من يقف وراء تخريب سكك الحديد في فرنسا؟ أبرز الفرضيات المتداولة

30 يوليو 2024
في أثناء تمشيط أحد المواقع التي تعرّضت للتخريب، كورزاي (شمال فرنسا)، 26 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **التحقيقات والتكهنات:** لم تصدر السلطات الفرنسية اتهاماً رسمياً بشأن تخريب سكك الحديد، مما فتح باب التكهنات حول الجهة المسؤولة، مع فرضيات تشمل جهات أجنبية وجماعات متطرفة داخلية.

- **البيان المثير للجدل:** ظهر بيان من "وفد غير متوقع" يتبنى العملية بهدف زعزعة الألعاب الأولمبية، لكن لجنة التحقيق لم تأخذه بجدية، مع تحليلات تربطه بالتيار الفوضوي اليساري أو اليمين المتطرف.

- **الفرضيات الخارجية:** تظل الفرضيات المحلية غير كافية، مما يفتح المجال لاحتمال تورط جهات خارجية مثل روسيا أو إيران، لكن السلطات الفرنسية تتجنب التصريحات المؤثرة على الألعاب الأولمبية.

من يقف وراء تخريب سكك الحديد في فرنسا؟ سؤال لم يجد إجابة بعدُ على المستوى الرسمي في فرنسا، أو لم يتمّ التصريح بما وصلت إليه التحقيقات، وهو ما فتح باب التأويل حول الجهة التي يمكن أن تقف وراء عمليات التخريب التي تعرّضت لها سكك الحديد في فرنسا ليلة الخميس-الجمعة الماضية، قبيل ساعات من افتتاح الألعاب الأولمبية

وقد تكون الضجة التي صاحبت حفل الافتتاح، إضافة إلى تتالي الأحداث الرياضية ضمن المسابقة، ثمّ عودة حركة القطارات إلى نسقها الطبيعي بالتدريج، خلال الأيام الثلاثة الماضية، أسباباً في تراجع اهتمام الرأي العام في فرنسا بجسامة عملية تخريب السكك الحديدية، لكن ذلك لم يمنع من ظهور قراءات متعددة حول الحادثة ووضع فرضيات تأتي جميعها من خارج الإطار الرسمي، ضمن آراء ونقاشات في وسائل الإعلام أساساً، والتي تنقسم بين قول بأن تكون جهة أجنبية وراء ما حدث (ذُكرت روسيا وإيران)، ومرجّحين أن يكون الفاعل إحدى الجماعات المتطرفة في الداخل من أقصى اليمين أو من أقصى اليسار.

صمت رسمي عن موضوع سكك الحديد في فرنسا

لم يصدر إلى اليوم أي اتهام مباشر، سواء من المستوى السياسي أو من المسؤولين على الشركة الوطنية للسكك الحديدية SNCF، أو من لجنة التحقيق التي أُنشئت. لكن جميع هذه الأطراف تتفق على أن عمليات تخريب سكك الحديد في فرنسا لا يمكن إرجاعها إلى عمل تخريبي عفوي، فقد كانت مُنسقة وموجّهة لتعطيل فرنسا في موعد حساس، وهو ما أكّده تقرير إخباري لقناة TF1 مساء السبت، حين أظهر تقنيون في SNCF أن قطع الكوابل حصل بطريقة دقيقة، حيث كان المنفذون يعرفون الكابل المسؤول عن تحويل السكة من بين حزمة يمر منها قرابة خمسين كابلاً. 

وأكّد مصدر من جهة التحقيق لجريدة لوفيغارو اليومية أن كل القرائن تشير إلى أن العملية كانت معدة جيّداً، واتسمت بمعرفة دقيقة بالمواقع، من ناحية التجهيزات المسؤولة عن تأمين سير طبيعي للقطارات، أو من جهة المعرفة بمواطن ضعف تأمينها من الاختراقات، إضافة إلى مسألة التوقيت حيث نُفذت الأربع عمليات الكبرى في فترة زمنية قصيرة في مناطق متباعدة، لكنها جميعاً حساسة ومرتبطة بالعقدة المركزية لشبكة سكك الحديد في العاصمة باريس.

وعلى وجه آخر من المسألة، تشير التسريبات الأولى من التحقيقات إلى أن عملية التخريب لا ترتقي إلى مستوى العمل الإرهابي، حيث إن موعد تنفيذها قد اختير بحيث لا تنتج منه صدامات بين القطارات، أي لم يكن مزمعاً منها تسجيل خسائر بشرية. وهذه النقطة تؤكد أيضاً دقة العملية وقدرات التخطيط والتنفيذ لمن أقدم عليها.

أقصى اليسار أم أقصى اليمين؟

بسبب هذه المعطيات، لم يؤخذ على محمل الجد بيان مُوقّعٌ باسم "وفد غير متوقع"، يتبنى فيه أصحابه العملية. أُرسل البيان إلى عدة منابر صحافية بعد يوم من حوادث التخريب، ويشير إلى أن الهدف من ضرب شبكة سكك الحديد في فرنسا زعزعة الاحتفال المبالغ فيه بالألعاب الأولمبية، التي تمثّل بالنسبة إلى أصحاب البيان "مناسبة لتنفيذ تجارب في التسيير البوليسي للحشود والضبط المعمّم لحركة البشر". وأشار البيان أيضاً إلى خروقات كثيرة للشرطة الفرنسية من قتل أبرياء في ضواحي المدن، إلى قمع المطالبين بالاستقلال في كاليدونيا الجديدة، واعتبروا أن البنية التحتية التي تجسّدها سكك الحديد ذات صلة بسياسات الإخضاع. 

بحسب تحليل الصحافي المتخصص في الشؤون الأمنية، غيوم فارد، في أثناء تدخّل في إحدى نشرات قناة بي أف أم الإخبارية، فإن البيان يُظهر ارتباطاً بالتيار الفوضوي (تيار احتجاجي سياسي راديكالي يعود إلى القرن التاسع عشر) المحسوب على أقصى اليسار. لكن هذا الربط لا تتبناه لجنة التحقيق التي صرّح أحد المقربين منها لصحيفة ليبيراسيون بأن البيان لا يمكن أن يُنهي التحقيق بتحديد أن الفاعل هو من أرسله، مشيراً إلى خلوّ البيان من معلومات دقيقة عن وقائع العملية، وهو ما يجعل من الوارد قراءته بوصفه تبنّياً لمدلول العملية وليست لتنفيذها.

وقد وقع ترجيح هذا الرأي في معظم وسائل الإعلام الفرنسية، باعتبار أن الحادث يقدّم إلى عدّة أطراف غير معروفة فرصة للظهور وتمرير مطالب وأفكار على مستوى جماهيري، كذلك إن حجم العملية ودقّتها يجعلان من الصعب تصديق أنها تأتي من مجموعة محتجين ليس أكثر. 

في مقابل الأطروحات التي تربط اليسار المتطرف بالعملية، تظهر مقاربات على الجهة المعاكسة ترجّح أن يكون أقصى اليمين وراء تخريب سكك الحديد في فرنسا، وهو ما ذهبت إليه الصحافية والناشرة ناتاليا تورين، خلال حضورها أمسية الأحد في برنامج حواري على قناة LCI، معتبرة أن تنظيم الألعاب الأولمبية يأتي على غير هوى التيارات الشوفينية، وأن التخريب يندرج ضمن الوسائل المطروحة لفرض التغيير عند الحركات الفاشية، ملمّحة بذلك إلى أن تكون العملية تعبيراً عن عدم الرضا عن النتائج النهائية من الانتخابات التشريعية الأخيرة بعد تقدّم اليمين في الدور الأول.

أطراف خارجية 

تبقى فرضيّتا وقوف اليسار المتطرّف أو اليمين المتطرف وراء تخريب سكك الحديد في فرنسا عند حدود المشهد المحلّي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن معظم التقديرات تؤكّد أنه لا توجد اليوم في فرنسا تنظيمات ذات قدرة على تنفيذ عمليات بهذا الحجم، وهو ما يفتح المجال لفرضيات أخرى تأخذ بالحسبان العلاقات الدولية المتوترة لفرنسا مع أطراف خارجية.

وبشكل واضح، يمكن اعتبار فرضية أن يكون مصدر الاعتداء من روسيا هو الأكثر مقبولية في وسائل الإعلام، وهو الرأي الذي طرحه العسكري السابق اكزافييه تيتلمان مع حضوره في برامج تلفزيونية، حيث يشير إلى أن وقائع العملية تشير إلى عدم إمكان تنفيذها دون توافر معلومات استخباراتية تسهّل مهمة المنفّذين داخل فرنسا. وأشار تيتلمان إلى أنّ من بين الأطراف الأجنبية المفترضة لتنفيذ عملية كهذه، روسيا، التي تملك ثقافة زعزعة أمن التظاهرات التي تنظمها البلدان غير المتوافقة معها، ضمن استراتيجية إحراج الخصوم منذ الحرب الباردة. علماً أن فرضية قيام روسيا بممارسات تفسد تنظيم الألعاب الأولمبية كانت متداولة قبل بدء المسابقة الرياضية، خصوصاً أنها مُقصاة من المشاركة في إطار سلسلة العقوبات التي تفرضها أوروبا والولايات المتحدة وعدة منظمات دولية، ومنها اللجنة الأولمبية، على موسكو.

وفي إطار إرجاع التخريب إلى طرف خارجي، تُطرح كذلك فرضية أن تكون إيران وراء العملية، لكنها أطروحة تظهر بشكل محتشم عند المتحدثين عن الفرضيات، حيث تعدّ إيران من بين الدول التي يمكن أن يكون لها مصلحة في إفساد المحفل الرياضي الذي تنظمه فرنسا، دون الدخول في تفسير للترتيبات الممكنة أو سيناريو التنفيذ كما هو الحال مع روسيا، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها أن ذكر إيران يأتي ضمن رد فعل معروف في الإعلام الفرنسي بنسب العمليات الإرهابية والتخريبية بشكل أولي إلى أطراف تحسب على تيارات الإسلام المتطرف.

وعلى عكس روسيا، فإن إيران تشارك في الألعاب الأولمبية وقد يكون اتهامها بشكل موسّع في وسائل الإعلام الفرنسية سبباً في توتر يحاول المنظّمون تجنيب الألعاب الأولمبية تبعاته. لكن ما تحاشاه الفرنسيون، أقدم عليه طرف آخر. فقد اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتز، في بيان يوم 26 يوليو/ تموز الجاري، أن العمليات ضد سكك الحديد الفرنسية كانت بإيعاز من إيران والإسلام المتطرف. يأتي ذلك ضمن سياق الحرب الإسرائيلية على غزة، وكون إيران أحد الأطراف المتداخلة فيها، وهو سياق يبدو جلياً أن الجهات الرسمية الفرنسية تأخذه بالاعتبار، لكنها تتصرف وفق خطة بالنأي بدورة الألعاب الأولمبية الحالية عن كل ما يمكنه زعزعتها.
 

المساهمون