منتدى آسبن وغياب الاستراتيجية في سياسة الإدارة الخارجية الأميركية

22 يوليو 2023
جرى في منتدى آسبن حوار شامل مع الوزير أنتوني بلينكن حول سياسة الإدارة الخارجية (Getty)
+ الخط -

جرى، أمس الجمعة، في منتدى آسبن في ولاية كولورادو الأميركية، حوار شامل مع الوزير أنتوني بلينكن حول سياسة الإدارة الخارجية. والمنتدى نوع من "دافوس" أميركي محلي، تتناول ندواته ومداولاته على مدى عدة أيام قضايا الأمن القومي والعلاقات الدولية، وطبعاً أهم القضايا الساخنة على المسرح الدولي في الوقت الراهن.

وقد اقتصرت حصة الشرق الأوسط في ندوة بلينكن على سؤالين حول علاقات الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومناشدته هذا الأخير "التروي" في التعديلات القضائية، والآخر حول إيران. وفي كليهما لا جديد في ردود الوزير حول موقف الإدارة الرمادي حولهما، مع غياب تام للقضية الفلسطينية وأزمة السودان وباقي مشكلات المنطقة.

وعادة ما يجرى التركيز في نقاشات هذا التجمّع السنوي على التحديات الآنية والمتوقعة والتوجهات المعتمدة إزاءها بإيجابياتها ونواقصها ولوازم تجديدها أو تغييرها. ويشارك فيها خليط واسع من الدبلوماسيين والعسكريين المتقاعدين وكبار المسؤولين السابقين والأكاديميين والباحثين ورجال المال والأعمال وصنّاع الرأي وممثلين عن المنظمات المعنية بالشؤون العامة وبعض أعضاء الكونغرس.

في هذا المجال، طُرح على الوزير سؤال أساسي حول "أهم ما أنجزته إدارة بايدن حتى الآن، وما تنوي تحقيقه إجمالاً، على الصعيد الخارجي"، يعني ما هي بوصلة رئاسة بايدن في السياسة الخارجية.

إجابته تناولت كل شيء إلا هذا الجانب، حيث اكتفى بذكر "المنجزات" ووسائل تحقيقها، وبالتحديد "إعادة الحيوية للتحالفات والشراكات الدولية"، خصوصا في التصدي لروسيا وحربها في أوكرانيا. واعترف، وإن بشكل غير مباشر، بعدم وجود سياسة محددة تجاه الصين، حيث قال إن الإدارة "تعمل من خلال التلاقي مع الآخرين" على صياغة المقاربة المناسبة للتعامل مع بكين. وما أكّد ذلك أن وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر دخل على خط تصحيح العلاقات بزيارته إلى الصين قبل 3 أيام واجتمع بالرئيس شي جين بينغ، الأمر الذي أزعج الإدارة ضمنا، رغم أنها كانت على علم مسبق بالزيارة.

وكانت الإدارة قد تحركت في الآونة الأخيرة من خلال زيارات بعض مسئوليها إلى بكين، وخاصة وزيرة المالية، لترطيب الأجواء والعمل على "استقرار" العلاقات بعد أشهر من التسخين الأميركي - الصيني.

الخلل في هذا الخصوص أن إدارة بايدن تتعامل مع القضايا بالقطعة وعلى طريقة التعلّم من التجربة والخطأ، والتي اكتوت بها أكثر من مرة، كما يقول المراقبون، في إيران والصين والسعودية بشكل خاص.

أفعال "متقلبة"

"أفعالها لا تتلاءم مع خطابها.. وغالباً متقلبة"، حسب مايكل أوهنلون، مدير قسم السياسة الخارجية في مؤسسة "بروكينز للدراسات والأبحاث" في واشنطن. والأمثلة كثيرة؛ وعدت "برفع العقوبات عن كوبا ولم تفعل، وبالانتصار لحقوق الإنسان في سياستها الخارجية، لكن عندما يتعلق هذا الموضوع بإسرائيل يتحول الأمر إلى حق هذه الأخيرة في الدفاع عن نفسها". ويرجع أوهنلون هذا التذبذب وغيره، مثل التراجع عن بعض السياسات الحمائية التي اعتمدها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سواء مع الأوروبيين أو الصين، إلى غياب الموجِّه والضابط في السياسة الخارجية التي تعمل بما يرضي بعض الأطراف من "الصقور تجاه الصين وفي مسألة توسيع الناتو.. إلى المعتدلين"، وفق مقتضيات الحسابات الداخلية.

والمعروف أن الإدارة وضعت، بعد مجيئها في بدايات 2021، استراتيجية مؤقتة للأمن القومي، شددت فيها على التحالفات والتعاون مع الشركاء. وبقيت كذلك. ثم إن العطب الآخر حسب أوهنلون يكمن في أن السياسات يصار عموما إلى صياغتها واعتمادها "من غير أن تأتي مصقولة بنقاشات عميقة وجدّية بين صنّاعها الذين لا يحملون وجهات نظر متباينة "تساعد على إنتاج سياسات متماسكة وقادرة على الصمود. بل إنها تأتي أحياناً "انعكاسا لمفاهيم بايدن وتمر من غير تدقيق كاف".

المطلوب، يقول أوهنلون، "المزيد من الاستراتيجية". وهذا هو المفقودة آثاره في السياسة الخارجية بعد مرور سنتين ونصف بالضبط على إدارة بايدن. كل رئيس تقريبا حدد وجهته بالتزام "مذهب" ما، داخلي أو خارجي. منهم من نجح في تنفيذه مثل الرئيس الأميركي السابق ليندون جونسون في تبنيه مشروع "المجتمع العظيم" بإقرار سلة الحقوق المدنية. ومنها ما فشل مثل مشروع بوش الابن لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. بايدن ما زال بلا "مذهب". وهذا نقص تسبب في التخبط أكثر من مرة بنظر المخططين الاستراتيجيين.

المساهمون