نهج الاحتلال التفاوضي

25 فبراير 2024
يواصل الاحتلال عدوانه على قطاع غزة (علي جاد الله/الأناضول)
+ الخط -

يؤكد قادة الاحتلال يوميًا على استمرار عدوانهم على قطاع غزّة، وكلّ فلسطين حتّى تحقيق كامل أهدافهم الصهيونية، المتمثّلة في إنهاء قضية فلسطين كاملةً. لكن؛ وعلى الرغم من تأكيد قادة الاحتلال على أولويّة تحقيق أهدافهم بالوسائل الإجرامية العسكرية، إلّا أنّهم ماضون في المسار التفاوضي، تحت عنوان مفاوضات التهدئة، أو بالأصح مفاوضات إعادة أسراهم المحتجزين لدى فصائل المقاومة، وفقًا لتوصيف قادة الاحتلال.

بدايةً؛ لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مشاركة الاحتلال اليوم في مسار التهدئة على الرغم من تأكيده على التمسك بالخيار العسكري خيارًا وحيدًا، يعود إلى ثلاثة أسبابٍ رئيسيةٍ، أولهما وأهمّهما ضغط الرأي العام العالمي، الذي حول عواصم العالم أجمع إلى تجمعاتٍ لنصرة القضية الفلسطينية، والفلسطينيين، تحت عنوان إنهاء العدوان، وفك الحصار، وبدرجةٍ أقلّ استعادة كامل الحقوق الفلسطينية المستلبة.

الداخل الصهيوني، هو العامل الثاني الكامن خلف مشاركة الاحتلال في مسار التهدئة، بهدف امتصاص غضب أهالي أسرى الاحتلال لدى فصائل المقاومة، ومعارضي عدوان الاحتلال على قلتهم، والمتخوفين من تداعيات جرائم الاحتلال الفاضحة والمكشوفة على أمن الاحتلال، ومكانته الدولية مستقبلاً. ثالثًا؛ لأسبابٍ عسكريةٍ بحتةٍ، إذ فرض صمود شعب فلسطين ومقاومته على الاحتلال معركةً طويلةً وشاقةً، الأمر الذي ترافق مع حاجة الاحتلال لتهيئة الظروف اللوجستية؛ خطط ومعدات، فضلاً عن حاجة مقاتليه للراحة لفترةٍ زمنيةٍ معتبرةٍ، خصوصًا في صفوف القوات المشاركة في العدوان البري على قطاع غزّة.

يعمل الاحتلال على حصر التفاوض في إطار القضايا الإنسانية العاجلة، وتأجيل القضايا السياسية الرئيسية لمرحلةٍ أخرى غير محددةٍ زمنيًا

على صعيدٍ متصلٍ؛ نجد أن صمود المقاومة وبسالتها من ناحيةٍ، وصمود الشعب الفلسطيني وإصراره على استعادة حقوقه المستلبة من ناحيةٍ أخرى، على أهمّيتهما لا يمثّلان عاملان حاسمان ومحوريان اليوم في مشاركة الاحتلال في مسار التهدئة، لسببٍ وحيدٍ فقط، هو تعويل الاحتلال على قدرته على كسرهما على المدى البعيد، أي عبر إطالة مدّة العدوان لأبعد فترةٍ ممكنةٍ، بما يشبه نهجه الإجرامي الذي اتبعه في كسر الانتفاضتين الأولى والثانية. الأمر الذي يكشف عن تنامي قدرة الاحتلال على الدخول في مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرةٍ طويلة الأمد، خلافًا لماضيه القريب والبعيد، الذي اتسم بتفضيل الاحتلال مواجهاتٍ عسكريةٍ قصيرةٍ، وذلك يعود برأي الكاتب إلى عاملين هما: تسارع انزياح حاضنة الاحتلال الاجتماعية نحو أقصى اليمين المتطرف، وبالتالي تصاعد أعداد مقاتليه المقبلين على العدوان بدوافع دينيةٍ غيبيةٍ. إلى جانب تزايد التواطؤ الخارجي مع توجهات الاحتلال وأهدافه، دوليًا وللأسف إقليميًا.

لكن؛ نلحظ من خلال التدقيق في تكتيكات الاحتلال التفاوضية في الوقت الراهن تجاهله المطلق للحقائق الميدانية، إذ تكشف تلك الحقائق عن بعدين رئيسيين، أولهما تماسك المقاومة وصمودها، إن لم نقل تطور أدائها في خضم مواجهتها للعدوان الحالي. وثانيهما تراجع مكانة الاحتلال، وانكشاف حقيقته لدى قطاعاتٍ وشرائح وطبقاتٍ شعبيةٍ واسعةٍ وعريضةٍ دوليًا. إذ تنطلق استراتيجية الاحتلال التفاوضية من ركيزتين هما: تجاهل الحقائق الميدانية داخليًا وخارجيًا، والحفاظ على احتمال استمرار العدوان الحالي بالوتيرة ذاتها أو بوتيرةٍ أقلّ كثافةٍ على أبعد تقدير.

هنا يبرز إصرار الاحتلال وشركاؤه الدوليون على إفراغ مفاوضات التهدئة من جوهرها السياسي، عبر حصرها في أربعة قضايا إنسانية، هي: تهدئةٌ مؤقتةٌ قصيرةٌ أو طويلة الأمد، تفاصيل اتّفاق تبادل الأسرى، حيثيات دخول المساعدات وكميتها ونوعها وأماكن توزعها، حركة المدنيين الفلسطينيين داخل قطاع غزّة، كما يمكن إضافة القضايا اللوجستية المتعلقة بتنفيذ تلك القضايا الإنسانية، مثل انتشار قوات الاحتلال العسكرية داخل القطاع، حركة المعابر، حركة طائرات الاستطلاع، مدة الهدنة.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

إذًا يعمل الاحتلال على حصر التفاوض في إطار القضايا الإنسانية العاجلة، وتأجيل القضايا السياسية الرئيسية لمرحلةٍ أخرى غير محددةٍ زمنيًا، تمنحه الوقت الكافي، وفق اعتقاده، لفرض رؤيته لحلّ القضية الفلسطينية، أو بالأصح لوأدها. هذا النهج التفاوضي الصهيوني يتطلّب نهجًا فلسطينيًا صلبًا وراسخًا، يعبر عن التمسك بجميع الحقوق الفلسطينية المستلبة، وفي صلبها القضايا السياسية، استنادًا للوقائع الميدانية (صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، وزيادة الوعي الشعبي العالمي بالقضية والحقوق الفلسطينية). الأمر الذي يتطلب، برأي الكاتب، تراجع حركة حماس عن واجهة العملية التفاوضية، لصالح ائتلافٍ فلسطينيٍ سياسيٍ واسعٍ، لا يفقدها مكانتها ودورها المحوري سياسيًا داخليًا وخارجيًا، بقدر ما يجعل مباحثات التهدئة مهمةً فلسطينيةً جامعةً، بدلًا من حصرها بحركة واحدةٍ يسهل لومها وتحميل مسؤولياتٍ لا تتحملها، كما يحرر حماس من الضغوط الخارجية الإقليمية والدولية والمحلية، ويصلب موقفها بموقفٍ فلسطينيٍ جامعٍ، يستثنى منه قلةٌ قليلةٌ من القوى والأطراف الانهزامية والاستسلامية.

المساهمون