"هآرتس": إسرائيل حوّلت جباليا إلى مدينة أشباح من دون العثور على أي محتجز

22 ديسمبر 2024
قصف إسرائيلي على القطاع، 1 ديسمبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعرضت جباليا لدمار هائل بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث دُمرت 70% من مبانيها ونزح 96 ألف فلسطيني، مع مقتل نحو ألفي مقاوم واعتقال 1500 آخرين.
- شهدت العمليات انهياراً لكتائب حماس، حيث تكبد جيش الاحتلال خسائر كبيرة، مع مقتل 35 جندياً وإصابة مئات آخرين، واستخدم الجيش طرقاً حذرة لتقليل الإصابات.
- جباليا، رمز النضال الفلسطيني، تعرضت لدمار شامل، مما يجعل عودة السكان بعيدة، حيث يتطلب إعادة البناء سنوات، وادعى الجيش أن التدمير كان ضرورياً لحماية الجنود.

بينما كانت جباليا تُطحن، وتدمّر الطائرات الحربية الإسرائيلية بيوتها، مجبرةً سكانها على النزوح جنوباً؛ حيث يعيش النازحون في الخيام جحيماً لا يقل قسوة، كان مستوطنو تل أبيب يرتعشون جرّاء الانفجارات التي كان يصل دويّها إليهم، في إثر القنابل والصواريخ التي ألقتها طائرات جيشهم على المخيم الفلسطيني البعيد بنحو 76 كيلومتراً عنهم. وهو ما حوّله عملياً إلى خراب على مد النظر، يمكن لمن بقي هُناك رؤية أبنية سديروت وأشكيلون، من فوقه!

فمن مشاهد تدمير القرى اللبنانية، وتفجير بيوتها على الشريط الحدودي، مروراً بتوسيع محور صلاح الدين (فيلادلفي) وتغيير معالمه في جنوب القطاع، إلى الخراب في رفح، ثم الدمار في مختلف مناطق القطاع، حتّى تخريب الشوارع والبنى التحتية في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة... لا شيء مما سبق يشبه الكارثة التي حلّت بجباليا، وفقاً لصحيفة "هآرتس" العبرية، والتي تنقل عن جيش الاحتلال تقديراته بأنه بعد شهرين على شروعه في العدوان العسكري الهائل على جباليا، في بداية 6 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، دمّرت 70% من مباني المعسكر كلياً. 

أمّا بالنسبة إلى عدد الفلسطينيين الذين هجرّهم الاحتلال من جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون مستخدماً شتى صنوف الوحشية والقوّة العسكرية وجريمتي التجويع والتعطيش، فيُقدّر وفق الصحيفة بـ96 ألف فلسطيني. وبحسب ما يدّعيه الاحتلال فقد قُتل نحو ألفي مقاوم، واعتُقل 1500 آخرون. وفي إثر هذه العملية، تحوّلت جباليا إلى مدينة أشباح، إذ لم يتبقَ فيها كما تقول هآرتس "إلا قُطعان كلابٍ هائمة بين الأنقاض تبحث عن طعام".

وطبقاً للصحيفة ذاتها، فإن انهيار كتائب حماس بات واضحاً تماماً، ففي المكان الذي نفّذ فيه جيش الاحتلال عمليتين عسكريتين سابقاً، الأولى في كانون الأول/ديسمبر العام المنصرم، والثانية في أيار/مايو الماضي، قبل أن يشرع بعمليته الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بات الواقع اليوم مختلفاً تماماً؛ حيث تعمل الفرقة 162 بأربعة أطقم حربية لوائية، في المنطقة التي تشمل كذلك بيت حانون وبيت لاهيا، فيما تُشغل حماس خلايا صغيرة، مسلّحة بأسلحة خفيفة مثل قذائف آر بي جي وقنابل.

وقُتل وفق الصحيفة 35 جندياً من جيش الاحتلال، فيما أُصيب مئات آخرون. وعلى إثر تلقي القوات الإسرائيلية إصابات كثيرة نسبياً، وخصوصاً خلال اقتحام مبانٍ جرى تفخيخها، بدأ جيش الاحتلال "باتباع طرق أخرى"، شملت تحركات أبطأ، وأكثر حذراً، ولكنها خلّفت وراءها دماراً هائلاً، بادعاء أن هذا التدمير، يقلل الإصابات في صفوف الجنود. 

وفي الإطار، ادعت الصحيفة أن جزءاً من العمليات العسكرية التدميرية في المخيم استند إلى معلومات استخبارية "انتُزعت من المعتقلين الغزيين"، الذين سيقوا إلى أقبية التحقيق في المعتقلات والزنازين الإسرائيلية؛ حيث ترتكب فظاعات وجرائم أدت إلى استشهاد عدد من الأسرى تحت التعذيب.

وبالتطرق إلى ما حدث مؤخراً، لفتت الصحيفة إلى أنه صباح أوّل أمس جرى حادث "خطير"،  وفي تفاصيله كما ادعت أن "فلسطينيين مسلحين حاولوا الخروج من المخيم والاتجاه جنوباً، مستغلين ضباب المعارك. ولكنهم فوجئوا بكمائن للجيش، ما أدى لمقتلهم". وبحسب الصحيفة فإن "جثة أحدهم وجدت عليها عبوتان، وعلى ما يبدو كان حاملها يخطط لتفجير نفسه بالقرب من الجنود". مع العلم، أنه كما تشير الصحيفة ذاتها "الاحتكاك المباشر بين الجنود والسكان قليل"، بعدما هجّرهم الجيش بالقوة والحصار والتجويع"، لافتةً إلى أنه "حتى الآن لا يزال عشرات الفلسطينيين في المستشفى الواقع شمالي المخيم، والذي يدّعي الجيش أن فيه مُسلحين".

في غضون ذلك، ذكرت الصحيفة أنه في بداية عملية تدمير جباليا التي يُقدر بأنها ستنتهي في الأسابيع القريبة، بقي الفلسطينيون في المخيم، ولكن الجيش لم يترك وسيلة تدمير وتهجير لإجبارهم على النزوح جنوباً. فيما أديرت هذه المعركة بالاستناد إلى "خطة الجنرالات"، والتي اقترحت تهجير كل السكان الفلسطينيين من شمال القطاع جنوباً باتجاه محور "نتساريم". وبذلك، باتت اليوم مدن بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا خالية تماماً، وبقي في مدينة غزة نفسها أكثر من مئة ألف فلسطيني.

وعلى الرغم من أنه خلال عملية "طوفان الأقصى" في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، سيق إسرائيليون من حفل "ريعيم" إلى مخيم جباليا كما أظهرت مقاطع مصوّرة استند إليها الجيش الإسرائيلي، لم يتمكن الأخير من العثور على أسير واحدٍ في جباليا، كما لم يعثر كذلك على أي أثر يقود لهؤلاء، وفق الصحيفة.
أمّا بالنسبة للفرقة 162 التي تعمل منذ شهرين على محو وتدمير جباليا، بقيادة العقيد إيتسك كوهين، فقد تكبّدت منذ بدء الحرب خسائر جسيمة؛ إذ قتل بحسب الصحيفة 235 من جنودها، بينهم 74 من جنود لواء "جفعاتي"، فيما أصيب خمسة آلاف، 3700 منهم عادوا إلى القتال بعد تعافيهم من جروحهم.

جباليا التي تعد شرارة الانتفاضة الأولى، ورمزاً للنضال الفلسطيني، والتي اندلعت منها المواجهات التي فجّرت الانتفاضة في الضفة وغزة يوم 9/12/1987، والتي قادت في نهاية المطاف إلى توقيع اتفاق أوسلو، لم تشهد منذ عام 1994 دخول جندي إسرائيلي واحد مشياً على الأقدام. ولكن على إثر الخراب الذي أحدثته آلة الحرب إسرائيلية بات بالإمكان اليوم، وبعد مرور ثلاثة عقود على الانتفاضة، رؤية الأبنية في كل من مستوطنات سديروت وأشكيلون، كما تشير الصحيفة. والتي اعتبرت أن النقاش بشأن عودة السكان الفلسطينيين، كجزء من صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، إلى بيوتهم في جباليا "بعيداً عن الواقع"؛ إذ سيتطلب الأمر بحسبها "سنوات كثيرة، أقلها عقد كامل، فقط من أجل إفراغ جباليا من الدمار، وإعادة بناء حاراتها من جديد".

وعلى الرغم من أنه ليس سراً أن جيش الاحتلال نفذ في جباليا "خطة الجنرالات" التي تهدف عملياً إلى إفراغ شمال قطاع غزة من سكانه، وتدميره لإعادة بناء المستوطنات في غزة، ادعى قائد "لواء جفعاتي"، ليران بطيطو، أن تدمير المخيم بهذا الشكل "كان ضرورياً"، فمن دون كل هذا الخراب "كان الجنود سيتعرضون للخطر الشديد". وبصفته قائداً شارك في القتال في خان يونس، ورفح، وأخيراً في جباليا، يعتقد بطيطو أن القتال في الأخيرة "كان الأكثر تعقيداً". بطيطو الذي لم يخرج سوى مرات قليلة من غزة لزيارة عائلته في إحدى مستوطنات النقب، اكتشف مؤخراً على إثر ما ارتكبه وجنوده، أنه لدى خروجه من الجدار يلحظ الألوان والنسمات اللطيفة، أمّا هُنا حيث يوغل في التوحش فقد "مُحي كل أثر للون أو نسمة"، كما يقول في مقابلة مع الصحيفة.