مناورات صينية في مضيق تايوان: أهداف بكين وخيارات تايبيه

09 ابريل 2023
كانت بكين قد أجرت تدريبات مماثلة بتطويق الجزيرة قبل ثمانية أشهر (فرانس برس، أسوشييتد برس)
+ الخط -

بدأت القوات الصينية أمس السبت مناورات عسكرية في محيط تايوان، من المقرر أن تستمر ثلاثة أيام. فيما قال الجيش الصيني في بيان، إنه سيختبر قدرات الوحدات للسيطرة على البحر والجو والمعلومات. 

ويأتي هذا الإعلان بعد توقف رئيسة تايوان تساي إنغ ون، في الولايات المتحدة خلال جولة خارجية، الأمر الذي أثار غضب بكين. 

وأظهرت مقاطع فيديو وصور نشرتها وسائل إعلام حكومية صينية، أن التدريبات تضمنت وحدة صاروخية بعيدة المدى تابعة لقيادة المسرح الشرقي، ومدمرات وفرقاطات وزوارق حربية، وطائرات مقاتلة، وقاذفات قنابل. وذكر تلفزيون الصين المركزي أن القوات تقوم بدوريات مكثفة حول الجزيرة لتطويقها، وأن التدريبات تضمنت هجمات قصيرة المدى وردعاً بعيد المدى، بالإضافة إلى تدريبات مضادة للصواريخ.

 وقال المتحدث باسم قيادة المسرح الشرقي، شي يي، إن التدريبات ستستمر حتى يوم الاثنين، لإرسال تحذير جاد ضد القوى الانفصالية لاستقلال تايوان وتواطؤها مع القوات الأجنبية لإثارة الاستفزازات.

من جهتها، قالت وزارة الدفاع التايوانية إنه رُصدَت 71 طلعة جوية من طائرات حربية تابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، اجتازت 45 منها خط الوسط -وهو خط فاصل غير رسمي في مضيق تايوان- ودخلت منطقة تحديد الدفاع الجوي جنوب غرب الجزيرة.

وأضافت أنه كُشف عن تسع سفن حربية، وأن قوات الجزيرة تراقب من كثب التحركات الصينية. وفي أعقاب إعلان الجيش الصيني بدء التدريبات، حذرت إدارة السلامة البحرية في مقاطعة فوجيان الجنوبية الشرقية، السفن المدنية من دخول المجرى المائي، وقالت إن التدريبات ستجرى بالذخيرة الحية قبالة سواحل المقاطعة بين الساعة 7 صباحاً و8 مساءً حتى يوم الاثنين المقبل. 

وكانت رئيسة تايوان تساي إنغ ون، قد أجرت جولة في أميركا اللاتينية استغرقت عشرة أيام، تضمنت توقفاً في نيويورك ولوس أنجليس، حيث التقت رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي، ومجموعة من 17 نائباً أميركياً من الحزبين الديمقراطي والجمهوري خلال محطتها الأخيرة في ولاية كاليفورنيا، قبل أن تعود يوم الجمعة إلى تايوان.

تطويق الجزيرة

في تعليقه على التطورات الأخيرة في مضيق تايوان، قال الخبير في الشؤون العسكرية ليو جيانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المناورات تأتي في سياق الرد الصيني المعتاد على أي تقارب بين تايبيه وواشنطن، وذكّر بأن بكين قامت بردة الفعل نفسها في شهر أغسطس/ آب الماضي حين زارت الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، تايوان، حيث أجرت بكين تدريبات عسكرية واسعة النطاق في ست مناطق مختلفة حول الجزيرة، لكنه لفت إلى أن التدريبات الحالية تجري في منطقة فوتشو، وبينغ تان، وهي تقع في مياه قريبة من جزر ماتسو التي تسيطر عليها تايوان، حيث تنشر تايبيه هناك قوات للحماية من هجوم محتمل من القوات الصينية. 

"ردة الفعل الصينية المبالغ فيها، جعلت القوات التايوانية تعتاد على مثل هذه المناورات التي أصبحت أشبه بالأعمال الروتينية التي يقوم بها الجيش الصيني في مضيق تايوان".

وأضاف أن القاسم المشترك بين المناورات التي جرت قبل ثمانية أشهر، والمناورات الحالية، أنها تهدف إلى تطويق الجزيرة، وفرض حصار عليها بحرياً وجوياً، لكنه استبعد أن تستمر التدريبات بعد موعد نهايتها يوم الاثنين، أو أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، وأرجع ذلك إلى تجنب قوات الدفاع التايوانية في الدخول بمواجهة مباشرة مع الجيش الصيني، لأنها تدرك أن تبعات ذلك قد تقود إلى حرب مفتوحة غير محسوبة العواقب، حسب قوله. 

وتابع قائلاً إن تكثيف المناورات في المنطقة يحمل رسالة عسكرية محددة بأن القوات الصينية قادرة على تطويق الجزيرة وعزلها عن محيطها الخارجي في أي لحظة، وبالتالي إن أي حراك باتجاه الانفصال عن البر الرئيسي قد يواجه بردّ حاسم وسريع لن يترك المجال للقوات المعادية الدخول على خط المواجهة.

"هناك شعور عام بأن الولايات المتحدة لن تدافع عن الجزيرة، بغض النظر عن استقبال تساي إنغ ون، في الأراضي الأميركية، وتبادل الزيارات بين مسؤولين من كلا البلدين".

هذا وكانت بكين قد فرضت يوم الجمعة عقوبات على منظمتين أميركيتين: معهد هدسون، ومكتبة رونالد ريغان الرئاسية، بالإضافة إلى عقوبات أخرى استهدفت كبار المسؤولين التنفيذيين الذين استضافوا تساي إنغ ون، خلال إقامتها في الولايات المتحدة، وفرضت أيضاً عقوبات على خسياو بي خيم، ممثلة تايوان لدى واشنطن، بسبب اعتمادها على الولايات المتحدة لتعزيز استقلال تايوان، حسب ما ذكرت وسائل إعلام رسمية صينية.

خيارات تايوان

في رده على سؤال لـ"العربي الجديد"، عن خيارات تايوان إزاء التصعيد الصيني، قال الباحث في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث (مقره هونغ كونغ)، تشو يونغ، إن ردة الفعل الصينية المبالغ فيها، جعلت القوات التايوانية تعتاد مثل هذه المناورات التي أصبحت أشبه بالأعمال الروتينية التي يقوم بها الجيش الصيني في مضيق تايوان، لكنه لفت إلى أن ذلك لا يدفع إلى التراخي، بل يرفع من حالة الخوف والتأهب لأي هجوم محتمل، لأن هناك خشية من أن يكون تكرار إجراء المناورات في محيط الجزيرة يندرج ضمن خطة استراتيجية تهدف إلى توجيه ضربة مباغتة تتمكن فيها بكين من استعادة تايبيه. 

وبحسب تشو يونغ، هناك أيضاً شعور عام بأن الولايات المتحدة لن تدافع عن الجزيرة، بغضّ النظر عن استقبال تساي إنغ ون، في الأراضي الأميركية، وتبادل الزيارات بين مسؤولين من كلا البلدين، غير أن ذلك لا يمثل أي ضمانة أمنية، فضلاً عن أن واشنطن خذلت حلفاءها في أفغانستان والعراق، وبالتالي تدرك تايبيه أن الظرف الدولي والمعطيات الراهنة لا تخدم المصالح التايوانية، ولا تصب في خانة المعسكر الساعي للاستقلال عن الصين.

وكانت واشنطن قد حذرت بكين مراراً من استخدام عبور تساي إنغ ون، واجتماعاتها مع مشرعين أميركيين كذريعة للمبالغة في رد الفعل، ودعتها إلى ضبط النفس، مؤكدة أن الولايات المتحدة مستعدة للوفاء بالتزاماتها الأمنية في آسيا. غير أن الصين وصفت محطات توقف تساي السابقة في الولايات المتحدة بأنها "أخطاء" وحذرت من أن جيشها الشعبي لن يقف مكتوف الأيدي إزاء أي محاولة لفصل تايوان عن أراضيها.