منظمات دولية: الإعفاءات التعسفية ضربة لاستقلالية القضاء في تونس

10 يونيو 2022
سعيّد عزل 57 قاضياً على وجه السرعة(الشاذلي بن ابراهيم/Getty)
+ الخط -

أكدت 10 منظمات لحقوق الإنسان، في بيان صحافي مشترك، اليوم الجمعة، أنَّ الرئيس التونسي قيس سعيّد وجّه ضربة موجعة لاستقلالية القضاء في 1 يونيو/حزيران 2022، بعدما منح نفسه بمرسوم، سلطة مطلقة لإعفاء القضاة بإجراءات عشوائية، وعزل 57 قاضياً على وجه السرعة.

واعتبرت المنظمات الحقوقية أن "تحركات الرئيس الأخيرة تشكل اعتداءً على دولة القانون"، مشددة على ضرورة أن "يلغي المرسوم فوراً ويعيد القضاة الذين أعفاهم بموجب أحكامه".

والمنظمات الحقوقية الموقّعة على البيان المشترك هي: الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، الأورو-متوسطية للحقوق، لجنة الحقوقيين الدولية، محامون بلا حدود، المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، منظمة العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، مراسلون بلا حدود، إنترناشونال ألرت، مساعدو الأمان الرقمي Access Now.

من جهتها، قالت مديرة مكتب "هيومن رايتس ووتش" في تونس، سلسبيل شلالي: "بهذا المرسوم، ألغى الرئيس سعيّد أي استقلالية كانت السلطة القضائية في تونس لا تزال قادرة على ممارستها. يجب أن يخضع القضاة لإجراءات تأديبية عادلة، ونزيهة، وقابلة للاستئناف، وليس للعزل على هوى السلطة التنفيذية".

وأكدت أن "استقلالية القضاء عنصر حاسم في الحق في محاكمة عادلة. يقع على عاتق الدول التزام باتخاذ تدابير محددة لضمان استقلالية القضاء وحماية القضاة من أي شكل من أشكال التأثير السياسي".

ويمنح المرسوم عدد 35 لسنة 2022 الرئيس في تونس سلطة إعفاء القضاة والوكلاء العامين على هواه، استناداً إلى تقارير من "جهات مخوّلة" غير محددة تفيد بأنهم يشكلون تهديداً "للأمن العام" أو "المصالح العليا للبلاد"، وكذلك بالنسبة لأفعال "تمس بسمعة القضاء أو استقلاليته أو حسن سيره". بالإضافة إلى ذلك، فقد جعل رئيس الجمهورية قراراته بإعفاء القضاة محصنةً من أي شكل من أشكال الطعن الفوري.

كما ينص المرسوم ذاته على بدء الملاحقة الجنائية تلقائياً ضد القضاة المعفيين بموجب أحكامه. فيما لا يجوز للقضاة الطعن في إعفائهم، إلا بعد أن تصدر المحاكم حكماً قاطعاً في قضاياهم الجنائية.

ويؤدي تحريك الدعاوى الجنائية تلقائياً ضد القضاة على هذه الأسس إلى خلط الأمور الإدارية والجنائية. وبذلك، يخرج المرسوم تعسفياً عن الإجراءات الجزائية التونسية، وينتهك مبدأ المساواة أمام القانون وفي الحصول على حمايته.

كذلك، لا يمتثل المرسوم لمبدأ الشرعية، وهو مبدأ عام أساسي للقانون والقانون الدولي لحقوق الإنسان. ويرجع ذلك إلى أن الأسس المُرتَكَز عليها لإخضاع قاضٍ للملاحقة الجنائية يتم تحديدها بعبارات عامة غامضة، مما يجعل من المستحيل على القضاة تمييز السلوك الذي قد يُصنّف كجريمة جنائية ويسمح للسلطة التنفيذية باتخاذ إجراءات تعسفية.

وفي خطاب مسجل في 1 يونيو/حزيران، أعلن الرئيس سعيّد عن الإعفاءات، مستشهداً باتهامات تشمل عرقلة التحقيقات المتعلقة بالإرهاب، والفساد المالي، و"الفساد الأخلاقي"، والزنا، والمشاركة في "جلسات خمرية". ونُشرت أسماء القضاة الـ57 المعفيين في الجريدة الرسمية.

ويعد المرسوم أحدث خطوة للرئيس سعيّد لتركيز السلطات في يديه. فمنذ 25 يوليو/تموز 2021، علّق معظم مواد الدستور التونسي وحل البرلمان ومنح نفسه سلطة الحكم بموجب مراسيم. كما فكك عدداً من المؤسسات الوطنية، بما في ذلك لجنة الانتخابات المستقلة و"المجلس الأعلى للقضاء"، اللذان أُنشئا للحماية من تجاوزات السلطة، ما اعتبره معارضوه "انقلاباً دستورياً".

وحول الوضع في تونس، قال مدير الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، رامي الصالحي: "منذ يوليو الماضي، أزال الرئيس سعيّد جميع الضوابط المؤسسية تقريباً على سلطته. وبإقرار مرسومه الجديد، يقضي على ما تبقى من استقلالية القضاء ويُحكِم قبضته الاستبدادية على البلاد".

في 12 فبراير/ شباط 2022، اعتمد سعيّد المرسوم عدد 11 لسنة 2022، الذي حل بموجبه المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة مكونة من قضاة وخبراء قانونيين وماليين وخبراء ضرائب ومحاسبين ينتخبهم في الغالب أقرانهم، وقد تأسّس بعد ثورة 2011 في تونس للإشراف على القضاء وحمايته من تدخل السلطة التنفيذية. واستبدل سعيّد المجلس بهيئة مؤقتة عيّنها الرئيس جزئياً، ومنح نفسه صلاحيات بموجب المرسوم نفسه للتدخل في التعيينات والمسارات الوظيفية وإقالة القضاة والوكلاء العامين.

في حين أن المرسوم عدد 11 لسنة 2022 سمح للرئيس بالفعل بطلب إعفاء القضاة لأسباب غامضة، إلا أنه لم يسمح للرئيس بفعل ذلك بإجراءات موجزة. وقالت المنظمات الموقعة إن توسيع صلاحيات الرئيس لتشمل إعفاء القضاة بإجراءات تعسفية هو هجوم مباشر على سيادة القانون. وأضافت أنه ينبغي إلغاء كلا المرسومين وإعادة صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء.

وشنَّ الرئيس سعيّد، على مدى الأشهر الماضية، هجمات خطابية متكررة على القضاء، الذي اتهمه بالفساد والتحيز والإخفاق في الرد بسرعة على مزاعم الفساد والإرهاب.

وقال مدير "برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع للجنة الحقوقيين الدولية"، سعيّد بن عربية: "من خلال الإعفاءات التعسفية هذه، يبعث الرئيس برسالة مذعرة إلى نفس القضاة الذين ينبغي أن يحافظوا على سيادة القانون وحقوق الإنسان ويضبطوا انتهاكاته للسلطة".

ويسعى الرئيس سعيّد إلى استبدال الدستور التونسي الذي تبناه المجلس الوطني التأسيسي في 2014. وفي 25 مايو/أيار 2022، أصدر مرسوماً بإجراء استفتاء على دستور جديد في 25 يوليو/تموز.

وبموجب مجموعة مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، "يُنظر في التهمة الموجهة أو الشكوى المرفوعة ضد قاضٍ بصفته القضائية والمهنية، وذلك على نحو مستعجل وبموجب إجراءات ملائمة. وللقاضي الحق في الحصول على محاكمة عادلة. ويكون فحص الموضوع في مرحلته الأولى سريًا، ما لم يطلب القاضي خلاف ذلك".

كما تنص المبادئ الأساسية على أن "تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية".

وأكدت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي هيئة من الخبراء الذين يقدمون التفسير النهائي للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في توضيحها لالتزام الدولة بضمان الحق في محاكمة عادلة (التعليق العام 32): "لا يجوز فصل القضاة من الخدمة إلا لأسباب خطيرة تتعلق بسوء السلوك أو عدم الكفاءة، ويكون ذلك وفقاً لإجراءات عادلة تكفل الموضوعية والحياد بموجب الدستور أو القانون. قيام السلطة التنفيذية بإعفاء القضاة، على سبيل المثال، قبل انقضاء مدة الولاية المحددة لهم، أو من دون إبداء أسباب محددة أو حصولهم على حماية قضائية فعالة تمكنهم من الاعتراض على إعفائهم، يتعارض مع استقلالية القضاء".

استناداً إلى المبادئ والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في محاكمة عادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا، التي اعتمدتها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في 2005: "يحق لموظفي القضاء الذين يواجهون إجراءات تأديبية أو تعليق مهام أو طرداً أن يحصلوا على ضمانات المحاكمة العادلة بما في ذلك الحق في اختيار ممثل قانوني، وفي مراجعة مستقلة للقرارات المتعلقة بالتأديب أو تعليق المهام أو الطرد".

وختمت نائبة مديرة المكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "منظمة العفو الدولية"، آمنة القلالي: "بمرسوم تلو الآخر، يشدد الرئيس التونسي الرقابة التنفيذية على الشؤون القضائية، ومع كل مرسوم جديد يُحكم الخناق على استقلالية القضاء".

المساهمون