تعيش منطقة دونباس، الواقعة شرقي أوكرانيا والموالية لروسيا، منذ أواخر شهر مارس/آذار الماضي، مؤشرات حرب بين الجيش الأوكراني من جهة، وقوات "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعلنتين من طرف واحد والمدعومتين من موسكو من جهة أخرى، بعد وصول الوضع على خطّ التماس إلى أسوأ أحواله منذ توقيع اتفاقات الهدنة في يوليو/تموز الماضي. ويعتبر التصعيد العسكري على خطّ الجبهة، في شرق أوكرانيا، انعكاساً للتوتر المتصاعد بين روسيا والغرب، على خلفية قضايا متعددة، ما أعاد الأزمة الأوكرانية إلى الواجهة، حيث يبدو أن موسكو وكييف تقتربان سريعاً من طيّ صفحة تحسن العلاقات بينهما، والتي أعقبت انتخاب فولوديمير زيلينسكي رئيساً لأوكرانيا في العام 2019، وما تلاه من عمليات تبادل للأسرى وفصل القوات في منطقة حوض دونباس وتمديد اتفاق نقل الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية. وإذا كان الروس والأميركيون قد بدأوا التواصل حول المسألة، إلا أن التصريحات اليومية بين أطراف الأزمة المباشرين وغير المباشرين، بالإضافة إلى الأحداث العسكرية اليومية، تشي بإمكانية تفلت الأمور في أي لحظة، وفقاً لحسابات موسكو خصوصاً، المضغوطة بالعقوبات الغربية. فضلاً عن ذلك، فإن كييف تسعى لاستغلال الجو الغربي المعادي لموسكو لتسريع انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، فيما ترفض موسكو أي تجاوز لـ"الخطوط الحمر".
زيلينسكي: الناتو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب في دونباس
وفي آخر جولات التصعيد الميداني، أعلن الجيش الأوكراني، أمس الثلاثاء، أن جنديين في الخدمة قتلا بنيران الانفصاليين شرقي أوكرانيا، وذلك بعد يوم من رفض كييف مزاعم وصفتها بـ"الكاذبة" للانفصاليين، الذين اتهموا السبت الماضي الجيش الأوكراني بقتل طفل خلال قصف لهم بطائرة مسيّرة، في حين أعلنت موسكو فتح تحقيق في ذلك.
في الأثناء، تواصل أوكرانيا يومياً الإدلاء بتصريحات "مستفزة" لموسكو، منذ أن أكدت أن الدولة الجارة تعزز وجودها على حدودها. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس، إن حلف "الناتو" يمثل "السبيل الوحيد لإنهاء الحرب في منطقة دونباس"، وذلك في اتصال هاتفي له مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ. ودعا زيلينسكي الدول الأعضاء في الحلف إلى زيادة وجودها العسكري في البحر الأسود، وتأكيد أهمية منح بلاده خطة عمل لعضويتها في الحلف. كما أكد أن أوكرانيا مصممة على إجراء إصلاحات في الجيش والدفاع، لكنها وحدها "لن توقف روسيا". من جهته، أكد ستولتنبرغ دعم الحلف لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، موضحاً عبر "تويتر" أن الحلف يشعر بقلق بالغ إزاء الأنشطة العسكرية الروسية في أوكرانيا وحولها وانتهاكات وقف إطلاق النار، وهو ملتزم بالشراكة الوثيقة مع كييف.
ورداً على ذلك، اعتبر الكرملين أن الوضع في شرق أوكرانيا متوتر للغاية، وأن أي تصريح قد يؤججه أكثر. ورأى المتحدث باسمه، ديمتري بيسكوف، أن عضوية أوكرانيا في "الناتو" يجب أن تأخذ في الاعتبار "آراء الأوكرانيين شرقي البلاد، والذين قد يعتبرون أن خطوة من هذا النوع هي غير مقبولة".
في غضون ذلك، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، أمس، أن ممثلين عن بلاده والولايات المتحدة ناقشوا الوضع في شرق أوكرانيا. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد ذكرت في بيان، أول من أمس، أنها تجد التقارير حول التحشيد الروسي "ذات مصداقية". وقال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس أن بلاده "ستكون قلقة من أي محاولة لموسكو للضغط على أوكرانيا، أكان ذلك داخل الأراضي الروسية أو في أوكرانيا".
وتعليقاً على هذه التطورات، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن التصعيد شرقي أوكرانيا يندرج ضمن رهانات الغرب على تضييق الخناق على روسيا، لا سيما بعد الاتصال الهاتفي (في 2 إبريل/نيسان الحالي) بين الرئيس الأميركي جو بايدن وزيلينسكي. وأضاف كوكتيش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الغرب يراهن على التصعيد حول روسيا، بإعادة تفعيل النزاع الخامل في أوكرانيا، بعدما لم يتحقق ذلك في قضية المعارض الروسي ألكسي نافالني، الذي حضر عدد من السفراء الأجانب جلسة محاكمته، ما يؤكد أنه عميل للخارج"، على حدّ قوله.
وكان بايدن أكد لزيلينسكي خلال الاتصال على "الدعم الأميركي لوحدة الأراضي الأوكرانية بمواجهة العدوان الروسي في دونباس والقرم"، أي شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014. ورأى كوكتيش أن ذلك "يندرج ضمن العمل على زعزعة استقرار الأوضاع في روسيا عشية انتخابات مجلس الدوما (النواب)، المقرر إجراؤها في سبتمبر/أيلول المقبل، وتوسيع رقعة العقوبات بحق روسيا، وبصفة خاصة لتعطيل مشروع السيل الشمالي 2 لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا".
وفي ما يتعلق بالرد الروسي المحتمل، رأى الباحث السياسي أن "الواضح أن الرهان الروسي على ضبط النفس منذ العام 2014 لم يفلح، ولم يتم تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو، ولذلك فقد تلجأ روسيا للدفاع عن مصالحها بشكل متتال، وبدرجة أكبر هذه المرة".
الكرملين: الوضع متوتر وأي تصريح قد يؤججه أكثر
من جهته، اعتبر الباحث الأكاديمي الأوكراني إيغور سيميفولوس أن التصعيد الروسي "لا يعني تحولاً إلى حرب مفتوحة تلقائياً، بل يندرج ضمن سعي موسكو لإخضاع كييف لشروطها للتسوية". وأضاف سيميفولوس، في اتصال مع "العربي الجديد": "قد تبدأ روسيا تقدماً بحلول بداية الصيف بذريعة ما أو من دونها، لكنها لا تريد ذلك لأن الدخول في المواجهة المباشرة مع الجيش الأوكراني، وهو بحالة جيدة الآن، سيكبدها خسائر كبيرة وربما هزيمة، وستتعرض لمزيد من العقوبات الغربية، ولكن أوكرانيا ستدفع أيضا ثمناً كبيراً". ورأى أن روسيا "تسعى لابتزاز القيادة الأوكرانية حتى تقبل بالتسوية بشروطها".
بدوره، رأى الكاتب المتخصص في الشأن الأوكراني قسطنطين سكوركين أن موسكو تسعى لاستعراض القوة، وأن الأهم لكييف هو عدم الاستجابة للضغوط، وذلك في مقال له في صحيفة "ريبابليك" الروسية أمس، لفت فيه إلى أن "الدعاية الروسية تصر على أن أوكرانيا تستعد، بتحريض من رعاتها الغربيين، للهجوم المتكامل على الجمهوريتين المعلنتين من طرف واحد، بينما ترى أوكرانيا أن روسيا تستعد لعام 2014 جديد (ضم القرم) وتعزز قواتها للتدخل".