- آثار النكبة مستمرة مع استمرار الاحتلال والتهجير، وصمود الفلسطينيين يعكس إصرارهم على نيل حقوقهم رغم تجاهل المجتمع الدولي.
- تغير الموقف الدولي والإقليمي يعكس دعمًا متناميًا للقضية الفلسطينية، مما يوفر أملاً في استعادة الحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.
أصبح مصطلح النكبة متداولًا عالميًا لوصف المأساة الفلسطينية، التي بدأت تجلياتها العملية عام 1948، فالنكبة هنا ليست مجرد تعبيرٍ عن احتلال قرابة 85% من أرض فلسطين التاريخية، إذ كانت كلّ فلسطين قبلها تحت الاحتلال/ الانتداب البريطاني. فهي تعبرُ أيضًا عن جرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في ذلك الوقت، عبر عصابات الاحتلال الصهيوني المسلّحة، التي راح ضحيتها أكثر من 15 ألف فلسطينيٍ من أصل 1.4 مليون فلسطينيٍ كانوا يقيمون في فلسطين حينها، ما يمثل نحو 1% من سكان فلسطين. كما تعبر عن جريمة التطهير العرقي والتهجير القسري، التي ارتكبتها العصابات الصهيونية أيضًا بحقّ سكان فلسطين الأصليين، والتي أسفرت عن تهجير نحو مليون فلسطيني إلى خارج فلسطين؛ أيّ نحو 67% من سكان فلسطين حينها، فضلاً عن تهجير الآلاف منهم داخل فلسطين التاريخية نفسها. كذلك تعبر عن تدمير العصابات الصهيونية لنحو 531 قريةٍ ومدينةٍ فلسطينيةٍ تدميرًا كاملاً، من أصل 1300 قريةٍ ومدينةٍ فلسطينيةٍ كانت قائمةً حينها، أي نحو 41% من قرى فلسطين ومدنها. أخيرًا؛ تعبر النكبة عن الخذلان والخديعة التي منيَ بها الفلسطينيون حينها، ليس من النظم الرسمية العربية فقط، التي دعت الفلسطينيين للتعويل على جيوشها لمقاومة عصابات الاحتلال الإجرامية في ما عرف بـ"حرب الإنقاذ"، بل ومن المجتمع الدولي الذي صمت على جرائم تلك العصابات الهمجية ودعمها، وفي مقدمِه بريطانيا التي كانت القوة القائمة بالاحتلال قبل النكبة، والتي أخلّت بتعهداتها الدولية المتعلقة بحقوق سكان فلسطين الأصليين، وفق صك الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم المتّحدة في 24/6/1922.
بناءً عليه؛ تعبر النكبة عن الاحتلال الاستيطاني والإحلالي لفلسطين، وعن جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري والتدمير الثقافي والعمراني، إلى جانب تواطؤ المجتمع الدولي والخذلان/ الخديعة الإقليمية. من ذلك نستطيع القول إنّ النكبة الفلسطينية مستمرةٌ حتّى اللحظة، لكنها غير متجددةٍ رغم جرائم الاحتلال الكبرى في قطاع غزّة بعد "طوفان الأقصى".
من ذلك كلّه؛ فشل الاحتلال، وسيفشل دائمًا، في تكرار نكبة 48، رغم نجاحه الحالي في إدامة جريمته الأكبر "الإبادة الجماعية
فمن ناحيةٍ أوّلى؛ لا تزال الظروف الفلسطينية على حالها منذ عام 1948، من استمرار الاحتلال؛ بل وتمدده عام 1967، مرورًا بإصرار الاحتلال على رفض حقّ العودة، وبالتالي استمرار جريمتي التطهير العرقي والتهجير القسري، فضلاً عن إنكار الاحتلال لجرائمه البشعة، وتحديدًا جريمتي الإبادة الجماعية والتدمير الثقافي والعمراني، بل وإنكار المجتمع الدولي لتلك الجرائم، وامتناعه عن إدانتها أولاً، ومحاكمة الاحتلال عنها ثانيًا، وصولاً إلى استمرار تواطؤ المجتمع الدولي في منع الفلسطينيين من استعادة حقوقهم، عبر دعم الاحتلال الدائم والمستمر، ماليًا وعسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا، لذا ما زالت النكبة مستمرةً للأسف قبل "طوفان الأقصى" كما بعدها.
لكن ومن ناحيةٍ ثانيةٍ نلحظ بعد النكبة اختلافًا جوهريًا في الممارسة والثقافة الفلسطينيتين، إذ كنس الفلسطينيون؛ أو قسمٌ كبيرٌ منهم، عقلية التعويل على الخارج، إقليميًا كان أم دوليًا، عبر صمودٍ أسطوريٍ تجسد بأبهى صوره في قطاع غزّة أخيرًا، رغم عدوان الإبادة الجماعية المرتكبة بحقّهم من قوات جيش الاحتلال الصهيوني. وكذلك عبر مقاومةٍ مشروعةٍ ذاتيةٍ تسعى إلى مواجهة الاحتلال حتّى نيل الحقوق الفلسطينية المشروعة.
كذلك نلحظ اختلافًا جوهريًا آخر، يتجسد في توسع حاضنة الحقوق الفلسطينية عالميًا، إذ لم تعد مقتصرةً على معظم شعوب الإقليم ومعظم المسلمين فقط، لتضم في طياتها قسمًا كبيرًا من شعوب العالم أجمع، حتّى في بريطانيا مهندسة المشروع الصهيوني وراعيته الأولى، وفي أميركا الراعي الرسمي للاحتلال والإبادة الجماعية المستمرة.
من ذلك كلّه؛ فشل الاحتلال، وسيفشل دائمًا، في تكرار نكبة 48، رغم نجاحه الحالي في إدامة جريمته الأكبر "الإبادة الجماعية، كما فشل نسبيًا في إدامة جريمتي التطهير العرقي والتهجير القسري، رغم نجاحه في إدامة جريمتي التدمير الثقافي والعمراني، استنادًا للدعم الدولي العسكري غير المحدود. إذ يعزى فشل الاحتلال هذا إلى صمود شعب فلسطين الأسطوري في القدس والضفّة الغربية وقطاع غزّة المحتلين، وإلى تمسك لاجئي الشتات بحقوقهم المستلبة مهما طال الزمن، وإلى ديمومة المقاومة الفلسطينية السلمية والعنيفة، التي سوف تؤدي، لا محالة، إلى استعادة كافّة الحقوق الفلسطينية، بمساعدة شعوب العالم أجمع، التي تحررت من هيمنة ثقافة القبول بالاحتلال وجرائمه ودعمها، وفي مقدمِها جريمة الإبادة الجماعية، وباتت مصرة على إنهاء الاحتلال ومحاكمته، وعلى استعادة الفلسطينيين لحقوقهم كاملةً، حتّى لو كلفهم ذلك الاعتقال في دولهم، أو الطرد من جامعاتهم، أو تهديد مستقبلهم المهني، فكلّ تلك الممارسات القمعية لم تقمع داعمي فلسطين والفلسطينيين حول العالم، بل زادتهم إصرارًا وحراكًا بل وإبداعًا في أساليب المقاومة السلمية. وعليه يواجه الاحتلال وداعموه اليوم مقاومتين صلبتين داخل فلسطين وخارجها، من الفلسطينيين ومن قسمٍ كبيرٍ من شعوب العالم أجمع.