نظام الأسد يتحكم بالمساعدات الإنسانية لسورية: محاولة لانتزاع شرعية دولية

15 يوليو 2023
تدخل المساعدات سورية عبر معبر باب الهوى (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

بعد استخدام روسيا، يوم الثلاثاء الماضي، حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع القرار الذي يقضي بتمديد إدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عبر الحدود التركية لتسعة أشهر مقبلة، عمد النظام السوري إلى إبلاغ مجلس الأمن بموافقته على إدخال المساعدات لمدة 6 أشهر ومن خلال معبر واحد فقط. وتشي هذه الخطوة بأن النظام، وخلفه روسيا، أرادا منها، انتزاع مزيد من الشرعية، بوصف النظام "المرجعية" المخولة قانونياً بالموافقة على إدخال المساعدات، والإشراف على توزيعها.

وفي رسالته إلى مجلس الأمن، قال مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة بسام الصباغ، أول من أمس الخميس، إنه بعد انتهاء مفاعيل القرار 2672 (الخاص بإدخال المساعدات)، فقد قرّرت "حكومة الجمهورية العربية السورية منح منظمة الأمم المتحدة، ووكالاتها المتخصصة، إذناً باستخدام معبر باب الهوى لإيصال المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها من المدنيين في شمال غربي سورية، وذلك بالتعاون والتنسيق الكامل مع الحكومة السورية، ولمدة 6 أشهر".

وكان النظام السوري قد وافق، بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوري في 6 فبراير/شباط الماضي، على فتح معبرين حدوديين آخرين، هما باب السلامة والراعي، لكن لمهلة محدودة أيضاً تنتهي في منتصف أغسطس/آب المقبل.

وتستهدف مواقف النظام هذه، كما يرى مراقبون، تأكيد سيادته على حدود البلاد، وأنه هو من يمنح الموافقة على إدخال المساعدات، على الرغم من أنه لا يسيطر على أي من المعابر المذكورة، والتي تخضع جميعها لسيطرة فصائل المعارضة من الجانب السوري، والحكومة التركية من الجانب الآخر. ويأتي ذلك بعدما أخفق مجلس الأمن الثلاثاء الماضي في الاتفاق على تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سورية، وذلك بسبب استخدام روسيا الفيتو ضد القرار الذي يهدف إلى تمديد الآلية لمدة 9 أشهر.

أهداف نظام الأسد 

وحول هدف النظام من إبلاغ مجلس الأمن بموافقته على إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، رأى الباحث في القانون الدولي والمحامي المدافع عن حقوق الإنسان ياسر فرحان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها "محاولة من النظام للالتفاف على قرارات الأمم المتحدة، وإفراغ الجهود الدولية المبذولة لإنقاذ السوريين من مضمونها". وأضاف: "يحاول نظام الأسد واهماً تصوير نفسه بأنه حكومة شرعية مسؤولة لا تعطل القضايا الإنسانية، وبالتالي لا حاجة لتدخل مجلس الأمن"، متناسياً أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أكدت أكثر من مرة أنه يعطّل إدخال المساعدات الإنسانية.

تطرح عريضة يجرى التوقيع عليها حلولاً أخرى خارج مجلس الأمن لإيصال المساعدات "بشكل حر وغير مقيد"

وذكّر الباحث بأن "قوافل الأمم المتحدة كانت تنتظر طويلاً دون الحصول على موافقات النظام أو تتعرض لإطلاق النار من جانب قوات النظام وروسيا، وهذا ما دعا الأمم المتحدة إلى إصدار قرار يفرض إدخال المساعدات عبر الحدود دون الحاجة إلى موافقة النظام".
وأضاف فرحان، وهو العضو السابق في الائتلاف الوطني السوري المعارض، أن تدخل مجلس الأمن في هذه المسألة يشكل استثناء لمبدأ السيادة وعدم التدخل بشؤون الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، و"هو ما يعني أن تلك الحكومة (حكومة النظام) منقوصة الشرعية أو معدومة، وهو ما يدركه النظام، ولذلك عمد إلى إرسال هذه الرسالة إلى مجلس الأمن".

عريضة تطالب بتجاوز مجلس الأمن 

وأوضح فرحان أن هناك عريضة يجرى التوقيع عليها تطالب بتجاوز مجلس الأمن والعرقلة الروسية المتكررة فيه لمسألة إدخال المساعدات. وشرح أن هذه العرقلة تأتي "عبر محاولات خفض سقف الآلية الدولية وتسييس هذا الملف بغية تحصيل مكاسب مادية واقتصادية لصالح نظام الأسد، ومحاولة فرض أولويات النظام وليس المحتاجين المدنيين، من خلال تمكين النظام من السيطرة على هذه المساعدات ليبادر إلى توزيعها على حاشيته وأنصاره، أو التركيز على مشاريع "التعافي المبكر" والانتقال منها إلى مشاريع إعادة الاعمار التي يرفض المجتمع الدولي الانخراط فيها، قبل التوصل إلى حلّ سياسي للقضية السورية".

وبيّن الباحث أن العريضة تطرح حلولاً أخرى خارج مجلس الأمن "لإيصال المساعدات بشكل حر وغير مقيد، لتصل إلى المستهدفين دون انتقاص منها، علما أن هذه الحلول المقترحة تتماشى مع القانون الدولي، بما يقود في النهاية إلى التخلص من الابتزاز الروسي المتكرر في هذه المسألة"، وفق قوله.

واطلع "العربي الجديد" على هذه العريضة التي تطالب بتفعيل القرار الأممي 262/76 بعنوان "إنشاء ولاية دائمة لإجراء مناقشة في الجمعية العامة عندما يُستخدم الفيتو في مجلس الأمن" وعقد اجتماع في الجمعية العامة خلال 10 أيام وفقاً للقرار، من أجل مناقشة ظروف استخدام روسيا الفيتو وتعطيلها الإجماع الدولي على مشروع قرار إدخال المساعدات العابرة للحدود إلى سورية. كما تدعو العريضة إلى إعداد مشروع قرار في الجمعية العامة يسمح بإدخال المساعدات عبر الحدود بشكل غير مقيّد بالشروط والصياغات الروسية.

كذلك تطالب العريضة "الدول الصديقة" باعتماد صندوق مشترك أو آلية تخصص الجزء الأكبر من تبرعات المانحين للمناطق الواقعة خارج سيطرة نظام الأسد، بوصفها الأكثر احتياجاً، بحيث يتم إيصالها عبر الحدود وتوزيعها بشكل مباشر للفئات المستهدفة من خلال المنظمات الإنسانية المحلية المسجلة في دول الجوار والدول المانحة. كما تدعو إلى إيصال المساعدات إلى المستهدفين في مناطق سيطرة النظام بشكل مباشر، بعيداً عن الجهات الوسيطة التابعة للنظام الذي يقوم بتسييسها وحرمان المحتاجين منها.

وتسمح الآلية التي تمّ إنشاؤها عام 2014 للأمم المتحدة بإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في شمال غربي سورية من دون الحصول على موافقة النظام السوري الذي يعرقل مع روسيا التمديد. وكانت الآلية تشمل في البداية أربعة معابر حدودية، لكن بعد سنوات من العرقلة الروسية، بقي معبر باب الهوى فقط مفتوحاً، وجرى تقليص مدة التفويض إلى ستة أشهر قابلة للتمديد، بدلاً من سنة، الأمر الذي يحد من قدرة المنظمات الدولية على التخطيط لأنشطة طويلة الأمد في الشمال السوري.

لا حاجة لموافقة النظام السوري

من جهته، قال الباحث في "مركز جسور للدراسات"، وائل علوان، لـ"العربي الجديد"، إن روسيا تحاول دائماً "إبقاء الملف الإنساني محل ابتزاز وتفاوض، لكن ما يعاب على المجتمع الدولي أنه يساير روسيا في موضوع إنساني، يفترض أنه ليس محل تفاوض، وقد عبّر خبراء قانونيون عن قناعتهم بعدم الحاجة للمرور عبر مجلس الأمن في هذه الحالة".

سامر ضيعي: ثمة العديد من البدائل لتجاوز مجلس الأمن مثل المساعدة الثنائية

وأضاف علوان أنه وفق العرف الدولي، فإن "المناطق التي تحتاج إلى مساعدات إنسانية، وهي خارج سلطة حكومة البلاد، يمكن للمنظمات الدولية الوصول إليها، دون الحاجة للحصول على موافقة تلك الحكومة"، موضحاً أن روسيا وقوات النظام عمدت أكثر من مرة إلى قصف قوافل المساعدات، وهو ما استدعى اللجوء إلى مجلس الأمن، لاستصدار قرار يغطي إدخال المساعدات في الشمال السوري، ويحمي هذه الآلية.

البدائل الممكنة على أرض الواقع

واعتبر مدير "رابطة المحاميين السوريين الأحرار"، المحامي سامر ضيعي، أن توقيت رسالة مندوب النظام بسام الصباغ بعد فشل مجلس الأمن في تجديد تفويضه لعملية المعونة، يعد مناورة تكتيكية تهدف إلى التحايل على الرقابة الدولية وممارسة سيطرة أكبر على توزيع المساعدات. وأشار إلى أن النظام يشترط أن تكون المساعدات "بالتعاون والتنسيق الكاملين معه، وهو ما يمنحه سيطرة كبيرة على كيفية ومكان وزمان توزيع المساعدات". كما لفت إلى أن تصويت المجلس لا يعتبر سماحاً بإدخال المساعدات فقط، فهو يضمن مستوى معيناً من الرقابة والمعايير الدولية لتوزيع المساعدات.

ورأى مدير "رابطة المحامين السوريين الأحرار" أن النظام يحاول الاستفادة من الجمود في مجلس الأمن الناجم عن اختلاف وجهات النظر بين الأعضاء، لكن ثمة العديد من البدائل لتجاوز مجلس الأمن مثل "المساعدة الثنائية"، حيث يمكن للدول منفردة تقديم المساعدة بشكل مباشر إلى سورية أو عبر المنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة، لكن غالباً ما يتطلب هذا النهج تعاوناً من النظام السوري، مع وجود خطر لتقييد الوصول أو التلاعب في توزيع المساعدات.

والبديل الآخر، وفق ضيعي، هو المنظمات غير الحكومية (المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية غير الحكومية) التي يمكنها توزيع المساعدات بشكل مستقل، على الرغم من أنها تعتمد في كثير من الأحيان على التنسيق مع الأمم المتحدة وتمويلها. أما البديل الثالث، فهو التعاون الإقليمي، حيث يمكن للدول المجاورة أو المجموعات الإقليمية تسهيل إيصال المساعدات. ومع ذلك، "يمكن أن تتأثر فعالية هذا النهج بالديناميكيات الإقليمية والاعتبارات السياسية والاصطفافات المتأثرة بالنزاع"، وفق شرحه. 

وأوضح ضيعي أنه في السيناريوهات التي لا يوجد فيها قرار من مجلس الأمن، يمكن أن تصبح هذه الطرق البديلة أكثر حاجة، وغالباً ما يلعب تفويض مجلس الأمن دوراً مهماً في التفاوض بشأن الوصول وتأمين التمويل وضمان استجابة منسقة، وفي غياب هذا التفويض، يمكن أن تصبح عملية إيصال المساعدات مجزأة وأكثر صعوبة في التنقل.

ولفت إلى أنه إضافة إلى هذه القنوات، يمكن لهياكل الحكم المحلي، مثل المجالس المحلية والحكومات المؤقتة العاملة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، أن توفر طرقاً بديلة لإيصال المساعدات من خلال التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية على حد سواء، على أن تلتزم هذه المنظمات بمبادئ الحياد وعدم التحيز والاستقلال، مع التركيز على تقديم المساعدة على أساس الضرورة، بغض النظر عن الانتماءات السياسية أو العرقية أو الدينية.  

ومع ذلك، حذّر ضيعي من أن هذا المسار يواجه تحديات عدة، معتبراً أنه "مع غياب الموارد والوصول، والحماية المرتبطة عادة بتفويض الأمم المتحدة، قد تواجه هذه المنظمات صعوبات لوجستية، ومخاطر أمنية، وتدخل محتمل من مختلف الفصائل المشاركة في الصراع".

المساهمون