نواب البرلمان المغربي يتغيّبون رغم "الإجراءات الزجرية"

26 سبتمبر 2024
جلسة في البرلمان المغربي (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- نسبة غياب البرلمانيين وأسبابها: تقرير حديث يكشف أن نسبة غياب البرلمانيين في المغرب تجاوزت 60%، مع أعلى نسبة حضور 59.24% خلال المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2024، وأقل نسبة حضور 25.32% في جلسة 24 يونيو. الإجراءات الزجرية لم تحد من الظاهرة.

- الإجراءات المتخذة والتحديات: مجلس النواب المغربي تبنى إجراءات صارمة مثل خصم أيام الغياب وتلاوة أسماء المتغيبين، لكن البعض يعتبرها غير كافية لردع النواب عن الغياب.

- تداعيات الظاهرة وآراء الخبراء: الغياب المزمن يعود إلى تواطؤ مع المتغيبين ونوعية النواب المنتخبين. الأحزاب السياسية تُلام على تغييب الكفاءات، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في البرلمان ويضعف شرعيته.

كشف تقرير حديث نُشر أمس الأربعاء، أن نسبة غياب البرلمانيين عن الجلسات داخل مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) في المغرب تجاوزت الـ60%، وهو ما يعيد الجدل حول الظاهرة، وسط اتهامات بأن عدم المساءلة الحقيقية هي السبب وراء هذا الغياب. وقبل أيام قليلة من افتتاح العاهل المغربي الملك محمد السادس السنة التشريعية الرابعة، في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، كان لافتاً تنبيه تقرير لجمعية "سمسم – مشاركة مواطنة"، أمس الأربعاء، إلى تسجيل استمرار العزوف بين نواب البرلمان عن حضور الجلسات التشريعية، إذ تغيب ما يصل إلى 63% من النواب والنائبات خلال السنة الثالثة من الولاية التشريعية الحالية عن الجلسات، وقدر المعدل العام لنسبة حضورهم بـ37.28 %، أي حوالي 148 نائباً من أصل 395 نائباً برلمانياً.

وأظهر التقرير أن أعلى نسبة حضور بلغت 59.24% بمناسبة المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2024، في إطار القراءة الأولى. أما أقل نسبة حضور داخل مجلس النواب، فجرى تسجيلها خلال الجلسة المنعقدة بتاريخ 24 يونيو/ حزيران الماضي، دون أن تتجاوز 25.32% أي حوالي 100 نائب فقط من أصل 395 نائباً.

وتؤكد قراءة ما تضمنه التقرير من أرقام أن الغياب بات صورة لصيقة بالمؤسسة التشريعية في المغرب، رغم المزاوجة بين الإجراءات الزجرية والإغراءات التي تشجع البرلمانيين على الحضور إلى الجلسات العامة وأشغال اللجان البرلمانية. وبالرغم من تبني مجلس النواب المغربي السنة التشريعية الماضية إجراءات أكثر صرامة للحد من غياب البرلمانيين، وذلك من خلال خصم أيام الغياب من تعويضاتهم الشهرية وتلاوة أسمائهم في الجلسات العامة، وفقاً لما ينص عليه النظام الداخلي، فإن هذه الخطوات لم تكلل بالنجاح المطلوب في الحد من ظاهرة الغياب.

وتنص المادة 146 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه يجب على النائبات والنواب حضور جميع الجلسات العامة، وعلى من أراد الاعتذار أن يوجه رسالة إلى رئيس الجلسة مع بيان العذر قبل انعقاد الجلسة، ولا يعتبر أي عذر مقبولاً إلا في حالات منصوص عليها، وتنشر لائحة الحاضرين والتغيبات في النشرة الداخلية للمجلس وموقعه الإلكتروني.

وتورد المادة 147 من النظام الداخلي لمجلس النواب أنه "إذا ثبت تغيب عضو عن جلسة عامة من دون عذر مقبول، يوجه الرئيس تنبيهاً كتابياً إليه، وإذا ثبت تغيبه مرة ثانية من دون عذر عن جلسة عامة في الدورة نفسها يوجه إليه الرئيس تنبيهاً كتابياً ثانياً، ويأمر بتلاوة اسمه في الجلسة العامة التالية، وفي حالة ثبوت غيابه من دون عذر للمرة الثالثة أو أكثر يقتطع من التعويضات الشهرية الممنوحة له مبلغ مالي بحسب عدد الأيام التي وقع خلالها التغيب من دون عذر مقبول".

ويعلق أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، عبد الحفيظ اليونسي، على هذا الموضوع، بالقول إن ظاهرة غياب النواب عن جلسات اللجان النيابية أو الجلسات العامة المرتبطة بأدوارهم الدستورية في التداول والتعديل والتصويت والمراقبة ظاهرة مزمنة وبنيوية لها أسباب عديدة، من أبرزها وجود نوع من التواطؤ مع المتغيبين، إذ إن النظام الداخلي لمجلس النواب لا يرتب جزاءات صارمة على الغياب ويجري الاكتفاء فقط بالاقتطاعات المالية كإجراء أقصى، ما يجعلنا أمام إجراء شكلي لا يمكن أن يحد من الظاهرة.

ويلفت اليونسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن من بين أبرز الأسباب التي تقف وراء ظاهرة الغياب المزمن كذلك هو نوعية النواب الذين أفرزتهم انتخابات سبتمبر/ أيلول 2021، موضحاً أنها نخبة نيابية تعتبر عضوية مجلس النواب وجاهة سياسية واجتماعية وآلية لقضاء أغراضهم الشخصية في دوائرهم الانتخابية. ويخلص إلى أن "ظاهرة الغياب تجعل المتتبع يسأل عن شرعية النصوص القانونية المهمة والنوعية التي جرى أو سيجري سنها في هذه الولاية التشريعية، وهي نصوص تمس أساساً ما هو مالي اقتصادي أو ما هو حقوقي، وكأن هناك توجهاً لإضعاف السلطة التشريعية لصالح السلطة التنفيذية والإدارة".

وبخصوص تداعيات ظاهرة الغياب على المشهدين البرلماني والسياسي في المغرب، يؤكد اليونسي أن من أهم التداعيات فقدان الثقة في مؤسسة هي وعاء السيادة بنص الدستور، مع ما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة على شرعيتها، وهو ما يظهر في انسحاب عموم الناس من السياسة وعدم ثقتهم في أنها قد تحل مشاكلهم، موضحاً أنه في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والتحولات الدولية والإقليمية، يحتاج تمتين الجبهة الداخلية إلى مؤسسات تعزز تماسكها وقوتها، وهي المؤسسات التي يعتبر البرلمان من أهمها.

من جهتها، تعتبر الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير، أن ظاهرة غياب البرلمانيين عن الجلسات البرلمانية ليست بالجديدة، إذ تؤكد التقارير المتواترة استمرار تفاقمها بشكل كبير، مرجعة ذلك إلى النسب المهمة من الأعيان ورجال الأعمال الذين أُغرق مجلس النواب بهم.

وتحمّل لموير، في حديث مع "العربي الجديد"، الأحزاب السياسية المسؤولية كاملة عن ظاهرة الغياب التي تسفه العمل التشريعي المهم، لكون تركيزها ينصب فقط على منح التزكيات لمحترفي الانتخابات القادرين على حصد الأصوات خلال المحطات الانتخابية والحصول على مقاعد برلمانية، الأمر الذي ينتج عنه تغييب الكفاءات. وترى أن الأحزاب السياسية مسؤولة عن عدم اتخاذ إجراءات زجرية تجاه نوابها للحد من ظاهرة الغياب عن المؤسسات التشريعية، موضحة أن مجلس النواب كان قد سن من قبل إجراءات لمحاولة الحد من الغياب، لكنها لم تؤخذ بالقدر الكافي من الجدية بالنسبة للنواب، ما يشكل في حد ذاته مساساً بقيمة المؤسسة.

المساهمون