في موازاة استمرار الحملة العسكرية ضد حركة الشباب في وسط الصومال وتقدّم الجيش نحو عمق المناطق التي كانت خاضعة لـ"الشباب"، فإن هجمات الحركة في العاصمة مقديشو لا تزال تحصد المزيد من أرواح المواطنين. وفي أحدث هجوم، استهدفت الحركة يوم الأحد الماضي مقر بلدية العاصمة التي تقع في قلب الحي القديم "حمروين"، علماً أن هذا المقر من بين المناطق المحصنة، وتحيط به حواجز تفتيش وسط انتشار كثيف لعناصر الشرطة.
وأثار هذا الهجوم تساؤلات عديدة حول كيفية تمكّن عناصر "الشباب" من الوصول إلى مقر البلدية وتنفيذ هجوم استمر خمس ساعات متواصلة، ما أدّى إلى مقتل 5 مدنيين وإصابة 4 آخرين بجروح وتصفية جميع المهاجمين الذين كان عددهم ستة أشخاص. ويرجح محللون أن الحركة استغلت انشغال الأجهزة الأمنية، لا سيما المخابرات، بالحملة العسكرية الراهنة ضد "الشباب" في أنحاء كثيرة من البلاد.
ودشن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الإثنين الماضي مؤتمراً للعلماء في مقديشو لمواجهة "الشباب" فكرياً، عبر جمع نحو 300 عالم دين من الداخل والخارج من التيارات السلفية والإخوانية والصوفية، وذلك لفضح معتقدات الحركة ومواجهتها فكرياً، ووصفها بالفرقة الضالة (الخوارج). وشدد الرئيس الصومالي في كلمة له خلال المؤتمر على أهمية مواجهة الحركة والأفكار الضالة المنحرفة والتي تتبناها بعض الجماعات.
وفي السياق، أعلن وزير الإعلام الصومالي داود أويس أن حصيلة القتلى من عناصر "الشباب" خلال عمليات الجيش في الأسبوع الماضي في إقليمي جلجدود ومدق، وسط البلاد، بلغت 323 قتيلاً، من بينهم قياديان. كلام أويس جاء خلال مؤتمر صحافي مشترك مع مبعوث الاتحاد الأفريقي إلى الصومال محمد الأمين سويف، أمس الأربعاء. من جهته، قال الأمين سويف إن المجتمع الدولي يقدر الجهود التي تبذلها الحكومة الفيدرالية للقضاء على "الشباب".
وشهدت مقديشو منذ انتخاب حسن شيخ محمود في مايو/ أيار الماضي، العشرات من المواجهات بين مسلحي "الشباب" والقوات الأمنية والهجمات الانتحارية، كان آخرها الهجوم على بلدية مقديشو. وسبق ذلك هجوم عنيف استمر ساعات على فندق مجاور للقصر الرئاسي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ويحذر مراقبون من ارتفاع وتيرة الهجمات والقلاقل الأمنية في العاصمة، في ظل انشغال الحكومة الفيدرالية بمعركتها المصيرية في الأقاليم الوسطى والجنوبية من البلاد.
"الشباب" تستغل الفوضى الأمنية
وفي هذا السياق، يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، محرر موقع "قراءات صومالية" عبد الرحمن سهل يوسف، في حديث مع "العربي الجديد"، إن انتشار أفراد الجيش الصومالي في مقديشو بشكل عشوائي، يساهم في استمرار الهجمات الانتحارية التي ينفذها مسلحو "الشباب". ويضيف أن المعركة المحتدمة حالياً بين الجيش والحركة هي معركة كسر عظم منذ بدء المواجهات الأخيرة، وأن الهجوم على بلدية مقديشو يعكس فوضى أمنية تعيشها العاصمة.
وحول الإجراءات الأمنية التي يمكن تنفيذها للحؤول دون وقوع مزيد من الهجمات في العاصمة، يقول سهل يوسف إن تعزيز الحرب ضد "الشباب"، لا سيما في المناطق الوسطى، إلى جانب تشكيل وحدات عسكرية متنقلة لمجابهة الحركة وفتح جبهات قتالية في ولايتي جوبالاند وجنوب غرب الصومال، كلها يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الضغط العسكري على "الشباب" وضرب قدرتها على تنفيذ هجمات في مقديشو.
باحث: انتشار أفراد الجيش الصومالي في مقديشو بشكل عشوائي، يساهم في استمرار الهجمات الانتحارية
ويشير إلى دور المجتمع المحلي في حفظ أمن العاصمة، وإيجاد تعاون أمني بين الأجهزة الأمنية والمجتمع، معتبراً أن هذا أمر ضروري جداً للحد من هجمات "الشباب"، لأن عدم وجود بطاقات هوية للمواطنين، لا يمكّن من التفريق بين المواطنين وعناصر الحركة المتغلغلة داخل المجتمع. ويضيف أن هذا الأمر يحتم اتخاذ إجراءات صارمة وضرورية لمواجهة الحركة من قِبل إدارة بلدية العاصمة، عبر تسجيل المواطنين، وخلق آلية تواصل بين المجتمع والأجهزة الأمنية لتلقي المعلومات والإبلاغ عن المشتبهين والمجرمين للأجهزة المعنية بحفظ الأمن.
ويقول سهل يوسف إن خسارة "الشباب" مناطق استراتيجية وساحلية وسط البلاد دفعتها إلى تنفيذ هجمات شرسة في مقديشو، ما يعني أن الحركة لا تزال تحتفظ بحماسها في تنفيذ الهجمات. ويعتبر أن "ما تفعله حالياً في العاصمة وهو رد فعل طبيعي لأي حركة مسلحة، لإبراز وجودها من جديد وعدم الشعور بالضعف، وذلك من خلال تبنّي سلسلة من الهجمات الانتحارية والمباشرة ضد قواعد الجيش والمرافق الحكومية".
هجمات للمناورة
ووفق خبراء ومراقبين، فإن الهجمات الانتحارية والاغتيالات التي تنفذها الحركة في العاصمة الصومالية، تكثفت لا سيما عقب إعلان الحملة العسكرية التي تستهدف وجودها في وسط الصومال في يوليو/ تموز الماضي. وبدأت الحركة بتنفيذ هجمات منذ أغسطس/آب الماضي، عندما استهدفت فندق "الحياة" القريب من مطار مقديشو، كما نفذت هجوماً آخر استهدف مقر وزارة التربية والتعليم في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بعد تفجير سيارتين مفخختين في شارع مزدحم ما أدى لسقوط مئات القتلى والجرحى.
وأخيراً الهجوم على فندق فيلا روز المجاور للقصر الرئاسي في ديسمبر الماضي، والهجوم على بلدية مقديشو الشهر الحالي. وهي سلسلة من التفجيرات والهجمات الانتحارية التي تعكس إصرار "الشباب" على توجيه ضربات عسكرية ضد الحكومة، على الرغم من الحملة العسكرية ضدها منذ سنوات.
آدم حسين: الحركة تركّز على تنفيذ هجمات في مقديشو لكي تُظهر أنها ما زالت فاعلة
وفي هذا الصدد، يرى آدم حسين، مدير مركز القرن الأفريقي لدراسة السياسات (مركز صومالي مستقل)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحركة تركّز على تنفيذ هجمات في مقديشو لكي تقول إنها ما زلت فاعلة وتسطيع شن هجمات في أماكن حساسة.
ويضيف أن هذا الوضع يفرض على الحكومة اتخاذ مزيد من التدابير الأمنية في حراسة المرافق الحكومية، والتركيز على حماية الأماكن المهمة للدولة، للحيلولة دون وقوع هجمات جديدة، لافتاً إلى إمكان الحركة مواصلة الهجمات في الجيوب الاستراتيجية للدولة، ولكن تظل معظمها غير فاعلة وتهدف المناورة في الدرجة الأولى.