انتهى مونديال قطر وفلسطين حاضرة فيه منذ اليوم الأول حتّى الأخير. الحدث الأكبر عالمياً في عالم الرياضة والتقاء الشعوب على مدار أسابيع، عكس في هذه الدورة رمزية القضيّة الفلسطينيّة في الفضاء العربي واستفتاءً جديداً على مركزية فلسطين عند الشعوب العربيّة، بعد سنوات من الثورة المضادة التي سحقت آمال الربيع العربي بالتحرر، وتتوجت باتفاقيّات تطبيع لعدة أنظمة عربيّة مع إسرائيل. جاء مونديال قطر وقالت فيه الجماهير العربيّة؛ بكافة أشكال التضامن، إن فلسطين؛ خلافاً للأنظمة المطبّعة، قضيتنا الأولى.
بدأت دعوات التضامن والتحشيد رقمياً عبر منصات التواصل الاجتماعي قبل المونديال، كانت الشرارة الأولى على الأرض في ردّة فعل الناس العفويّة، خلال مقابلات الصحافيين الإسرائيليين الباحثين في الدوحة عن جمهور عربي، كي يظهر ظهوراً طبيعياً على الفضائيات الإسرائيليّة، ويتحدث عن المونديال والرياضة، بل ربما يوجّه رسالة حب وسلام للإسرائيليين، إلّا أن ردّة الفعل؛ كما شهدناها، كانت مقاطعتهم والدعوة لحريّة فلسطين.
خلصت إلى القول "فلسطين هي الفائزة في كأس العالم لهذا العام"
لا يمكن قراءة طبيعة وحجم التضامن العربي والعالمي مع فلسطين في المونديال، الذي شمل مسيرات ومظاهرات ورفع الأعلام الفلسطينيّة في الملاعب، وارتداء الكوفيّات ومقاطعة الإعلام الإسرائيلي وتنظيم فعاليّات ثقافيّة، دون المرور على دور حركة شباب قطر ضد التطبيع، التي تنشط منذ سنوات في مناهضة التطبيع مع إسرائيل في قطر، كما تنظّم أنشطة تضامنية مع فلسطين. الناشطون في الحركة؛ الذين يتقاطعون في نشاطهم مع ناشطين في دول خليجيّة أخرى، نجحوا في خلق حالة تضامن شعبيّة محليّة مستمرة، وفي تعزيز الرأي العام القطري المناصر لفلسطين، على الرغم من قلة عدد الناشطين ومحدوديّة العمل السياسي، كما ساهموا في إعادة الاعتبار للعمل المنظّم بدلاً من التعبير عن المشاعر فقط.
هذا المشهد و"التريند" في التضامن العربي لم يعجب الإسرائيليين؛ لم يتوقعوه، ليصفوا المونديال في الإعلام الإسرائيلي بـ "مونديال الكراهية". حمل السعي الإسرائيلي المتحمس لحضور هذا الحدث العالمي في قطر رغبة في القبول الطبيعي لإسرائيل كما هي، دون أي خجل أو مساومة على ممارسات إسرائيل الاستعماريّة وتطبيقها نظام فصل عنصري بحق الفلسطينيين. تجاهلت اتفاقيات التطبيع هذا الواقع كما يتجاهله المجتمع الإسرائيلي المرفّه على حساب دم الفلسطينيين ومعاناتهم، وكان المونديال فرصة للتذكير؛ على مدار أسابيع، وعودة الرأي العام العربي تجاه فلسطين للصدارة.
لهذا المشهد حضورٌ قويٌ أيضاً في وسائل الإعلام العالميّة، التي أبرزت التضامن مع فلسطين في المونديال، عبر عناوين ومقالات مختلفة، إذ قالت صحيفة لوس أنجليس تايمز "القضيّة الفلسطينيّة تحتل مركز الصدارة في كأس العالم"، في حين اعتبر مجلة نيووزويك الأميركية "كأس العالم ضربة حاسمة لإسرائيل"، فيما أفردت ذا غارديان البريطانية مقالاً يحكي عن أسباب امتداد حراك؛ الحريّة لفلسطين، إلى المونديال، كذلك قالت مجلة ذا نيشن الأميركيّة "فلسطين النجم غير المتوقع في كأس العام 2022"، فيما قالت نيويورك تايمز "إن الجماهير لوّحت بعلم الفريق غير الرسمي لكأس العالم (علم فلسطين)"، وأكدت صحيفة واشنطن بوست "أن العالم العربي يقف من أجل القضيّة الفلسطينيّة في المونديال"، أمّا صحيفة دازيد الألمانيّة؛ على الرغم من امتعاض الإعلام الألماني من هذا المشهد، فخلصت إلى القول "فلسطين هي الفائزة في كأس العالم لهذا العام".
ينتهي المونديال وتعود الفرق ويعود المشجعون إلى بلدانهم، وسيكتب التاريخ عن أحداث كثيرة حصلت في المباريات والتنظيم والسياسة والرياضة والثقافة والهويّات، إلّا أنه من المؤكد سيكتب أيضاً أنه كان مونديال فلسطين في قطر.