نازحو إدلب "من الموت إلى الموت": روايات متناقضة للنظام وروسيا لتبرير المجزرة

08 نوفمبر 2022
خيمة تضررت في القصف على مخيم مرام أول من أمس (العربي الجديد)
+ الخط -

"من الموت إلى الموت"، بهذه الكلمات لخص عبد الرزاق اشحيبر، في حديث مع "العربي الجديد"، ما آلت إليه أوضاع أسرته، بعد وفاة طفلته آلاء، البالغة من العمر 6 أعوام، وإصابة باقي أفراد العائلة جراء قصف بصواريخ عنقودية مصدره مواقع الجيش الروسي في مطار النيرب بحلب، التي تسيطر قوات النظام السوري عليها، والذي أصاب خيمة العائلة المؤلفة من 5 أشخاص في مخيم مرام قرب بلدة كفر جالس، غرب إدلب.

وقال اشحيبر إنه لم يعد هناك مكان آمن له ولعائلته بعدما تعرض المخيم، الذي كان يعتبره موقعاً للهرب من القصف الذي تتعرض له قريته أبلين بجبل الزاوية، جنوب إدلب، وأوضح أن زوجته لا تزال في المشفى إثر الإصابة التي تعرضت لها، وأيضاً طفلته الثانية البالغة من العمر 4 أعوام.

وقرر اشحيبر العودة إلى قريته التي تتعرض للقصف بشكل متواصل من قبل قوات النظام، حيث إن المنزل، برأيه، أصبح آمناً أكثر من الخيمة، وسوف يحافظ على حياة ما تبقى من أطفاله، واعتبر أن المنزل قد يقيهم خطورة القنابل العنقودية، أما الخيمة القماشية والبلاستيكية لن تحميهم، وأن النظام السوري وروسيا لم ولن يفرقا بين مخيم ومدني وعسكري، والجميع هدف لهما تحت اسم الإرهاب.

حركة نزوح كبيرة من تجمع المخيمات

ورصدت "العربي الجديد"، أمس الإثنين وأول من أمس الأحد، حركة نزوح كبيرة من تجمع المخيمات في منطقة كفر جالس بعد تعرضها للقصف أول من أمس الأحد. ووفقاً لمصادر عدة في مخيم مرام، فإن "معظم العوائل التي تقيم في المخيمات لم تعد تعتبر المكان آمناً بسبب القصف المباشر الذي استهدفه".

ناجي مصطفى: الروس يمارسون سياسة الكذب والخداع

وتوزعت حركة النزوح على عدة مناطق، فمن النازحين من قرر العودة إلى بلدته التي تعتبر قريبة جداً إلى مواقع سيطرة النظام السوري جنوب إدلب، وآخرون فضلوا الذهاب إلى مخيمات أخرى قريبة من المنطقة.

من جانبه، قال مدير فريق "منسقو استجابة سورية" محمد حلاج، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "2183 عائلة نزحت من المخيمات التي تعرضت للاستهداف، فيما بلغ عدد العوائل التي تضررت، بشكل مادي، 3621". 

وأوضح الحلاج أن "63 خيمة وكرفان تضررت نتيجة الاستهداف الذي طاول تجمع المخيمات"، مشيراً إلى أن "غالبية الأضرار كانت في مخيم مرام"، ولفت إلى أن "المنطقة المستهدفة تضم ضمن قطر 7 كيلومترات أكثر من 23 مخيماً، منها عشوائية، وأخرى أشرفت الأمم المتحدة على تشييدها".

وقتل تسعة مدنيين، بينهم أطفال ونساء، وأصيب 75، أول من أمس الأحد، بصواريخ تحمل قنابل عنقودية محرمة دولياً من مواقع القوات الروسية بمطار النيرب بحلب على تجمع مخيمات كفر جالس، غربي إدلب.

وساد هدوء حذر المنطقة أمس الإثنين، بعد ساعات من المجزرة التي ارتكبها النظام والجانب الروسي، اللذان استخدما روايات متناقضة لتبرير قصف مخيمات نازحين.

رواية روسيا عن القصف

وقال نائب رئيس "المركز الروسي للمصالحة" التابع لوزارة الدفاع الروسية أوليغ إيغوروف، في تصريحات نقلتها وكالة "تاس" الأحد، إن القصف جاء رداً على هجوم بطائرة مسيّرة استهدف مواقع لقوات النظام قرب بلدة سلمى بريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وادّعى أن القصف طاول معسكراً لـ"تدريب المسلحين"، إضافة إلى ملاجئ تابعة لهم تحت الأرض، قُتل على أثره 93 مسلحاً، وأصيب 135 بجروح خطيرة، من دون أي ذكر لمخيمات المدنيين التي تم استهدافها.

وكان إيغوروف قد قال، في تصريحات صحافية، السبت الماضي، إن مركزه تلقى معلومات تفيد "بأن مقاتلي جبهة النصرة الإرهابية جنباً إلى جنب مع منظمة الخوذ البيضاء، التي تعمل بشكل مزيف بغطاء إنساني، يخططون للقيام باستفزازات في محافظة إدلب". وأضاف: "ينوي المسلحون إجراء تصوير مرحلي لعواقب الضربات المنظمة في مناطق مخيمات اللاجئين في قريتي كفر دريان وكفر جالس في محافظة إدلب". 

من جانبه، قدم النظام، الذي قصفت قواته المخيمات انطلاقاً من مواقع لها في حلب، رواية أخرى. وزعمت صحيفة "الوطن" التابعة له، أمس الإثنين، أن "الجيش العربي السوري وجه ضربات صاروخية مركزة استهدفت معسكر تدريب لتنظيم جبهة النصرة، ما أدى إلى مقتل وجرح أكثر من 40 إرهابياً"، وهو أمر تنفيه الوقائع الميدانية، حيث قتل مدنيون في القصف.

وبحسب الصحيفة، "فإن طائرات مسيرة تابعة للجيش (قوات النظام) كانت تحوم فوق منطقة الاستهداف، ورصدت نقل شحنة من الأسلحة والذخيرة من الحدود التركية إلى داخل معسكر الإرهابيين قبل توجيه رشقة الصواريخ من نقاطه بريف إدلب الشرقي". 

ولطالما اتخذ النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون من وجود "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) ومجموعات متطرفة تدور في فلكها ذريعة لقصف الشمال الغربي من سورية، الذي يضم نحو 4 ملايين مدني، جلّهم من النازحين، يدفعون الثمن من وراء هذا القصف، إذ لم يسبق للطيران الروسي أو قوات النظام استهداف معسكرات أو مواقع عسكرية تابعة لـ"الهيئة". 

روسيا تمارس سياسة قتل ممنهجة

من جانبه، أكد النقيب ناجي مصطفى، وهو المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "روسيا تمارس سياسة قتل ممنهجة بحق المدنيين السوريين".

وأضاف: "الروس المحتلون يمارسون أيضاً سياسة الكذب والخداع والتضليل لإيجاد حجج لارتكاب المجازر بحق المدنيين وقتل النساء والأطفال في مخيمات النازحين". 

واعتبر مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح، في تغريدة له أول من أمس، أن القصف الذي طاول المخيمات "جريمة مضاعفة ومبيّنة"، مشيراً إلى أنها "انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتمر من جديد دون محاسبة دولية، وتفتح الباب للمجرمين لمواصلة جرائمهم".

من جانبها، اكتفت الأمم المتحدة في بيان، أول من أمس، بإبداء "القلق" من "تصعيد الأعمال العدائية في إدلب، شمال غرب سورية"، داعية "جميع الأطراف في سورية إلى ضبط النفس"، دون الإشارة إلى الجهة التي ارتكبت المجزرة بحق المدنيين النازحين.

بيان الأمم المتحدة "مخيب للآمال"

واعتبر فريق "منسقو الاستجابة"، الذي يرصد الأوضاع الإنسانية في الشمال السوري، أن بيان الأمم المتحدة "مخيب للآمال". وأشار في بيان، أمس الإثنين، إلى أنه لم يحمل "أي إشارة واضحة لمرتكبي الجرائم الأخيرة، والأزمات التي سببتها من عمليات قتل خارج القانون وعمليات تهجير قسري منهجية". 

وبيّن الفريق أنه سجل "أكثر من 38 استهدافاً لمخيمات النازحين في المنطقة منذ مطلع العام الحالي، أكثر من 80 في المائة من تلك الاستهدافات كانت بسبب النظام السوري وروسيا".

"منسقو الاستجابة": بيان الأمم المتحدة مخيب للآمال

من جهته، أعلن رشيد حوراني، النقيب المنشق عن قوات النظام، الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قوات النظام السوري استخدمت في قصف المخيمات في شمال غربي سورية الأحد الماضي، "راجمة أورغان، التي تقذف 16 صاروخاً، وزن كل منها بشكل وسطي 300 كيلوغرام".

وأضاف: يريد النظام أن يدلل على أنه لا يزال يمتلك فائضاً من القوة يمكن أن يستخدمها ضد الأتراك، الذين عطلوا أو لم يتعاونوا في عملية إجبار النازحين على العودة إلى مناطقهم في ريف إدلب الجنوبي، وخاصة مدينة معرة النعمان، وفق شروط تسوية أعلن النظام عنها أخيراً. 

وأعرب حوراني عن اعتقاده بأن النظام "يريد أيضاً من وراء هذا القصف الضغط على تركيا لتقديم تنازلات أكبر لصالحه في المفاوضات الجارية بين الطرفين". 

وحول الصمت الإقليمي والدولي إزاء المجازر التي يرتكبها الروس والنظام بحق المدنيين في الشمال الغربي من سورية، يُرجع حوراني السبب إلى "رغبة المجتمع الدولي، وخاصة أميركا والدول الأوروبية، بترك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتخبط في ورطته في سورية، والتي بدأها أواخر العام 2015، ولكن لا يمكنه اليوم إنهاءها".

المساهمون