بدا واضحاً خلال السنوات الماضية الاهتمام الرسمي المصري بميناء العريش بمحافظة شمال سيناء، من خلال التدرج في السيطرة عليه، من تحويله إلى أغراض المنفعة العامة ونزع الملكية الخاصة لأي عقارات تقع في نطاق حدوده، ومن ثم نقل تبعيته إلى وزارة الدفاع بشكل مباشر، وإبعاد الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن استخدامه، أو إدارته بأي شكل من الأشكال، ليصبح الميناء منطقة عسكرية لا علاقة لأي جهة مدنية به.
وقد أثار هذا الأمر تساؤلات حول أسباب هذا القرار وتداعياته، في ظل تفويض الرئيس عبد الفتاح السيسي لوزير الدفاع الفريق أول محمد زكي باتخاذ الإجراءات المشددة وقتما أراد ذلك، وتشديد الحركة على المواطنين والمركبات، وكذلك في ضوء إلغاء السيسي حالة الطوارئ بعد ساعات من اتخاذ قرار نقل تبعية الميناء لوزارة الدفاع.
مصدر حكومي: قد نشهد البدء في تنفيذ القرار في غضون أيام، من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة
وفي تفاصيل القرار الجديد، فإنه يقضي بنقل تبعية ميناء العريش إلى الجيش، وكذلك تخصيص الأراضي المحيطة به، واللازمة لأعمال التطوير، للقوات المسلحة، وذلك بإجمالي مساحة 541.82 فداناً (الفدان يعادل 4200 متر). وبذلك استبدل السيسي قراراً سابقاً أصدره في 2019 بأن "تتولى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تمويل وتنفيذ تطوير وإدارة وتشغيل ميناء العريش". وكان القرار القديم قد تضمن "توقيع بروتوكول بين وزارة الدفاع، والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، يشمل الالتزامات الفنية والمالية والقانونية المتعلقة بإدارة الميناء".
ونقل ملكية الميناء للجيش ليس قراراً جديداً، إذ إن الرئيس المؤقت السابق، عدلي منصور، أصدر قبل 3 أيام من تركه السلطة (في يونيو/حزيران العام 2014) قراراً يقضي بنقل أصول ميناء العريش بالكامل من إدارة الهيئة العامة لميناء بورسعيد إلى وزارة الدفاع والإنتاج الحربي، وذلك في إطار توسيع الجيش المصري لنفوذه الاقتصادي. وأوضح القرار، الذي نشر آنذاك بالجريدة الرسمية لرئاسة الجمهورية، وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة، طلب من منصور نقل ملكية الميناء وأصوله كاملة إلى الوزارة، تحت مبرر أنه منطقة استراتيجية ذات أهمية عسكرية في أرض صحراوية. وأشار القرار إلى أن تفاصيل أصول ميناء العريش، الذي كان مخططاً له أن يكون من أنشط موانئ الجمهورية لتنمية شبه جزيرة سيناء، تشمل قطعتي أرض بطول 1100 متر وعرض 95 متراً شرق أبي صقل بمدينة العريش، وقطعة أرض أخرى بعرض 63 متراً وطول 96 متراً، وأخرى أصغر أمام البوابة الرئيسية للميناء. كما يستحوذ الميناء على قطع أرض عديدة محصورة بين سور الميناء الحالي وأراضٍ للقوات المسلحة وأخرى بطول كيلومترين، بالإضافة إلى حواجز الأمواج في عمق البحر المتوسط، و3 أرصفة للميناء بطول إجمالي يبلغ نحو 400 متر، ومبنيين إداريين بمساحة إجمالية تقارب 800 متر مربع.
وحول تفاصيل القرار الجمهوري، قال مصدر حكومي مسؤول في مدينة العريش، لـ"العربي الجديد"، إن الحدود الجديدة لميناء العريش البحري والمناطق التي ستتم إزالتها ستكون على النحو الآتي: الحد الشرقي للميناء من أول مدخل شاليهات السعد وبشكل مستقيم حتى شاطئ البحر المتوسط. أما الحد الغربي فهو خط يصل من آخر حدود سور الكتيبة 101 من عند مبنى المحافظة وعند آخر سور حديقة الحيوان، وبشكل مستقيم حتى آخر حدود الميناء القديم من ناحية أبو صقل، فيما يمثل طريق الريسة الحالي الحد الجنوبي للميناء، والحد الشمالي هو مياه البحر المتوسط. وبناءً على ما سبق، فإن مناطق الإزالة التي تتواجد فيها مناطق سكنية وشاليهات وعقارات، تتمثل في المباني المقابلة لحي الريسة من الإسفلت للبحر، والمباني المقابلة لحي دريم لاند، والمباني المقابلة للكتيبة 101.
وأوضح المصدر الحكومي أن القرار بات أكثر قوة بنقل التبعية لوزارة الدفاع بدلاً من توصيف المنفعة العامة، وبالتالي قد نشهد البدء في تنفيذ القرار في غضون أيام، من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وأن تقوم قوات الجيش المصري بإخلاء المنازل والمباني من أصحابها، تمهيداً لتجريفها، كما جرى في مدينة رفح وحرم مطار العريش. وأشار إلى أنه سيتم صرف التعويضات المالية اللازمة لهم، من خلال الجهات الحكومية الرسمية، بعد أن يقرر مهندسو القوات المسلحة المساحات والمباني المتضررة والتي سيجري تعويض أصحابها، وفقاً لإجراءات روتينية تم التعارف عليها في شمال سيناء خلال السنوات الماضية. وأوضح أنه بهذا القرار تخرج مناطق ميناء العريش من أي إدارة مدنية أو حكومية محلية، وتصبح بكافة تفاصيلها تابعة للجيش، وعلى أي جهة حكومية الحصول على تنسيق أمني مسبق من أجل الدخول إليها، بصفتها منطقة عسكرية.
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كشفت، في 2 أغسطس/آب 2014، عن اقتراح تمت مناقشته، خلال تلك الفترة، في وزارة البيئة الإسرائيلية حول طرق حل مشكلة غزة وتوفير متنفس بحري للقطاع. وأضافت، وقتها، أنه خلال الاجتماع تمّت مناقشة وثيقة حول هذا الشأن، تحت عنوان "ميناء العريش- حلّ غزة". وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن الوثيقة اقترحت منح الفلسطينيين متنفساً بحرياً بديلاً في مدينة العريش، التي تبعد عن جنوب رفح بين 45 و50 كيلومتراً، موضحة أن ميناء العريش شهد أعمال تطوير وتوسيعات كبيرة، إذ سيصبح ميناء ذا مياه عميقة، على غرار ميناء إسدود الإسرائيلي.
وأوضحت "هآرتس" أن تقديرات هيئة البحار والشواطئ في وزارة البيئة الإسرائيلية تشير إلى أنه من المقرر الانتهاء من أعمال التطوير في العريش خلال 3 سنوات، بتكلفة تبلغ ملياري دولار، وتشمل تطوير البنية التحتية المحيطة بالميناء، مضيفة أنه بعد اكتمال عملية التطوير هناك فإنه سينافس ميناء إسدود. ولفتت إلى أن ميناء العريش سيُلبي احتياجات سكان شمال سيناء وقطاع غزة. وتضمنت الوثيقة أيضاً اقتراحاً يشمل ضم مطار العريش الجوي، الذي يبعد نحو 10 كيلومترات عن الميناء، إلى الصفقة المقترحة، مؤكدة أن تنفيذ هذا المخطط سيكون الأفضل لإسرائيل، خصوصاً وأن الميناء الذي سيخدم الفلسطينيين سيكون في العريش، أي في منطقة بعيدة عن إسرائيل، بعكس إنشاء ميناء ومطار في غزة. وكان المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل كشف، في 24 فبراير/شباط 2016، أن إسرائيل تدرس حالياً إقامة ميناء فلسطيني داخل الأراضي المصرية، وتحديداً في منطقة العريش، في محاولة لتجنب الحروب نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية. ونقل عن جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) أن "الوضع الاقتصادي المتردي في القطاع يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب جديدة". وقال هرئيل إن هناك خمسة اقتراحات مطروحة حالياً على القيادة الإسرائيلية لإقامة ميناء بحري لتزويد قطاع غزة بالبضائع اللازمة، تحت إشراف إسرائيل، بدءاً من إقامة ميناء داخل الأراضي المصرية في سيناء، وتحديداً في العريش.
الميناء تعرض لفترة طويلة من الإهمال، والإغلاق بتعليمات أمنية عليا صادرة عن عمليات الجيش المصري
وتعقيباً على ذلك، قال أحد المهندسين العاملين حالياً في ميناء العريش، لـ"العربي الجديد"، إن الميناء تعرض لفترة طويلة من الإهمال، والإغلاق بتعليمات أمنية عليا صادرة عن عمليات الجيش المصري، خصوصاً في الفترة التي شهدت فيها منطقة شمال سيناء، لا سيما مدينة العريش، تراجعاً أمنياً كبيراً. ومع الهدوء الذي ساد المنطقة في 2018 عاد الحديث مجدداً عن تشغيل الميناء، ولكن بنفس الصيغة السابقة التي كان يعمل بها قبل الإغلاق والإهمال، إلى أن صدر القرار الجمهوري بتحويله والمنطقة المجاورة له إلى منطقة منفعة عامة، تدار من خلال الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بدلاً من الهيئة العامة لموانئ بورسعيد. وأوضح أن الميناء لم يعمل بهذا المسمى سوى لفترة قصيرة، جرى خلالها تسهيل مهام عدد من البواخر التجارية التي تنقل المواد الخام من سيناء للأسواق الخارجية، وسط حديث عن تطوير الميناء بشكل ملحوظ بدلاً من عمليات الترميم والتحسين، إلى أن جرى إصدار القرار الجمهوري الجديد بنقل تبعيته لوزارة الدفاع، وبالتالي ينتهي عمل كل الجهات سابقة الوجود في هذا الميناء، وتتكفل القوات المسلحة المصرية بتشغيله وتطويره.
وأوضح المهندس أن مرجعية القرار الجمهوري بتطوير الميناء وتوسعة حرمه، بهذا الشكل والحجم، تشير إلى أنه سيتوسع في العمل ليشمل نشاطات أخرى، خصوصاً مع تسريب بعض المعلومات عن وضع مخططات هندسية كبرى للميناء، لاستقبال بواخر تجارية ضخمة، وكذلك تسيير رحلات عبر البحر نحو العالم، بالإضافة إلى فتح طريق مباشر بين الميناء ومطار العريش، وتوفير المعدات الهندسية اللازمة لشحن البواخر ونقل البضائع والمواد الخام، بدلاً من الحالة البدائية التي يعمل بها الميناء في الوقت الحالي.
وتأسس ميناء العريش، الواقع على ساحل البحر المتوسط، في العام 1996، بعد صدور قرار بتحويله من ميناء صيد إلى تجاري، إذ قامت الهيئة العامة لميناء بورسعيد بإعداده لاستقبال السفن التجارية. ويوجد في الميناء، الذي يقع على الساحل الشمالي للعريش، رصيف بطول 242 متراً يستخدم للسفن التجارية بغاطس من 7 إلى 8 أمتار، ورصيف آخر بطول 122 متراً يستخدم للعائمات الصغيرة بعمق 3 إلى 4 أمتار. وكذلك توجد ساحات تخزينية مغطاة وغير مغطاة. وتتلخص أنشطة الميناء في تصدير خامات سيناء التعدينية إلى دول البحر المتوسط والبحر الأسود، واستقبال سفن الصيد الصغيرة والبضائع.