منتدى شرق المتوسط: إشارات إيجابية لتركيا وطلب دعم أميركي

15 فبراير 2021
يضمّ المنتدى مصر واليونان وقبرص ودولة الاحتلال والأردن وفلسطين وإيطاليا (فرانس برس)
+ الخط -

لم تدعم الولايات المتحدة ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان

تسعى دول المنتدى لإجبار الولايات المتحدة على تقديم دعم لامحدود

مصر تسعى لرسم وجه مغاير لسياستها في ليبيا

جاء إعلان مصر واليونان وقبرص، يوم الجمعة الماضي، عن دخول الميثاق التأسيسي لمنتدى غاز شرق المتوسط حيّز التطبيق في مارس/آذار المقبل، وفتح ساحته لكل الدول "التي تتشارك القيم والأهداف ذاتها وتتوافر لها الرغبة في التعاون من أجل أمن المنطقة ككل ورخاء شعوبها"، ليجدد التكهنات حول ما ترمي إليه الدول الثلاث من وراء هذه الدعوة. مع العلم أن مصر تسعى لرسم وجه مغاير لسياستها في ليبيا تحديداً، في مواجهة النفوذ التركي المتصاعد بعد الاتفاق على تشكيل الحكومة الانتقالية. وكذلك في ظل وجود الإدارة الأميركية الجديدة التي لم تلق بثقلها بعد في الاتصالات والعلاقات بين القوى المتصارعة في منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط، على الرغم من الإلحاح الذي تمارسه دوائر سياسية مؤيدة للاحتلال الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة، وإشارات مختلفة لأهمية هذا التدخل في وسائل الإعلام الإسرائيلية.

وهذه الدعوة لتوسيع المنتدى ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها دعوات أخرى أدت إلى ولادته رسمياً منذ عامين بمشاركة مصر واليونان وقبرص ودولة الاحتلال والأردن وفلسطين وإيطاليا، ثم انضمام فرنسا كمراقب وهي حالياً في طريقها لتصبح بعضوية كاملة من الشهر المقبل، والولايات المتحدة والإمارات كمراقبين. وتجري حالياً جهود لانضمام لبنان، تبدو رهن إنهاء ملف ترسيم الحدود البحرية مع الاحتلال الإسرائيلي.

ترغب دول المنتدى في ضمّ لبنان وسورية إليها قريباً

لكن الظرف والتوقيت يجعلان الدعوة مختلفة هذه المرة، ويضعانها في خانة إغراء تركيا بالدخول أو تعمّد إرسال إشارات متناقضة مربكة لأنقرة. وفي ظل تعثر تحسين العلاقات السياسية بين تركيا ومصر، بالبناء على العلاقات التجارية والاستثمارية المتطورة، لم يجد وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتس غضاضة في التصريح، أخيراً بأنه "كان يريد أن يرى تركيا عضواً في المنتدى" على الرغم من الحساسيات الدائمة بين البلدين في ملف الطاقة.

أما التصريح الأكثر لفتاً للانتباه والذي لم يتداوله الإعلام العربي والمصري، فصدر عن وزيرة الطاقة القبرصية ناتاسا بيليديس أمام لجنة الشؤون الخارجية في برلمان بلادها خلال إجراءات اعتماد ميثاق المنتدى كجزء من التشريع الداخلي القبرصي، إذ قالت إن "قبرص أيضاً تود أن ترى تركيا عضواً في المنتدى، لأنه مفتوح للجميع، لكن المشكلة في أن سلوك أنقرة الحالي يجعل انضمامها صعباً".

ويعكس صدور مثل هذا التصريح عن مسؤولة حكومية لدولة تتبادل الاتهامات مع تركيا بسرقة مكامن الطاقة وتتنازع معها حول الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية من دون أي أفق للحل حتى الآن، أن دول المنتدى باتت تدرك أن الدخول في معارك مفتوحة مع الأتراك حول الطاقة ومسارات توريدها إلى أوروبا، لن يجدي الكثير من النفع في المدى المنظور. ويعود السبب إلى عدم مضيّ الولايات المتحدة قدماً في تعهداتها السابقة للثلاثي الإسرائيلي اليوناني القبرصي، بتقديم دعم مطلق في مواجهة المشاريع التركية ورغبة روسيا في الدخول بثقلها في المنطقة.

وبالتوازي مع ذلك، تسعى مصر وقبرص واليونان إلى ضم لبنان وسورية سريعاً إلى المنتدى، على الرغم من الخلافات الأساسية مع دولة الاحتلال حول ترسيم الحدود، بهدف تحويل المنتدى إلى سوق الطاقة الأوحد في المنطقة. فعلى الرغم من إيداع الاتفاقيات لترسيم الحدود البحرية بين قبرص واليونان وكل من مصر وإسرائيل لدى الأمم المتحدة، وبدء عمل بعض الشركات الكبرى في إنتاج الغاز الطبيعي في المناطق المصرية والقبرصية وتلك التابعة لإسرائيل، فإن جميع الاتفاقيات تبدو هشة اقتصادياً وفاقدة لعوامل الاستقرار الجاذبة للاستمرار، أمام أي نزاع حربي أو سياسي محتمل. وهو الأمر الذي يجعل المصالح الاقتصادية المأمولة من المنتدى، مرهونة بنزاع أكبر بكثير بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وتركيا على مكامن الغاز الطبيعي في المنطقة، فجميع الدول المنخرطة في المنتدى ما زالت غير قادرة على مزاحمة روسيا وتركيا في سوق تصدير الغاز لأوروبا، إلا بدعم أميركي بالدرجة الأولى.

وتم تداول معلومات متباينة عن مدى نجاح تركيا في إيجاد كميات جيدة من الغاز قبالة سواحلها العام الماضي، بينما تتفاقم خشيتها من إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء، من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد وترشيد كلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية بين أعضاء المنتدى والشركات الأميركية والأوروبية الكبرى. وهو ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد التركي، مما يعني أن المخاوف متقابلة من الناحيتين.

وتحاول تركيا التصدي لطموحات دول المنتدى لتوسيع شبكة الأنابيب المقامة بين مصر ودولة الاحتلال، والمملوكة حالياً لشركة جديدة أسست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب. وتجمع الشركة الجديدة بين شركتي "نوبل إنيرجي" الأميركية و"ديليك" الإسرائيلية وشركة "غاز الشرق" التابعة لجهاز المخابرات العامة وهيئة البترول، وتعمل للاستفادة من مصنعي إسالة الغاز في مصر، وهو ما سيفيد دولة الاحتلال أيضاً.

ومفاد هذا الموقف المعقد، وفقاً لمصادر دبلوماسية مصرية واكبت الاتصالات الأولى لتشكيل المنتدى منذ عام 2018، أن أمام هذه الدول مسارين؛ الأول إجبار الولايات المتحدة على تقديم دعم لامحدود، وحاسم، استغلالاً لحالة عدم الارتياح التي تسيطر على الإدارة الأميركية الجديدة إزاء النظام التركي. أما المسار الثاني فيتمثل في مهادنة تركيا مؤقتاً بصورة مباشرة أو عبر وسطاء، وفي هذه الحالة ستكون دولة الاحتلال الأكثر قدرة على أداء هذا الدور.

وذكرت المصادر أنه على الرغم من دعم إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للتحركات المناوئة لتركيا على هذا الصعيد وانضمامها للمنتدى بصفة مراقب، إلا أنها ظلت على مسافة شبه متساوية من المخططات المصرية ـ الإماراتية ـ الفرنسية والتركية في ليبيا. كما لم تدعم الولايات المتحدة رسمياً خطوة ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، على الرغم من مطالبة السيسي بذلك، وعلى الرغم من دعم ترامب له في العديد من الملفات الأخرى. وهو ما وضعته المصادر في سياق "مخاوف إدارة ترامب" من ردات فعل تركية مضرة استراتيجياً للتواجد الأميركي في المنطقة.

وأشارت المصادر إلى أن إدراك كل من مصر وتركيا صعوبة الاستفادة من التعامل الاستقطابي مع ليبيا، تحت الضغوط الأوروبية والحسابات الأميركية والروسية، ينعكس على سوق الغاز بصعوبة فرض أجندة منفردة على المنطقة بما في ذلك خريطة التعاقدات مع شركات التنقيب الكبرى. وكانت مصر تسعى سابقاً إلى إدخال إدارة شرق ليبيا التابعة لها كعضو مراقب في المنتدى، رداً على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وحكومة الوفاق، لكن قبرص واليونان تحفظتا خشية من التصعيد العسكري الذي قد يتضرران منه أكثر من مصر وتركيا.

تسعى دول المنتدى لمهادنة تركيا في الفترة المقبلة

ولطالما ضغطت لوبيات صهيونية وأخرى ذات جذور يونانية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي لسرعة تمرير مشروع القانون المجمد في الكونغرس، باسم "قانون شراكة الطاقة والأمن في شرق المتوسط"، الذي يهدف لإنشاء مركز أميركي للطاقة في المنطقة، ووضع خطة متكاملة لتدشين تعاون استراتيجي مع اليونان وقبرص ودولة الاحتلال، للدفاع عن مصالحها المشتركة في مواجهة تركيا، وللتضييق على أنقرة في ما يتعلق باستكشاف حقول الغاز الطبيعي بحجة "معاقبتها على تعدد مصادر شراء السلاح الخاص بها، واستخدام الأسلحة الأميركية في ترويع وتهديد قبرص".

ويهدف المشروع الذي سبق ونشرت "العربي الجديد" تفاصيله كاملة في يوليو/تموز 2019 إلى "تقليم أظافر تركيا"، ويقوم على وقف بيع طائرات "أف 35" إلى تركيا إذا استمرت في شراء منظومة "إس 400" من روسيا، وتطبيق العقوبات المقررة في القانون الأميركي عليها، والعمل على إزالة الوجود التركي العسكري من منطقة قبرص التركية غير المعترف بها دولياً إلا من قبل تركيا. ويقدّر واضعو المشروع انتشار نحو 40 ألف جندي تركي في شمال قبرص بأسلحة، بعضها أميركي الصنع.

في المقابل ينص مشروع القانون على إنشاء مركز للطاقة لصالح الولايات المتحدة بالتعاون مع قبرص واليونان وإسرائيل، والتي يصفها المشروع بالدول الحليفة، وذلك بالتنسيق بين وزيري الخارجية والطاقة في الإدارة الأميركية، وبالتعاون بين جميع مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي. ويدعو إلى فتح باب الشراكة للمؤسسات والقطاع الخاص الناشط في مجال الطاقة البحرية، وتأسيس أو استغلال جامعة متخصصة في هندسة البترول بإحدى الدول الثلاث الحليفة، لتدشين تعاون علمي وبحثي في مجال تكنولوجيا الطاقة والغاز الطبيعي وهندسة التعدين وعلوم المياه والبرمجيات. ويتضمن مشروع القانون أيضاً تمويل رفع كفاءة البنية التحتية لقبرص واليونان في مجال التعدين وطاقة البحار، وتمويل برامج التعليم والتدريب العسكري الدولي لليونان وقبرص حتى عام 2022، وإتاحة الفرصة لمنح اليونان 3 مليارات دولار كمساعدة في تحسين وسائل الدفاع، ودعم شبكات إيصال الغاز بين الدول الثلاث، بإشراف الولايات المتحدة، بهدف تسهيل إيصال الغاز إلى وسط وغرب أوروبا.

المساهمون