"هآرتس": الاحتكار المصري لملف غزة يخدم سياسة التقسيم الإسرائيلية

27 نوفمبر 2021
الصحيفة: توسع سيطرة مصر في غزة يخدم الاحتلال (فرانس برس)
+ الخط -

اعتبر محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس تسيفي برئيل في تحليل موسع نشره الجمعة، أن الاحتكار المصري لملف قطاع غزة يخدم السياسة المصرية، لكنه يخدم أيضا سياسة واستراتيجية إسرائيل بتثبيت الانقسام الفلسطيني بين قطاع غزة والضفة الغربية، كما يخدم سلطة حركة حماس ويمس باقتصاد وعوائد السلطة الفلسطينية.  

واستهل برئيل تقريره بانتشار صور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على لافتات في شارع الكورنيش، الذي يصل شمال القطاع بجنوبه. وتوقف بشكل خاص عند مسارعة مصر إلى الإعلان عن خطة لاستثمار 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، وإرسال فرق من المهندسين والعمال التابعين لإحدى أكبر الشركات المصرية في هذا المضمار، شركة أبناء سيناء، مشيرا إلى أن صاحبها إبراهيم العرجاني يعمل بتنسيق تام مع المخابرات المصرية ووفق توجيهاتها.  

وأبرز التحليل الإسرائيلي أن الاحتكار المصري لا يقتصر فقط على العمليات الأولية لإعادة الإعمار، بل يمتد لتنسيق عميق مع إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، اضطرت قطر على إثره لاعتماد آلية جديدة لتحويل المنحة القطرية المخصصة لإعمار غزة، وذلك بسبب معارضة إسرائيل لتحويل قطر الأموال نقدا عبر حقائب مباشرة لـ"حماس"، كان يحملها شهريا إلى غزة السفير القطري محمد العمادي.

وهدف هذا النموذج لإخراج الحكومة الإسرائيلية من حرجها أمام مواطنيها ودعم ادعاءاتها أنها لا تساعد "حماس" طالما ترفض الأخيرة الإفراج عن الأسرى وجثامين الجنود المحتجزة لدى الحركة.

ومن أبرز ما يأتي به التحليل حقيقة محاولة إسرائيل تجنيد الإمارات العربية المتحدة لتكون إشبين المعونات بدلا من قطر، لكن محاولتها قوبلت بالرفض، حيث أوضحت أبوظبي أنها ستكون مستعدة للمساعدة في إعادة الإعمار لقطاع غزة فقط إذا كانت مصر "صاحبة البيت"، وهو موقف تم الاتفاق عليه بين الإمارات والأردن والسعودية في شهر مايو الماضي.  

وبين التقرير أن السياسة المصرية المعلنة، من قبل مصر والحكومة الإسرائيلية لجهة تعزيز الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية تتناقض مع ما يتم فعله بموجب الآلية الجديدة، إذ إنه كلما زاد حجم الاستيراد عبر مصر كلما خسرت السلطة الفلسطينية من مداخيلها أكثر، لأنها تستحق رسوماً جمركية عن البضائع التي تصل إلى غزة عبر إسرائيل.  

أين السلطة الفلسطينية؟

ويربط التقرير بين إعادة الإعمار في القطاع والمنهج الإسرائيلي الرامي لتكريس الانقسام الفلسطيني، بما يخدم مواقف حكومات دولة الاحتلال بشأن عدم وجود شريك فلسطيني شرعي، وتثبيت اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد، خصوصا أن الولايات المتحدة أبدت وفقا لمصادر استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار غزة، على أن يكون الاتفاق مصحوبا بضمانات بأن لا يقوم أي من الأطراف بعمليات من شأنها ضرب ثمرات إعادة الإعمار.  

 كما تحرص مصر، بحسب التحليل في "هآرتس"، أن تتم كل عمليات الإعمار في قطاع غزة، عبر شركة أبناء سيناء، للعرجاني، وليس بشكل مباشر عبر الجيش المصري، على الرغم من أنه من يشرف فعليا على هذه العمليات، حتى يكون بالإمكان التوقيع على اتفاقيات عمل مع متعهدين من قطاع غزة. بهذه الطريقة تستطيع مصر الاستفادة  والاستعانة بتمويل من السعودية والإمارات، اللتين لا ترغبان حاليا بأي علاقة مباشرة مع "حماس"، لكنهما مستعدتان لمساعدة مصر في المحافظة على احتكارها السيطرة على غزة.  

توسع سيطرة مصر يخدم الاحتلال

 ولعل أهم ما يؤكده المحلل الإسرائيلي، تسفي برئيل هو أن توسيع السيطرة المصرية على قطاع غزة، يتماشى جيدا، بل يخدم سياسة إسرائيل التي تعرّف غزة ككيان مستقل، وهو ما يضمن لها بهذه الطريقة عدم توفر إمكانية لاتفاق سياسي في الطرف الفلسطيني أيضا. ووفقا لهذا الاعتقاد، فما دام التمثيل الفلسطيني الموحد والمتفق عليه غائباً، لن يكون لإسرائيل شريك فلسطيني، وبالتالي لا يمكن اتهامها بأنها لا تجد فائدة ترجى من المفاوضات.  

وإذ يشير برئيل إلى أن هذا التوسع المصري في القطاع يناقض هذا الموقف، للوهلة الأولى، التوجه المصري للدفع نحو مصالحة بين "فتح" و"حماس"، التي يفترض أن تفضي إلى انتخابات في كل مناطق فلسطين، وهي انتخابات يمكن أن تؤدي لانتصار "حماس" فيها، غير أنه يبين أن إسرائيل تعلمت من جانبها أن بمقدورها الاعتماد على محمود عباس بأن يقوم بدور حامي التخوم والثغور من أجلها، عندما قام بإلغاء الانتخابات التي كان يفترض أن تُجرى في مايو/أيار الماضي ولم يحدد موعدا جديدا.  

 ويؤكد برئيل أن الاعتبارات الإسرائيلية لا تغيب عن بال مصر، وهو ما ينعكس عمليا في عدم إصدار مصر دعوات لحل شامل للصراع، وبدلا من ذلك فإنها تكتفي بهدف "متواضع" هو تثبيت وقف إطلاق نار طويل الأمد يشمل تحميل "حماس" المسؤولية عن كل ما في القطاع، بما في ذلك قيام الفصائل الأخرى بجمع السلاح، وإلزامها بالتوقف عن المقاومة المسلحة في الضفة الغربية والقدس الشرقية لضمان إعمار غزة، والبقاء الاقتصادي للحركة.

ويعني هذا الكلام تبني الحكم المصري عمليا سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية التي ترفض الحديث عن أي تسوية سياسية شاملة، وتختزل كل ما يمكن تقديمه من طرفها بتحسين ظروف معيشة الفلسطينيين، بما في ذلك في القطاع، بوقف المقاومة المسلحة والعمليات في القدس المحتلة والضفة الغربية.   

ويبيّن التحليل المنشور في "هآرتس"، عملياً، عمق التماهي المصري وكل من الإمارات والسعودية والأردن، والقبول بالمواقف الإسرائيلية وشروط الاحتلال الإسرائيلي بما يتعلق بإعادة الإعمار، من دون أي إشارة لرفع الحصار عن القطاع، أو الضغط لجهة تحرك على أساس مبدأ حل الدولتين، أو حتى تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية، والسعي بدلا من ذاك لإيجاد حلول ولو كانت شائكة أو مركبة ما دامت تخدم مصالح دولة الاحتلال وتلقى قبولا لدى حكومتها.

المساهمون