يلاحق الخوف أهالي مدينة تدمر الواقعة شرقي محافظة حمص وسط سورية، ويمنعهم من العودة لمدينتهم، على الرغم من الدعوات المتكررة التي أطلقها النظام في هذا الإطار، بعد استعادته السيطرة على المدينة في مارس/آذار 2017، عقب خروج تنظيم "داعش" للمرة الثانية منها. غير أنّ القسم الأكبر من المدينة يخضع لسيطرة المليشيات الأجنبية التي سلبت أحياء بكاملها وصادرت منازل المدنيين.
وعن الأسباب التي تمنع أهالي المدينة من العودة إليها، يقول عضو تنسيقية مدينة تدمر، خالد الحمصي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك مخاطر أمنية ومخاوف من الاعتقالات بالنسبة لمن يفكر بالعودة، فضلاً عن أنّ الكثير من بيوت المدينة مدمّر، والكثير من أحيائها مهدوم. وبالنسبة للخدمات، فهي مركزة في أحياء معينة فقط، وليست متوفرة في كامل المدينة، فهي مثلاً متوفرة في حي الجمعية الغربية الذي تقيم فيه مليشيات أجنبية معظمها إيرانية وبعضها أفغاني، ولا تسمح لمالكي المنازل في هذا الحي بالعودة إليه". ويستطرد الحمصي: "الخدمات متوفرة أيضاً في حي الساحة العامة وقسم من الحي الشمالي".
هناك مخاطر أمنية ومخاوف من الاعتقالات بالنسبة لمن يفكر بالعودة
وبالنسبة لعمليات الترميم، فالنظام، وفق الحمصي، ومنذ شهر "أعلن عن مشروع ترميم لبعض البيوت والأحياء في المدينة، لكن التنفيذ يتم ببطء شديد، إذ لا تتوفر آليات وتجهيزات كافية في مجلس المدينة. ويسمح النظام لمن يود بالترميم بالقيام بذلك، لكن الأهالي هناك تحت خط الفقر من جهة، وخائفون من عودة تنظيم داعش من جهة أخرى".
وتسود مخاوف من عودة تنظيم "داعش" للمدينة بعد أن كان سيطر عليها مرتين، ويعتبر الحمصي في هذا السياق، أنّ "الطريق كان مفتوحاً للتنظيم في المرتين السابقتين للسيطرة على المدينة، نظراً لقربه من شرق وشمالي المدينة". ودخل تنظيم "داعش" مدينة تدمر للمرة الأولى في 20 مايو/أيار 2015، واستعاد النظام السيطرة عليها في 24 مارس/آذار 2016، قبل أن يهاجم التنظيم المدينة مرة ثانية في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2016، ليستعيد النظام سيطرته على المدينة مجدداً في 2 مارس 2017.
أمّا نسبة السكان الذين يفكرون أو يستطيعون العودة لمدينتهم، "فلا تشكّل 5 في المائة من أولئك الموجودين في حمص ودمشق ومخيم الركبان على الحدود مع الأردن"، وفق الحمصي.
ويشير الحمصي إلى أنّ "القسم الأكبر من أهالي مدينة تدمر موجود في الشمال السوري في إدلب وريفها وريف حلب، وقسم آخر موجود في مخيم الركبان وفي محافظة الرقة وريفها. كما أنّ هناك من لجأ إلى تركيا وأوروبا، فيما يقيم قسم من أهالي المدينة الموجودين في مناطق النظام، في مدينة حمص وبعضهم في دمشق".
ويلفت الحمصي إلى أنّ "أغلبية أهالي مدينة تدمر يفضلون البقاء في مكانهم الحالي، إن كان تحت سيطرة النظام أو في شمال سورية، والسبب هو الفقر الكبير لمعظمهم، والذي يمنعهم من ترميم بيوتهم والمخاوف الأمنية من الاعتقالات والتجنيد بالنسبة لمن هم خارج سيطرة النظام، وعدم الثقة بالأخير ومواليه بشكل عام حتى من قبل الذين هم في حمص ودمشق".
وعن المليشيات الأجنبية التي تنتشر في المدينة، يوضح الحمصي أنها إيرانية وأفغانية وأخرى محلية، ومنها: "فاطميون" و"لواء السيدة زينب" و"حزب الله" و"حركة النجباء" و"لواء الإمام علي" و"الدفاع الوطني"، بالإضافة لقوات خاصة روسية. ويشير الحمصي إلى أنّ "السيطرة الفعلية على الأرض هي للمليشيات الإيرانية، فيما النظام سيطرته إعلامية فقط".
القسم الأكبر من أهالي مدينة تدمر موجود في الشمال السوري
وفي السياق ذاته، يوضح الناشط الإعلامي، ابن مدينة تدمر، أيمن العموري، لـ"العربي الجديد" أنّ "التهجير الممنهج من المدينة بدأ في عام 2015 خلال فترة سيطرة تنظيم داعش الأولى على المدينة التي قصفت وقتها لمدة 9 أشهر متتالية من قبل النظام وروسيا، وكأنهم يرسخون المقولة التي وردت في التلمود: سعيد من رأى خراب تدمر". ويعتبر العموري أنّ "هدف النظام وروسيا حينها كان التهجير والانتقام من المدينة وأهلها، واليوم لا تتجاوز نسبة من هم من سكان تدمر داخلها، الـ5 في المائة، علماً أن هؤلاء كان عددهم قبل الثورة يتجاوز الـ100 ألف نسمة".
ومع الهجوم الأول لتنظيم "داعش" على مدينة تدمر عام 2015، اتجه جزء من أهالي المدينة نحو مدينة الرقة، بينما قصد آخرون مدينتي حمص ودمشق، ليستقروا فيهما نظراً لارتباطهم بوظائفهم، ومنهم المدرّسة هدى (45 عاماً)، التي تقيم في دمشق مع أولادها وزوجها.
وعانت هدى كغيرها من أبناء تدمر بعد الخروج من المدينة. وتقول لـ"العربي الجديد": "حالياً أقيم في بيت متواضع بالإيجار، أنا وزوجي وأولادي، ويقيم أبي وأمي أيضاً معنا في البيت ذاته؛ فوالدي تخطى الثمانين من العمر وبالكاد يقوى على الحركة، ووالدتي أيضاً تعاني من داء السكري. نحن محرومون من العودة لمدينة تدمر، فلا يمكننا العيش وسط غياب الخدمات، ووالدي بحاجة لمراجعة دورية في المستشفى كما أنني مرتبطة بوظيفتي في إحدى المدارس هنا".
وتضيف هدى: "إذا بقيت الأمور في المدينة على ما هي عليه في الوقت الحالي، فالبقاء في دمشق هو الخيار الوحيد بالنسبة لي ولعائلتي، قد نعود مستقبلاً إذا تغيّرت الأمور نحو الأفضل، لكن هذا الأمر مستبعد في المدى المنظور". وتتابع: "أفتقد إخوتي وبيت العائلة الذي تربيت فيه، أفتقد الكثير من الصديقات لي والجيران، حيث كنت أعيش في المدينة، وستبقى العودة لتدمر حلماً بالنسبة لي".
السيطرة الفعلية على الأرض هي للمليشيات الإيرانية
من جهتها، تؤكد مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك "عمليات نهب ممنهجة للآثار من قبل المليشيات المسيطرة على تدمر، فيما تسببت أعمال الحفر بتخريب العديد من المعالم الأثرية". وخلال فترة سيطرة "داعش"، أقدم التنظيم على سحق مومياوات كانت محفوظة داخل آثار المدينة، التي نقل النظام معظمها إلى دمشق، قبل سيطرة التنظيم عليها. وكان الأخير وظّف عمّالاً للتنقيب عن الآثار، كما تفعل المليشيات في الوقت الحالي على مرأى من قوات النظام السوري.
ويعود تاريخ مدينة تدمر لأكثر من ألفي سنة، وهي مدرجة ضمن قائمة منظمة "اليونسكو" للتراث العالمي الإنساني، وتعرف بعروس البادية، كما تشتهر بآثارها ذات الأهمية التاريخية، والتي تعرضت لدمار كبير على يد عناصر "داعش" خلال فترتي سيطرة التنظيم على المدينة.