فوجئ المصريون العائدون إلى قراهم جنوبي مدينتي رفح والشيخ زويد في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، بأوامر عسكرية يوم الأحد بضرورة إخلاء القرى في غضون 24 ساعة، إلى حين صدور قرار آخر بخصوص عودتهم، ما أصاب العائدين إلى القرى والمجموعات القبلية والمشايخ أصحاب التواصل مع قيادة الأمن والجيش في سيناء بالحيرة. وأتى القرار بدون مقدمات أو مسوغات، سوى إخلاء المنطقة من أصحابها مرة أخرى، على غرار ما سبق انتشار تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" عام 2016.
ويأتي قرار الإخلاء بعد أيام من كشف "العربي الجديد" عن قرار عسكري، جرى توزيعه على أصحاب معامل الطوب في جنوب رفح والشيخ زويد، يأمرهم بعدم صب الطوب للمواطنين العائدين لقراهم، لمنع إعادة إعمار منازلهم التي هدمها الجيش المصري خلال عملياته ضد تنظيم "داعش".
وتسبّب هذا القرار بغضب المواطنين في المنطقة المذكورة، وسط حالة من الضبابية في الموقف، خصوصاً أن المسؤولين القبليين في المنطقة ليست لديهم أدنى فكرة عما يحصل، بعد أشهر من تعاونهم مع قوات الجيش في طرد "داعش"، ووجود خطوط ساخنة للتواصل، إلّا أنها بدت خارج الخدمة في الآونة الأخيرة.
أمر بإخلاء رفح والشيخ زويد
وفي التفاصيل، قال أحمد أبو فريح، أحد المهجرين العائدين إلى قرى جنوب رفح، لـ"العربي الجديد"، إن قائد المنطقة العسكرية جنوب رفح والشيخ زويد برتبة عقيد أبلغ سكان المنطقة الذين بنوا عدداً من البيوت من القش وسعف النخل، ولم يخرجوا من المنطقة منذ العودة إليها قبل أشهر، بضرورة إخلاء المنطقة، مع أمتعتهم التي قدموا بها. وتابع أنه أبلغهم أيضاً بمنع حركة المركبات في المنطقة، وعدم السماح بإدخال أي شيء، سواء كانت أغراضاً خاصة أو للمنفعة العامة كالمستخدمة في إصلاح خطوط الكهرباء والمياه والاتصالات، بدون أن يبرر ذلك للمواطنين، الذين بدأ جزء منهم بالمغادرة.
مسؤول بالجماعات القبلية الموالية للجيش: يقوم الجيش بإخراج الناس، لمصلحة من هذا
ولاحقاً كتب عدد من مسؤولي المجموعات القبلية التي تساند الجيش المصري في حملته العسكرية ضد تنظيم "داعش" حول الموضوع، ومنهم موسى سالم المنيعي، أحد أبرز المسؤولين، الذي قال: "مثلث رأسه مدرسة أبو زماط وقاعدته من الماسورة إلى الوفاق يقوم الجيش بإخراج الناس منه، لمصلحة من هذا". وأرفق ذلك بخريطة للمنطقة المستهدفة بالإخلاء مجدداً، عبر صفحته على "فيسبوك".
وبعد مرور وقت قصير، كتب مجدداً: "قائد الجيش الثاني اللواء محمد ربيع ينفي إخراج الأهالي من قرية المقاطعة والخرافين وقوز أبو رعد وأطراف المهدية، وهذا قد حدث اليوم، ويقول اذهبوا إلى قراكم اعتبروا مفيش حاجة حصلت". وكتب أيضاً: "مصدرنا جهات عليا من القاهرة، إن ما حدث اليوم عمل انفرادي، وعلى الأهالي الرجوع، وسوف نبدأ في خدمات القرى قريباً". فيما رد عليه موسى أبو الحج أحد الرموز القبلية في سيناء: "قرار بحجم إخلاء منطقة من أهلها عمره ما بيكون قرار فردي".
ما سبق دفع عدداً من وجهاء سيناء، وعلى رأسهم موسى المنيعي وعبد الفتاح الأطرش وخالد عيسى، لإطلاق مبادرة "اثبت يا بطل" والتي تحث المواطنين العائدين إلى قراهم على عدم الخروج منها، وتكرار ما سموه "مآسي الماضي". لكن الأهالي يتخوفون من خطورة البقاء في منطقة طلب الجيش الخروج منها، لما قد يترتب على ذلك من عقوبات أو أضرار، باعتبار المنطقة منطقة عسكرية مغلقة، تتبع بشكل مباشر إلى وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري، ومن ينوب عنه على الأرض من قادة عسكريين وضباط.
وحاول الأهالي فور عودتهم إلى قراهم توفير مساكن بدائية، لكن اقتراب فصل الشتاء وبرودة الأجواء ليلاً دفعاهم إلى التفكير في بناء منازل جديدة باستخدام أموالهم الخاصة، في وقت لم تصرف الحكومة تعويضات لهم عن هدم الجيش نفسه هذه المنازل. لكن منع مصانع الطوب من خدمة طلبات المواطنين قد يبقيهم في العراء مع عائلاتهم خلال فصل الشتاء، أو يجبرهم على العودة إلى منازل المهْجر مرة أخرى، ما يزيد معاناتهم، ويفقدهم بالتالي الأمل بتنفيذ عودة حقيقية إلى قراهم وديارهم.
دعوات لعدم المغادرة
وفي التعقيب على ذلك، قال أحد وجهاء مدينة رفح، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "ما كنا نخشاه من تأخر إعادة الإعمار، وإمداد القرى المهجرة بالمتطلبات الأساسية، ومنع مصانع الطوب من العمل، بات حقيقة على أرض الواقع، وبشكل واضح وعلني من القيادة العسكرية، بأن وجود العائدين إلى قراهم مزعج وغير مقبول، وواجب عليهم المغادرة، باعتبار المنطقة منطقة عسكرية لا يقبل بوجود المدنيين فيها، حتى وإن شاركوا في طرد التنظيم من مناطقهم، وقدّموا في سبيل ذلك أبناءهم بين قتيل وجريح ومفقود، وخسروا أعمالهم ومنازلهم وكل ما يملكون، وعادوا إلى العراء مجدداً، ومن الصفر بدأوا في بناء منازلهم، وإعادة الحياة إلى المنطقة، وهذا لم يرق للمسؤولين والقيادة العسكرية".
أحد وجهاء رفح: ما نخشاه بات حقيقة بأن وجود العائدين إلى قراهم مزعج وغير مقبول
وأضاف أن تهديد المواطنين العائدين لقراهم، والذي صدر على لسان قائد عسكري بارز في رفح، لم يكن عشوائياً ولا عملاً فردياً، بالنظر إلى أن الجيش لا يتخذ أي قرار بشكل فردي خصوصاً في حال كان يخص مئات المواطنين. وتابع: "يشهد عليه في ذلك أصحاب علاقة بالأمن والجيش، والذين تواصلوا بشكل مباشر مع قادة الجيش الثاني الميداني وقادة المخابرات الحربية في شمال سيناء، والذين بدورهم حاولوا امتصاص غضب مشايخ القبائل، وتهدئتهم إلى حين استيضاح الأمر أكثر، ومراجعة القرار، مع بقاء المواطنين في أماكنهم إلى حين إبلاغهم بأي جديد، بينما يرفض الضباط الميدانيون هذا التأجيل الذي لم يبلغوا به".
وتصاعدت الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعدم تكرار الخطأ الأول بالخروج من الأرض، والإنصات إلى القرار العسكري بطرد المواطنين مرة أخرى من ديارهم. إلا أن التخوّف يبقى سيد الموقف من إمكانية إجبار الجيش للمواطنين على المغادرة، عبر إحكام الإغلاق على المنطقة وعدم إدخال مواد غذائية ومياه إليها، بالإضافة إلى فصل خطوط الكهرباء والمياه والاتصالات التي عاد جزء منها للعمل قبل بضعة أيام فقط.
يشار إلى أنّ قوات الجيش المصري والمجموعات القبلية المساندة له في محافظة شمال سيناء طالبت المواطنين وشجعتهم على العودة إلى قراهم التي هُجّروا منها قبل سنوات، بعدما تحسن الوضع الأمني في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، إثر طرد تنظيم "ولاية سيناء" منها في إبريل/ نيسان الماضي، في أكبر حملة عسكرية مشتركة بين الجيش والمجموعات القبلية، وأثمرت عن إعلان مناطق جنوب رفح والشيخ زويد خالية من الإرهاب بعد سنوات من تمركز تنظيم "داعش" فيها بعد تهجير سكانها على يد الجيش.