استمع إلى الملخص
- الرئيس المنتخب دونالد ترامب والجمهوريون اعتبروا العفو استغلالًا للسلطة وإجهاضًا للعدالة، مشيرين إلى أن بايدن يحمي ابنه من الملاحقات القانونية، بينما فريق الدفاع عن هانتر كان قلقًا من تدخل إدارة ترامب.
- قرار العفو أثار انتقادات دولية، حيث وصفته موسكو بأنه "صورة كاريكاتورية للديمقراطية"، ويعكس الصراع السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين حول استغلال السلطة.
نكث الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الأحد، بتعهدات سابقة له، واختار عدم المغامرة بتعريض نجله هانتر، لـ"انتقام" قوي من الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بعد تسلّم الأخير منصبه رسمياً في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، أو حتى قبل ذلك، إذا ما مارس ترامب نفوذه على القضاء، لاستصدار حكم قاسٍ بحق هانتر بايدن بقضيتين يلاحق بهما الأخير، بل ربما توسيع الملاحقات القانونية بحقّ نجل الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته، لتشمل قضايا أخرى أكثر خطورة.
عفو رئاسي عن هانتر بايدن
واختار بايدن، العفو الرئاسي عن نجله، قبل مغادرته البيت الأبيض، ليصبح أول رئيس أميركي يعفو عن ابنه، بعدما كان كرّر مراراً أنه لن يذهب إلى هذه الخطوة. أما ترامب، فإنه رغم عدم منحه جواباً قاطعاً خلال حملته الرئاسية عمّا إذا كان سيعفو عن هانتر بايدن إذا ما فاز بالرئاسة، إلا أن تقريراً أخيراً لصحيفة واشنطن بوست، رأى وفق اعتقاد فريق الدفاع عن هانتر، أن ترامب صنّف الأخير في "لائحة الأعداء".
ترامب: العفو عن هانتر استغلال وإجهاض للعدالة
ومع الكشف عن الأسماء التي اختارها ترامب لشغل مناصب في إدارته المقبلة، ولو بصفة استشارية، فإن منها شخصيات من عائلته، علماً أن تأثير صهره جاريد كوشنر، على ملف الشرق الأوسط، كان واضحاً خلال ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021. وقبل مغادرته السلطة عام 2020، بعد خسارته أمام جو بايدن، عفا ترامب عن والد كوشنر، تشارلز كوشنر، من بين أكثر من 20 عفوا رئاسيا أصدرها، إذ كان كوشنر الأب قد أدين في 2004 بـ18 تهمة فيدرالية تتعلّق بالتهرب الضريبي والضغط على الشهود وارتكاب مخالفات مالية بحملات انتخابية، ونفّذ حكماً بالسجن عامين بسببها.
صراع لم يهدأ
رغم ذلك، فإن الصراع الذي لم يهدأ بين ترامب والديمقراطيين، ومع عائلة بايدن، حيث يتهمهم بملاحقته قانونياً طوال فترة رئاسته وما بعدها، ويعتبر أن هانتر بايدن لعب دوراً في ذلك، لاسيما بملف روسيا ومزاعم تأثيرها على حملة ترامب الانتخابية الأولى، وهو ما قد يقود الرئيس الجمهوري المنتخب إلى تشديد الضغط على هذه العائلة، حتى بعد ابتعادها عن السلطة، عبر معاقبة هانتر بايدن والضغط لسجنه.
وأصبح بايدن أول رئيس أميركي يعفو عن أحد أبنائه، إذ أعلن الأحد، قبل أسابيع قليلة من مغادرته البيت الأبيض، أنه أصدر عفواً عن نجله الذي كان ينتظر الحكم عليه في قضيتَي احتيال ضريبي وحيازة أسلحة نارية بشكل غير قانوني، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي. وجاء ذلك، بعد اعتبار وسائل إعلام أميركية، خلال الأسبوع الماضي، أن الوقت ينفد أمام بايدن لاتخاذ هذه الخطوة.
ولبايدن علاقة خاصة مع نجله هانتر، خصوصاً بعد وفاة نجله الآخر بو، بمرض عضال، كما أنه يرى أن ملاحقة ابنه بتهمة الاحتيال الضريبي والكذب على القضاء وحيازة سلاح ناري، "مسيّسة". وقال الرئيس الديمقراطي الأحد: "لا يمكن لأي شخص عاقل يدرس وقائع قضية هانتر أن يتوصل إلى أي استنتاج آخر غير هذا: هانتر استُهدف فقط لأنه ابني، وهذا خطأ"، متحدثا عن "سوء تطبيق للعدالة". وأضاف في بيان: "قلتُ إني لن أتدخل في قرارات وزارة العدل وقد التزمتُ وعدي حتى وأنا أرى نجلي يُحاكَم في شكل انتقائي وغير عادل". وبرأيه، فإن "الاتهامات في قضايا هانتر لم تظهر إلا بعد أن حرّض عليها العديد من خصومي السياسيين في الكونغرس من أجل مهاجمتي ومعارضة انتخابي". وتابع: "أنا أؤمن بالنظام القضائي لكنني أعتقد أيضاً أن (شكلاً) فظا من السياسة قد أصاب تلك العملية وأدى إلى إساءة تطبيق العدالة". ولفت إلى أن "هذه هي الحقيقة: أؤمن بنظام العدالة، ولكن بينما كنت أصارع هذا، أعتقد أيضاً أن السياسة الجامدة قد أثّرت على هذه العملية وأدت إلى إجهاض العدالة، وبمجرد اتخاذي هذا القرار في مطلع الأسبوع، لم يكن هناك معنى لتأخيره أكثر من ذلك". وأعرب عن أمله في أن "يتفهم الأميركيون سبب اتخاذ أب ورئيس هذا القرار".
وسبق لبايدن أن أكد مراراً أنه لن يمنح ابنه عفوا رئاسياً. وفي يونيو/حزيران الماضي، أدين هانتر بديلاوير، بجرم الكذب على المحكمة، بشأن حيازته سلاحاً نارياً وعدم تعاطيه المخدرات. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أقرّ هانتر رسمياً بذنبه بكل التهم التسع الملاحق بها في قضية الاحتيال الضريبي. وكان القاضي حدّد موعد جلسة النطق بالحكم في 16 ديسمبر الحالي. وأمضى هانتر جزءاً من العام الحالي في المحكمة، إذ أدين في مسقط رأسه، ولاية ديلاوير، بتهمة الكذب بشأن تعاطيه المخدرات عندما اشترى سلاحا ناريا، وهي جناية. لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيار، أكدت مجدداً في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أيام من فوز ترامب بالرئاسة، أن العفو أو تخفيف العقوبة عن هانتر بايدن "غير مطروح"، قائلة: "لقد طرح علينا هذا السؤال مراراً، وإجابتنا ثابتة، وهي لا".
وسبق للرؤساء الأميركيين أن أصدروا قرارات عفو لمساعدة أفراد عائلاتهم وحلفاء سياسيين. وأصدر بيل كلينتون عفواً عن أخيه غير الشقيق روجر، في تهم تتعلق بالمخدرات، وأصدر ترامب عفواً عن والد صهره، علماً أنه في الحالتين قضى المتهمان فترات عقوبتهما في السجن. وتعهّد ترامب، بعد فوزه بالرئاسة مجدداً، بالعفو عن أنصاره الذين اقتحموا مقر الكونغرس في السادس من يناير 2021 لمنع المصادقة على فوز بايدن بالرئاسة. وعلّق ترامب أمس، على عفو بايدن، متسائلاً عن سبب عدم شموله مقتحمي الكونغرس، وواصفاً إياه بأنه "استغلال وإجهاض للعدالة".
ولا يحق سوى للرئيس الأميركي العفو عن ملاحقين قضائياً أو مدانين في الولايات المتحدة، عبر استخدام السلطات الرئاسية الاستثنائية، لمنح العفو ما عدا للملاحقين بالعزل، وذلك بموجب الدستور، وهو أمر مستلهم من القانون الإنكليزي. ويعد قرار العفو عن هانتر، تتويجاً لقضية قانونية طويلة الأمد تتعلق بنجل الرئيس، والذي كشف علناً عن خضوعه لتحقيق اتحادي في ديسمبر 2020، بعد شهر من فوز والده بالرئاسة. ولا يغطي العفو الشامل عن هانتر بايدن فقط جرائم أدين بها، بل أيضاً أي جرائم أخرى "ارتكبها أو ربما يكون قد شارك فيها" من 1 يناير 2014 إلى 1 ديسمبر 2024، ما يعكس الخشية القوية لدى العائلة من تكثيف إدارة ترامب المقبلة ملاحقتها.
وقال هانتر بايدن في بيان، أمس، إنه لن يأخذ هذا العفو بوصفه أمرا مسلما به، وأضاف: "لقد اعترفت وتحملت المسؤولية عن أخطائي خلال الأيام الأكثر ظلمة من إدماني، الأخطاء التي تم استغلالها لإذلالي وإحراجي أنا وعائلتي علناً لأغراض سياسية".
ويعكس قرار بايدن العفو عن ابنه، رغبته بعدم المغامرة بمصير هانتر أو وضعه بيد ترامب. وكان الجمهوريون في الكونغرس، أطلقوا أيضاً في عهد الرئيس الديمقراطي إجراءات لمحاولة عزله بتهم فساد واستغلال السياسة لخدمة منافع عائلية، وهو ما فشلوا في تحقيقه. وخلال حملته الرئاسية هذا العام، لم يستبعد ترامب العفو عن هانتر بايدن إذا ما فاز مجدداً بالرئاسة. لكن فريق الدفاع عن الأخير، كان أكثر تشاؤماً، حيث كثّفوا أخيراً جهودهم قبل الحكم المنتظر في ديلاوير وكاليفورنيا، ونُقل عنهم أن لديهم "مخاوف حقيقية بشأن تدخل محتمل لإدارة ترامب، في النظام القانوني ضد هانتر بايدن، تبرر مطالبهم بالعفو عنه".
وذكرت صحيفة واشنطن بوست، السبت، أن ترامب وضع هانتر بايدن "ضمن لائحة الأعداء". وأصدر محامو بايدن السبت، وثيقة مطولة بعنوان "الملاحقات السياسية لهانتر بايدن" والتي رأت أن إدانته هذا العام "كانت بدوافع سياسية". وبحسب الصحيفة، فإن الوثيقة طالبت بالعفو، بزعم أن ترامب سيحوِّل نظام العدالة في البلاد ضد هانتر بمجرد توليه منصبه، علماً أن المحقق الخاص بالقضية، الذي وافقت عليه وزارة العدل، هو المدعي العام دافيد فايس، الذي كان عيّنه ترامب.
واستغلت موسكو قرار العفو، للتصويب على بايدن. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، لصحيفة "إزفستيا" الروسية، إن العفو "هو صورة كاريكاتورية للديمقراطية".
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس، أسوشييتد برس)