تناول مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، في ندوة علمية اليوم السبت، المسار الرئاسي نحو تمرير مشروع "الجمهورية الجديدة"، انطلاقاً من قراءة نقدية، من الناحية القانونية والسياسية والتاريخية.
وركّز أستاذ القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية، كمال بن مسعود مداخلته حول، النظام السياسي المرتقب وفق مشروع الرئيس قيس سعيّد الذي يروج له المفسرون، قائلاً إنّ "النظام المرتقب... سيكون نظاماً رئاسويّاً يحتكر فيه رئيس الجمهورية كافة الصلاحيات، أي نظاماً رئاسياً يُنحرف به نحو الدكتاتوريّة، مع إضعاف دور الحكومة والبرلمان".
وأضاف بن مسعود أنه "سيتمّ إضعاف البرلمان عن طريق نظام الاقتراع وتشتيت الأصوات داخله والتقليص من نفوذه، فضلاً عن اللجوء إلى الاستفتاء كلّما تعذّر عليه تمرير مشروع قانون أو إذا لم يرتض تمرير أحد القوانين كذلك".
وأشار بن مسعود إلى أنّ "الأمر الرئاسي 117 لادستوري، لتضمّنه قواعد عامة مجردة ملزمة وغير دستورية، والقرارات التي صدرت في شكل أوامر رئاسية، كحلّ البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وتجميد نشاط هيئة مراقبة دستورية القوانين، إضافة إلى الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية وأنصاره، كلها معطيات تنبئ بما عساه يكون عليه النظام الجديد المرتقب".
وأضاف: "ما تنصّ عليه توطئة الأمر 117 من استهجان للنظام القائم ومن رفض للآليات المتعلقة بممارسة السيادة، أي دستور 2014 وكذلك المنظومة الانتخابية، تؤكّد أنه لن يكون في الدستور الجديد، مقومات النظام البرلماني الذي يكون فيه دور رئيس الجمهورية محدوداً، خلافاً لما يريده قيس سعيّد". وأضاف: "لو تمّ إرساء المحكمة الدستورية، لما فكّر سعيّد في تفعيل الفصل 80، لأنّ المحكمة كانت ستحرّك آلياتها ويتمّ عزله من قبل النواب لما في فعله من خرق جسيم".
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أصدر، في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، أمراً رئاسياً رقمه 117 يتعلق بتدابير استثنائية، من بينها: "مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه"، وكذلك "التدابير الخاصة بممارسة السلطة التشريعية، والتدابير الخاصة بممارسة السلطة التنفيذية".
وجاء ذلك بعد قرارات وصفها سعيّد بـ"الاستثنائية" وأعلنها في 25 يوليو/تموز الماضي، منها: تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه النيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة عَيَّنَ هو رئيستها.
من جهة أخرى، قال بن مسعود إنّ "المشروعية الشعبية لرئيس الجمهورية، قيس سعيّد، لا تتجاوز 600 ألف صوت مساند له، وإنّ الأصوات التي تمّ التصريح بها إثر الدور الثاني من الانتخابات الرئيسية، لا تعكس حقيقة مشروعيته ودليل ذلك عدد المشاركين في الاستشارة الإلكترونية".
وذكّر في نفس الإطار بأنّ أغلب "النخب في تونس اليوم، قالت للرئيس سعيّد إنّ المشروعية الشعبية التي كان يتمتّع بها، قد خانها يوم 22 سبتمبر/أيلول 2021، عندما خرج تماما ًعن الدستور"، مشيراً إلى أنّه "لم يظلّ مع الرئيس ممن يؤيّدونه إلا قلّة".
وحول التنصيص على دستور لجمهورية جديدة، قال بن مسعود إنّ ذلك يعني أنّه "لا علاقة للجمهورية المقترحة بما سبقها"، موضحاً أنّ "ترقيم الجمهوريات تقليد فرنسي، وأنّ الرئيس سعيّد عالم بالتاريخ الفرنسي وربما سيقع تشبيهه لاحقاً بنابليون بونابرت أو نابليون الثالث الذي عندما قاربت مدّته الرئاسيّة على النهاية، سعى إلى تعديل الدستور، ليضمن لنفسه إمكانية التجديد وعندما فشل قام بانقلاب وسجن النواب وأعلن نفسه إمبراطوراً، إلى أن جاءت الجمهورية الثالثة".
وقدّم أستاذ القانون بكلية العلوم القانونية والسياسية، يوسف عبيد، في مداخلته قراءة قانونية للهياكل الاستثنائية للفترة الاستثنائية بعد 25 يوليو/تموز، مقارنات بين "طريقة تعيين أعضاء هيئة الانتخابات بشكل أحادي عبر أمر رئاسي وبين انتخاب الهيئة السابقة من قبل مجلس النواب بأغلبية قانونية"، مشيراً إلى أنّ "مدة الهيئة 4 سنوات، ما يعني أن فترة الاستثناء ستتجاوز 4 سنوات أو أن مدة الهيئة ستتجاوز فترة الاستثناء، وبالتالي لن تشرف فقط على المحطات الانتخابية الحالية التي قررها الرئيس بشكل أحادي".
وتحدثت القاضية الإدارية، سمية قمبرة، عن أنواع الاستفتاء، مبينة أنّ "فيه أنواعاً مختلفة وأصنافاً عديدة، يختلف من دولة إلى أخرى، ولكنْ هناك ضمانات وأحكام خاصة تنطبق عليها"، ولفتت إلى أنّ "النص المتعلّق بالاستفتاء يدرس من زاويتين، زاوية أساسه القانوني وزاوية تنظيمه، ولا تقل أهمية إحداهما عن أهمية الأخرى"، مشيرة إلى "النصوص القانونية المنظمة والرقابة القضائية الضرورية لنتائج الاستفتاء".
وأوضحت أن "صدور أمر دعوة الناخبين إلى الاستفتاء، دون إرفاقه بنصّ مشروع الدستور الجديد (موضوع الاستفتاء)، غير مُستساغ، وكان من الأجدر أن يكون مرفوقاً بالنصّ ليطّلع عليه الناخبون".
من جانبها، قالت منسقة مشروع أجندة 13 بمركز الدراسات، وأستاذة القانون الدستوري، منى كريم، إنّ هناك "سيناريوهين لا ثالث لهما ينتظران تونس في حال سقوط مشروع الدستور الجديد بأصوات الناخبين الرافضة في استفتاء 25 يوليو المرتقب".
وبيّنت كريم أنّ "السيناريو الأول يتمثل في أن يعرض رئيس الجمهورية مشروع الدستور الجديد مع العودة إلى الشرعية الدستورية والبرلمان المنحل، أو العودة إلى دستور 2014 والذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وفق القانون الانتخابي الحالي وليس القانون الذي سيتم حوله الاستفتاء، وهو الحلّ العقلاني الذي يضمن أقل صدامات مع الشعب ومع مؤسسات الدولة"، وفق تقديرها.
وتابعت أنّ "السيناريو الثاني المطروح، في حال سقوط المشروع الجديد بالاستفتاء، يتمثل في تنحي رئيس الجمهورية قيس سعيّد عن السلطة على غرار السيناريو الذي عاشته فرنسا مع الجنرال شارل ديغول سنة 1969 الذي استقال مباشرة عقب تصويت الشعب ضد خياراته في الاستفتاء باعتبار أنه كان يعتبر أنّ ذلك الاستفتاء كان استفتاء على الرئيس وليس على مشروع". ولفتت إلى أنّ "فشل مشروع الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء هو فشل للرئيس باعتباره مشروعه الخاص".