استاء معارضو الرئيس قيس سعيد كما مؤيدوه داخل البرلمان التونسي، بعد إعلانه، مساء الأربعاء، تدابير استثنائية استحوذ بها على سلطات مجلس الشعب وصلاحياته، معتبرين أنه تم حل البرلمان بشكل مقنع وغير علني عبر تعليقه العمل بدستور الثورة 2014.
وأحدثت قرارات سعيد زلزالاً سياسياً مدوياً في تونس وفي صفوف البرلمانيين، ولم يتوقع النواب ذهابه نحو إلغاء الدستور، آملين في عودة عمل المؤسسات الدستورية ونهاية الوضع الاستثنائي.
وأكد وزير حقوق الإنسان الأسبق والنائب عن كتلة "حركة النهضة"، سمير ديلو، (كتلة النهضة 53 نائباً من أصل 217) في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه التدابير تعد حلاً للبرلمان بشكل غير معلن"، قائلاً: "فعلاً، الرّئيس استحوذ على كامل صلاحيّات البرلمان ولم يعلن حلّه رسميّاً تجنّباً للوصم بالانقلاب".
وأضاف: "هذه التّدابير تعني بشكل قاطع وواضح وصارخ ونهائيّ تعليق العمل بالدستور ولا معنى للتّعليق الجزئي بالإبقاء على التّوطئة والبابين الأوّل والثّاني، وما لا يتعارض مع الأمر الرّئاسي، فهذه بدعة غير مسبوقة"، بحسب قوله.
ووصف ديلو قرارات سعيد بأنها "انفراد كامل بالصّلاحيات التّأسيسيّة والتّشريعيّة والتّنفيذيّة والرّقابيّة، وهذه صلاحيّات لم يستحوذ على مثلها رئيس في تاريخ البلاد".
وأضاف: "انتقلت تونس اليوم من وضع الجمهوريّة الدّيمقراطيّة إلى وضع الملكيّة غير الدّستوريّة"، مشدداً بالقول: "لم نعد قطعاً في إطار المرحوم (دستور 2014) بل في إطار سلطة الأمر الواقع".
وتابع: "الرّئيس ماض إلى انتخابات مبكّرة وفق شروط يضبطها بشكل انفرادي، ولكنّ عدم الإعلان عن حلّ البرلمان مردّه بشكل أكيد تفادياً لوصف ما قام به بالانقلاب ..!".
ديلو: انتقلت تونس اليوم من وضع الجمهوريّة الدّيمقراطيّة إلى وضع الملكيّة غير الدّستوريّة
من جانبه، قال رئيس الكتلة الديمقراطية (38 نائباً)، والنائب عن "التيار الديمقراطي" نعمان العش، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "قيس سعيد حلّ البرلمان بطريقة غير معلنة ولكن ليس للرئيس الجرأة ليقولها صراحة".
وأكد أنّ "سعيد انقلب على الدستور وعلى البرلمان باعتباره خالف الفصل 80 الذي ينص على بقاء البرلمان في حالة انعقاد ولا يجوز حله خلال الحالة الاستثنائية".
وبيّن أنّ "سعيد يتلكأ مستعملاً سياسة المخاتلة من أجل تمرير أجندته التي اتضحت الآن بكل تجلياتها بتنفيذ مشروعه القائم على تغيير نظام الحكم من برلماني معدل إلى رئاسي يقوم على الشخص الواحد، بيده جميع السلطات يعيّن ويعزل كما يشاء".
وأضاف العش أنّ "سعيد أقدم على تعليق العمل بكامل الدستور، فلا وجود لشيء اسمه تعليق جزء من الدستور، فإما الالتزام به كاملاً واحترام أحكامه أو تركه كاملاً".
العش: سعيد أقدم على تعليق العمل بكامل الدستور، فلا وجود لشيء اسمه تعليق جزء من الدستور
وقال إنّ "كل القرارات الصادرة عن هذا الرئيس باطلة ويجب التصدي لها من أجل استرجاع الشعب التونسي لحقوقه في دستور يحفظ كرامته"، مبيّناً أنّ "مشكلة البلاد ليست الدستور بل بعض السياسيين في وقت يتعمد الرئيس التعميم لوصم كل النخبة بالفساد، فيما لم يحرك ساكناً لمحاسبة الفاسدين".
بدوره، رأى القيادي والنائب عن حزب "قلب تونس"، رفيق عمارة، (كتلة قلب تونس 28 نائباً)، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أنّ "الرئيس سعيد ضرب السيادة الوطنية وهدم التجربة الديمقراطية"، مشيراً إلى أنّ "البرلمان تم حلّه وظيفياً وفعلياً ولكنه بقي معلقاً قانوناً وشكلاً".
وأشار عمارة إلى أنّ سعيد "لم يجرؤ على حل البرلمان بشكل معلن حتى لا يضطر لإجراء انتخابات مبكرة أمام رقابة أممية"، موضحاً أنّ "هذه القرارات تمثل انقلاباً على الدستور الذي أقسم على حمايته، والدستور الذي أعطاه الصلاحيات الرئاسية".
وأكد أنّ "النواب سيلتحقون بداية من أول أيام أكتوبر/تشرين الأول المقبل بمقر البرلمان للاحتجاج على هذه القرارات..".
ودعا عمارة الرئيس سعيد، إلى "كشف قائمة النواب الفاسدين وعدم التستر وإحالتهم للقضاء والكف عن التعميم والمس من كرامة بقية البرلمانيين".
"الإله الدستوري"
إلى ذلك، قال القيادي والنائب عن كتلة "ائتلاف الكرامة"، حبيب بن سيدهم، (كتلة ائتلاف الكرامة 18 نائباً) في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "سعيد خشي ضمنياً من ردة الفعل الدولية من حلّ البرلمان لأنه التزم في 25 يوليو/تموز بعدم حله، وحتى لا يناقض نفسه"، معتبراً أنّ سعيد "يتبع سياسة اللف والدوران بحلّ البرلمان دون النطق بذلك".
وقال بن سيدهم إنّ سعيد "حلّ البرلمان فعلياً دون أن يعلن عن ذلك، بعد أن جمّده، وهو لم يعلن ذلك، حتى لا يدعو لانتخابات مبكرة تأتي ببرلمان جديد سينافسه كالعادة، ليترك هذا الأمر مفتوحاً أمامه ليحكم ويصول ويجول".
وأضاف أنّ "سعيد نصب نفسه الإله الدستوري الذي لا شريك له، وحلّ الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ليقينه أنّ هذه الهيئة ستخرج وتنطق وتقول إنّ ما قام به خرق جسيم للدستور".
وتابع: "بهذه التدابير قلب سعيد مفاهيم القانون الدستوري، باعتبار أنّ الأمر الرئاسي هو الأدنى في القاعدة القانونية والدستور في القمة، ولكنه اليوم قال إنّ كل فصل في الدستور يتخالف مع التدابير الاستثنائية سيلغى، بمعنى أنّ الدستور يجب أن يتلاءم مع الأمر الرئاسي حسب هرم قيس سعيد".
أما رئيس كتلة حزب "تحيا تونس"، مصطفى بن أحمد، (10 نواب) فبيّن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه تم "تعليق الدستور، والأمر أصبح يتجاوز البرلمان، فقد ألغى قيس سعيد كل السلطات واستحوذ عليها وحتى السلطة القضائية".
وحذر من أنّ "الوضع خطير جداً إزاء رئيس جمع كل السلطات بيده وألغى الفصل بين السلطات ووضع نفسه مكان كل السلطات مستأثراً بها كلها".
ومضى قائلاً: "استعان سعيد بالدستور للوصول إلى الحكم ثم عمد إلى تفكيكه إلى قطع غيار متجاوزاً وحدة الدستور وترابطه، كما قلب السلم القانوني جاعلاً من الأوامر الرئاسية التي يصدرها أعلى من الدستور".
وتابع بن أحمد أنّ "الرئيس تجاوز البرلمان وتجاوز جميع الأحزاب وجميع المنظمات، والأمر أصبح يتعلق اليوم بتونس وبالدولة، ونحن أمام امتحان حقيقي بين ما بنيت عليه من قوانين ومؤسسات وتراكمات منذ 60 عاماً، وبين تغيير كل ذلك بجرة قلم".
"موت سريري"
في سياق متصل، قال النائب عن "الكتلة الوطنية" ورئيس حزب "الراية الوطنية"، مبروك كرشيد (الكتلة الوطنية 9 نواب) في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الرئيس قيس سعيد أراد أن يبقي البرلمان تحت الموت السريري"، مشيراً إلى أنّ "هذا أساء لتونس ولن ينفعها في شيء".
وقال: "لست متفائلاً بهذا الوضع ويجب أن نستعد لمقاومة الحكم الفردي"، مشيراً إلى أنّ "سعيد تحوّل من رئيس منتخب إلى رئيس صاحب صلاحيات مطلقة يحكم بإرادة منفردة، والأمل الذي كان لدي في 25 يوليو بأن نغير البلاد نحو الإيجابي وأن نسير خطوة نحو إرساء دولة ناجعة وديمقراطية، تبدد اليوم".
وبيّن كرشيد أنّ "المراسيم التي سيصدرها سعيد غير قابلة للإلغاء، وهيئة دستورية القوانين ألغيت وحتى الرقابة على القوانين ألغيت كما لم يضع سقفاً لهذه الفترة التي قد تدوم حتى إلى كافة فترته الرئاسية (حتى العام 2024)".
وأوضح أنّ "سعيد انفرد بجميع السلطات "التشريعية والتنفيذية، والقضائية أيضاً، فيمكنه تنظيم عمل القضاء بهذا النص"، محذراً من "أننا أصبحنا أمام سلطة فردية فلا أمل لتغيير الدستور بشكل تشاركي".
وشدد كرشيد على أنه "علينا التعود على التعاطي منذ الآن مع هذا الحكم الفردي وأن نجد آليات للحد من هذا الانفراد من الحكم".
من جانب آخر، رأى النائب المستقل حاتم مليكي، (مجموعة غير المنتمين 28 نائباً)، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أنّ "ما صدر عن الرئيس سعيد يعتبر تعليقاً للدستور، لكل أبواب الدستور، السلطة القضائية والسلطة المحلية والهيئات الدستورية إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية، مبقياً فقط على الأحكام العامة في البابين الأول والثاني".
وأكد المليكي أنّ "سعيد أقدم بذلك على حل البرلمان وحل كل مؤسسات الدولة بما فيها الرئاسة، لأنّ الدستور ينظم المؤسسات والسلطات وفي إلغائه إلغاء للجميع المؤسسات".
وقال إنها "خطوة غير محسوبة وغير مدروسة"، موضحاً أنّ "سعيد أصبح يسيّر السلطة التشريعية والتنفيذية وعلّق بقية السلطات، القضائية والهيئات الدستورية والسلطة المحلية".
وشدد المليكي على أنّ "إلغاء العمل بالدستور يلغي شرعية رئيس الجمهورية، فالرئيس منتخب على أساس دستور 2014 ويستمد شرعيته منه وينظم الدستور صلاحياته".
وقال: "كان من الأفضل عند تعليق العمل بالدستور أن يسلّم الرئاسة إلى رئيس المحكمة الإدارية أو رئيس المجلس الأعلى للقضاء وأن يدعو لانتخابات مبكرة رئاسية".