نزاع الصحراء: جولة جديدة من الصراع القانوني

23 يونيو 2023
مدينة العيون المغربية في الصحراء، أكتوبر 2022 (جيوفاني ميريغيتي/Getty)
+ الخط -

يعود ملف إدارة الثروات الطبيعية في منطقة الصحراء إلى الواجهة، بعد أن أصدرت المحكمة التجارية في تاراسكون الفرنسية، الثلاثاء الماضي، حكماً قضائياً ضد النقابة الزراعية الفرنسية "كونفيدرالية بايزان" (Confédération Paysanne)، التي طالبت بمنع شركة "إيديل" الفرنسية المتخصصة في تسويق الفاكهة والخضروات من العمل في الصحراء.

وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى قرار محكمة العدل الأوروبية الذي سيصدر نهاية السنة الحالية، بشأن الاستئناف الذي قدمه الاتحاد الأوروبي ضد حكمها الصادر في 29 سبتمبر/أيلول 2021، والذي يلغي الاتفاقات التجارية مع المغرب التي تدمج الصحراء، أنهى حكم محكمة تاراسكون الفرنسية، جولة جديدة من الصراع القانوني الدائر منذ سنوات حول إدارة الموارد الطبيعية في منطقة الصحراء بين المغرب من جهة، و"جبهة البوليساريو" ومؤيديها في أوروبا من جهة أخرى، بعد أن أقر بصحة ومشروعية الاتفاق الزراعي المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

وكانت نقابة "كونفيدرالية بايزان"، التي كان يترأسها آنذاك عضو البرلمان الأوروبي السابق جوزيه بوفيه، قد تقدمت في يناير/كانون الثاني 2013، بدعوى ضد شركة "إيديل" الفرنسية أمام المحكمة التجارية في تاراسكون لمنعها من تسويق الفاكهة والخضروات من المغرب بما في ذلك من منطقة الصحراء.

غير أن الشركة استطاعت أن تكشف أن الأشخاص الذين حركوا الدعوى القضائية المرفوعة باسم النقابة الفرنسية لهم ارتباط بـ"جبهة البوليساريو" ومدعومون بأشخاص ينتمون إلى أحزاب فرنسية تؤيد الطرح الانفصالي.


عبد الفتاح الفاتحي: حكم تاراسكون أنهى الدفع بورقة استغلال الثروات الطبيعية في الصحراء

ويأتي حكم المحكمة الفرنسية بعد أيام عن قرار المحكمة العليا في لندن، التي قضت في 25 مايو/أيار الماضي، بالرفض النهائي لطلب استئناف تقدمت به منظمات غير حكومية داعمة لـ"البوليساريو" تسمى اختصاراً (WSCUK).

ويتعلق الطلب بقرار سابق للمحكمة الإدارية برفض طلبها الساعي إلى إبطال اتفاق الشراكة الذي يربط المغرب ببريطانيا، الذي دخل حيز التنفيذ في أول يناير 2021، على أساس أنه أُبرم من دون الحصول على موافقة المواطنين في أقاليم الصحراء باعتبارها "متنازعاً عليها"، وأن السيطرة على موارد أقاليم الصحراء والاتجار بها بدون موافقة سكانها "تفتقر إلى أي أساس قانوني وتشبه المصادرة"، وهو ما فندته محكمة الاستئناف في لندن، لتنهي الجدل حول الموضوع.

صراع الصحراء بين المغرب و"البوليساريو"

وخلال السنوات الماضية، كان لافتاً انتقال الصراع بين المغرب و"البوليساريو" على الصعيد الدولي، من النطاق السياسي، ليشمل البعدين القانوني والاقتصادي، وذلك بعد أن عمدت الجبهة الانفصالية ابتداء من عام 2008، إلى انتهاج استراتيجية جديدة تقوم على توظيف ورقة الثروات في الصحراء.

وأقامت عدداً من الدعاوى أمام المحاكم الدولية، واستفادت من بعض المتضامنين الأجانب معها، لأجل منع استيراد دول أوروبية لمنتجات الصحراء البحرية والزراعية، كما أسست هيئات سياسية وقانونية لمتابعة الملف في تيندوف (جنوب غربي الجزائر) وفي الخارج.

وبينما تعد مسألة إدارة الموارد الطبيعية في الصحراء إحدى أبرز المعارك التي يخوضها المغرب و"البوليساريو"، والتي اتضحت بشكل كبير مع قضية اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وأيضاً على مستوى إنتاج الفوسفات، تطرح أكثر من علامة استفهام حول دلالات الأحكام القضائية الأوروبية الصادرة، أخيراً، ومدى تأثيرها على الصراع القانوني والاقتصادي القائم بين المغرب و"البوليساريو".

في السياق، اعتبر مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، عبد الفتاح الفاتحي، أن حكم محكمة تاراسكون الفرنسية أنهى الدفع بورقة استغلال الثروات الطبيعية في الصحراء، لا سيما أن هذا الحكم جاء متسقاً في تعليله مع حكم سابق لمحكمة الاستئناف في لندن، والذي قضت فيه برفض نهائي طلب استئناف لإبطال اتفاق شراكة بين بريطانيا والمغرب بسيادته على صحرائه.

ورأى الفاتحي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "بهذا التراكم القضائي الصادر عن أعتد المحاكم في دولتين أوروبيتين، سيوجّه بما لا يدع مجالاً للشك، الحكم الاستئنافي المنتظر صدوره عن محكمة العدل الأوروبية في نفس الموضوع. وهو ما يجعلنا أمام اجتهاد قضائي إقليمي، سيحسم أسباب النزاع حول مغربية الصحراء".

ولفت إلى أن "الانتكاسة القضائية للبوليساريو والجزائر برهانهما على المزايدة بادعاء استغلال الثروات الطبيعية، سيقوي الدفوع المغربية ضد تصرّف جنوب أفريقيا التي سبق أن احتجزت سفينة كانت تحمل فوسفاتاً مغربياً".


محمد بودن: ما يميز القرارات والأحكام القضائية الأخيرة أنها اتسمت بطابع الحسم

من جهته، اعتبر رئيس "مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية"، محمد بودن، أن القرارات والأحكام القضائية الأخيرة تضفي الشرعية على مختلف التدابير التي يقوم بها المغرب.

ولفت إلى أن "من إيجابياتها أنها تقدم إطاراً للاجتهاد القضائي الذي يجعل من مبادرة الحكم الذاتي نموذجاً للتسوية، نظراً لاستجابته لمتطلبات المستقبل باعتباره الأداة الواقعية لاستفادة السكان المحليين بالصحراء".

طابع الحسم في القرارات القضائية

وأوضح بودن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما يميز القرارات والأحكام القضائية الأخيرة أنها اتسمت بطابع الحسم، فبقدر ما تؤكد سيادة المغرب على صحرائه وتبرز فوائد التنمية على السكان، فإنها تسلط الضوء على حقيقة افتقاد "جبهة البوليساريو" للأهلية القانونية وصفة التمثيل، للمطالبة بالنظر في شرعية وقانونية الاتفاقات المبرمة بين المملكة المغربية وشركائها.

ورأى بودن أن "القرارات والأحكام القضائية صادرة عن هيئات قضائية عريقة، ما يجعل من الاستنتاجات الأحادية لخصوم الوحدة الترابية للمغرب من دون جدوى قانونية، وبالتالي يساهم في تحصين الشراكات المغربية من المناورات ومحاولات الاستهداف، ويبعث برسائل واضحة للدول التي ما زالت تفضل المنطقة الرمادية في مواقفها".

وتابع بودن: "من الواضح أن القرارات والأحكام القضائية الأخيرة تعاطت برؤية شاملة وبعيدة عن المنطق الإجرائي - التقني فقط، واقتنعت بالحجج والقرائن التي يقدمها المغرب باستمرار. وبالتالي، هذه إشارة إلى كل من يرى نفسه له مصلحة في هذا الموضوع، أنه ينبغي عليه أن يتصرف وفقا لهذه الأحكام والقرارات".

ولفت إلى أن القضاء الأوروبي يضع حداً لإساءة استخدام الحق في التقاضي لخدمة أجندات انفصالية، وإثارة قضايا مفتعلة ومنحرفة ومشبعة بالأكاذيب كحقوق الإنسان والثروات الطبيعية".

وبخصوص مدى إيجابيات هذه الأحكام والقرارات للجانب المغربي، رأى بودن أن "هذا المستجد الهام له تبعات سياسية ودبلوماسية، بما يعزز تراكم المكتسبات والانتصارات لصالح ملف الوحدة الترابية، ويقلم أظافر خصوم الوحدة الترابية للمملكة المغربية، الذين يلجؤون لجمعيات ضيقة الأفق في كل مرة للتشويش على شراكات المغرب مع شركائه".

وبرأي المتحدث ذاته، فإن القرارات والأحكام القضائية سواء قرار محكمة الاستئناف بلندن أو حكم محكمة تاراسكون بفرنسا تضيف زخماً حاسماً لملف الوحدة الترابية للمملكة المغربية ولشراكاتها مع مختلف الأطراف، كما أنها تتماشى مع ما عبرت عنه الإرادة الدولية في القرارين الأمميين 2602 و2654 بخصوص معايير الحل.

المساهمون