يستمر الجدل السياسي الدائر في الجزائر حول طروحات ودعوات من قوى وأحزاب تقدمية بشأن ضرورة الذهاب إلى مرحلة انتقالية في البلاد، وفيما تتباين المواقف بين القوى السياسية حول ماهية هذه المرحلة، فإن أغلبها يميل إلى رفض الفكرة بسبب محاذير على استقرار البلاد.
وقال رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان في ندوة نقاش سياسي إن "دعاة المرحلة الانتقالية يسعون للزج بالبلاد في الفوضى، والهدف الأساسي من وراء محاولات فرض مرحلة انتقالية في الجزائر، هو تكسير ما يمكن أن يحافظ على نواة الدولة".
وقبل جيلالي كانت أحزاب إسلامية، كحركة مجتمع السلم وحركة البناء الوطني، قد رفضتا فكرة المرحلة الانتقالية، وحذرتا مما وصفتاه بتيار استئصالي يسعى إلى الدفع باتجاه توفير مناخ التوترات السياسية والظروف التي تؤدي إلى المرحلة الانتقالية.
وحذر رئيس حزب "جيل جديد" من تغلغل من وصفهم بالمتطرفين في الحراك الشعبي، وقال إن "هناك متطرفين في الحراك باسم الإيديولوجية يهددون الدولة والمسار الانتخابي"، وأكد في سياق آخر وجود محاذير بشأن خطة لما وصفها "بقايا العصابة تهدف إلى دفع الناس للخروج إلى الشارع والاحتجاج، وإبعاد الجزائريين عن اهتمامات أخرى"، مشيراً إلى أن "بقايا العصابة انتقلوا إلى دور توجيه الرأي العام، خاصة وأن بعض التصريحات لتوجيه الرأي العام إلى نقاشات أخرى، تأتي من طرف أشخاص كانوا في قلب الفساد، واستفادوا من المرحلة السابقة سواء بالمشاريع أو العقارات".
وأضاف أن "هناك تحالفا موضوعيا بين بقايا العصابة وبعض المتطرفين لإقصاء الأحزاب وخلق الفراغ الذي يمكّن لعودة العصابة بطريقة مباشرة أو عبر الفوضى".
وفي السياق، وجه جيلالي سفيان الذي كان التقى الرئيس عبد المجيد تبون قبل أسبوعين، اتهامات إلى حزب "جبهة التحرير الوطني" بالوقوف وراء التسريبات الأخيرة الخاصة بالرواتب التي يتلقاها أعضاء المجلس الانتقالي (1994-1997)، والتي كشف عنها قبل أيام عضو جبهة التحرير ومجلس الأمة عبد الوهاب بن زعيم، والذي أكد أن أعضاء المجلس الانتقالي الذي أنشئ بين 1994 الى 19997 كمؤسسة تشريعية مؤقتة، ظلوا يتلقون مرتباتهم منذ ذلك الوقت، ويتلقون في الوقت الحالي ما يعادل ألفي يورو شهرياً، بعد سنهم لقانون في فترة عمل المجلس يسمح لهم بتقاضي مرتباتهم مدى الحياة .
وأثار ذلك جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية، وتوجه اللوم إلى رموز وشخصيات سياسية معارضة كانت عضوة في المجلس الانتقالي لضرب مصداقيتها، ووضع جيلالي سفيان الذي كان عضواً في ذلك المجلس الانتقالي توقيت الكشف عن هذه القضية بأنها "تصريحات غير بريئة وتستهدف ضرب مبادرة الحوار التي أطلقها رئيس الجمهورية مع أحزاب المعارضة".
حنون: المسار الانتقالي ضرورة لتغيير النظام
لكن رئيسة حزب العمال لويزة حنون تطرح وجهة نظر مخالفة، وتعتبر أن المرحلة الانتقالية ممر ضروري.
وقالت حنون في أول مؤتمر صحافي تعقده منذ خروجها من السجن شهر سبتمبر /أيلول الماضي، بعد سجنها في قضية التآمر على سلطة الجيش والدولة إن "كل تغيير نظام يمر عبر مسار انتقالي ضروري لتحقيق المطالب الانتقالية للشعب".
وذكرت أن " ثورة 22 فبراير 2019 لم تحقق أهدافها، وفي مقدمتها الهدف الرئيسي وهو رحيل النظام، لا تزال نفس الممارسات السياسية، نفس المؤسسات التي تسببت في انهيار البلاد، والنظام لديه توجه للتسلط على الحياة السياسية والدعاية الإعلامية البشعة، وهناك استمرار للاضطهاد من خلال المحاكمات السياسية".
واعتبرت أن "استمرار نفس النظام ترتب عنه تقهقر الحريات والديمقراطية وغياب حرية الإعلام والتضييق على الممارسة السياسية، وكذا تقهقر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية".
وحذرت زعيمة التيار اليساري في الجزائر من محاولات سيطرة الإسلاميين على الحراك، وقالت إن "هناك من يريد اختصار الثورة في مطالب سياسية وكذا توظيف الدين لأغراض سياسوية، هناك تيار ظلامي وأصوات لفاعلين ينتسبون للديمقراطية، وهذا ما يخدم النظام القائم".
المسار الثوري في مفترق الطرق وتحديد أهداف الثورة أصبح أولوية ملحة
وبرأي حنون فإن المسار الثوري في مفترق الطرق وتحديد أهداف الثورة أصبح أولوية ملحة، مشيرة إلى ان "الثورة (الحراك) ملك للشعب، لا يوجد رئيس مدير عام للثورة، لا زعيم ولا ناطق رسمي، ولإنقاذ الثورة يجب أن يكون بالتصدي لمحاولة تحريفها والسعي ليكون التلاقي بين المسائل السياسية الاقتصادية والاجتماعية، ولهذا يجب أن تقاد من طرف تنظيمات عمالية نقابية وطلابية، وهي القوى التي بإمكانها أن تحمي الثورة من الانحراف".
وشددت على رفضها "تحويل مركز الثورة من الداخل إلى الخارج"، في إشارة إلى معارضين يقيمون في الخارج، يسعون للامساك والتأثير في إدارة الحراك الشعبي.
ورفضت حنون إعلان موقف بشأن مسألة مشاركة حزب العمال في الانتخابات النيابية المسبقة، وأرجأت ذلك إلى دورة قريبة للجنة المركزية للحزب ستناقش الموقف، واعتبرت أن "الأولوية في الوقت الحالي هي للمطالب الانتقالية وتلبية هذه المطالب شرط أساسي للحفاظ على سلمية الثورة والسيادة الوطنية".
ووصفت المتحدثة، القانون الانتخابي الجديد بأنه "يتضمن نفس ممارسات عهد الحزب الواحد (قبل عام1989)، حيث يقصي النساء وسيقتحم المال أكثر العملية السياسية حيث ستتشكل لوبيات أكبر، كما أن القوائم المفتوحة ضد التعددية الحزبية، وتشجيع الشباب للترشح في قوائم حرة وتمويلها رشوة وتمييز".
ووجهت في سياق آخر انتقادات حادة للتغطيات الإعلامية للتلفزيون الجزائري، واتهمته "بتزييف الحقائق وترهيب الشعب، هو مرفق عمومي ممول من ضرائب يدفعها الشعب ويفترض أن يقدم الحقيقة"، على خلفية جدل كبير يثار في الجزائر مؤخراً حول أداء التلفزيون العمومي، خاصة بشأن تغطية مظاهرات الحراك وأنشطة أحزاب المعارضة.