحكومة الفيدرالية في عقر دارها، "ما يعكس مدى نوعية هجمات حركة الشباب وتخطيطها لضرب أمن العاصمة، بالإضافة إلى استعراض عضلاتها وقوة تنظيمها كأقوى فرع لتنظيم القاعدة في تنفيذ المخططات الأمنية المميتة".

من جهته، أعرب الصحافي الصومالي عدنان علي، في تصريح لـ"لعربي الجديد"، عن اعتقاده أن "التفجير في تقاطع زوبي يحمل عدة دلالات ورسائل، أرادت من خلالها حركة الشباب إيصالها الى الداخل والخارج، أبرزها التأكيد على إثبات الوجود، ورد فعل انتقامي من العمليات العسكرية المستمرة ضدها، واستعراض قدرتها على استهداف مقار حكومية حساسة". 

اختراق أمني خطير في العاصمة

وأشار علي إلى أن "هذه التفجيرات الدموية كشفت عن وجود اختراق أمني خطير، يوحي بفشل أمني ذريع لصد هجمات قاتلة بهذا الحجم". 

وشدد على أن "هناك حاجة ماسة لتطوير خطة مقديشو الأمنية، من خلال إحداث تغييرات سريعة وجذرية في قيادات الأجهزة الأمنية، وتعزيز العمل الأمني داخل المدن لمنع تكرار مثل هذه الهجمات، والمساءلة القانونية لكل المقصّرين في ضبط أمن مقديشو". 


عدنان علي: التفجيرات الدموية كشفت عن وجود اختراق أمني خطير

يذكر أن شارع زوبي كان قد شهد في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 تفجيراً بشاحنة مفخخة، أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص وإصابة 1500. وفي حين لم تتبن أي جهة مسؤولية هذا الهجوم وقتها، اتهمت الحكومة الفيدرالية، التي كان يرأسها وقتها حسن علي خيري، حركة "الشباب" بالوقوف وراءه.

وفي حين دان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الهجوم، قال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في بيان، أمس الأحد، إنّ "هذه الهجمات التي لا معنى لها ضد المدنيين الأبرياء، بمن فيهم النساء والأطفال لا تذكرنا إلا بهمجية الحركة ضد شعبها، وتكشف النفاق الحقيقي لنواياها". وأضاف: "الهجوم الذي استهدف مؤسسة مكرسة لتعليم مستقبل البلاد لا يؤدي إلا إلى تعزيز التزامنا بالوقوف إلى جانب الشعب الصومالي ومحاسبة المسؤولين عن هذه الهجمات الجبانة والقاتلة". 

أعنف التفجيرات في مقديشو

وشهدت مقديشو منذ العام 2009 تفجيرات دموية أدت إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى. وأدى تفجير انتحاري لحاسوب، خلال حفل تخريج أول دفعة من كلية الطب في جامعة بنادر بحضور وزراء من الحكومة الانتقالية، في فندق شامو في كانون الأول/ ديسمبر 2009، إلى مقتل 4 وزراء، بالإضافة إلى مقتل وإصابة 20 شخصاً.

وفي أكتوبر 2011 أدى تفجير دموي بشاحنة استهدف مجمعاً حكومياً، يضم أربع وزارات بينها التعليم، قرب شارع زوبي، إلى مقتل 100 شخص، وإصابة 200 بجروح. وفي أكتوبر 2017 شهدت العاصمة الصومالية أعنف هجوم، مع مقتل 500 شخص وإصابة نحو 1500، بتفجير انتحاري لشاحنة في شارع زوبي.

وفي 28 أكتوبر 2017، اقتحمت مجموعة مؤلفة من 5 رجال فندق "ناسا هابلود" في العاصمة، بعد تفجير سيارتين مفخختين على مقربة منه، ما أسفر عن مقتل 27 شخصاً. وتبنت "الشباب" الهجوم. وأدى تفجير انتحاري بسيارة في ديسمبر 2019 إلى مقتل 100 شخص، وإصابة نحو 50، من بينهم طلبة جامعيون.

أما آخر الهجمات على العاصمة الصومالية، فوقع في 19 و20 أغسطس/ آب الماضي، حين أدّى هجوم كبير على فندق "حياة" إلى مقتل 21 شخصاً على الأقل وإصابة 117 آخرين، وهو هجوم قادته "الشباب" واستمر 30 ساعة. وكان هجوم بسيارة مفخخة في مقديشو قد وقع في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أدى إلى مقتل 81 شخصاً على الأقل، بينهم مواطنان تركيان، وإصابة أكثر من 100 آخرين.

المساهمون