يخشى قادة مليشيات مسلحة مرتبطة بإيران في العراق، من قرارات جديدة أو عمليات عسكرية من قبل الولايات المتحدة تستهدفهم، قبيل مغادرة الرئيس الأميركي الخاسر في الانتخابات، دونالد ترامب، البيت الأبيض. وارتفعت تلك المخاوف عقب الإعلان عن إقالة وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، من دون إيضاح الأسباب، وتعيين مدير المركز الوطني لمحاربة الإرهاب كريستوفر ميلر، قائماً بأعمال وزير الدفاع.
وتحدّث مصدر مقرب من "الحشد الشعبي" لـ"العربي الجديد"، عن أنّ مليشيات عدة أجرت تنقلات واسعة في مقراتها في بابل وصلاح الدين وجنوب بغداد وغرب الأنبار وديالى. ولفت إلى أنّ قادة فصائل يتوقعون بأنّ ترامب قد ينفّذ عملية عسكرية في العراق تستهدف مقرات الفصائل التي شاركت باستهداف القوات الأميركية وسفارة واشنطن ببغداد خلال الأشهر الماضية، أو استهداف قادة فصائل ترتبط بشكل مباشر بطهران، في تكرار لسيناريو المطار"، في إشارة إلى عملية قتل قائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس بغارة قرب مطار بغداد مطلع العام الحالي.
قسم من قيادات المليشيات غيّرت مقراتها وأخرى غادرت العراق إلى إيران
وأوضح المصدر أنّ كلا من زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، وزعيم حركة "النجباء" أكرم الكعبي، وزعيم حركة "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي، وزعيم "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، وزعيم "كتائب الإمام علي" شبل الزيدي، وزعيم "جيش المؤمل" سعد سوار، وآخرين من زعماء الفصائل المرتبطة بإيران، يعتبرون أبرز المهددين بمثل تلك الهجمات، خصوصاً بعد إدراجهم في لائحة العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية عامي 2018 و2019.
وبحسب المصدر ذاته، فإنّ قسماً من قيادات تلك المليشيات غيّر مقرات تواجده في بغداد، وقسماً آخر غادر العراق إلى إيران، كما تم إخلاء مكاتب عدة جنوبي بغداد وشمال بابل تتبع تلك المليشيات، واعتماد مقرات بديلة.
ومما يؤكد المخاوف لدى الفصائل، تحذير المتحدث باسم مليشيا "كتائب حزب الله"، محمد محي الدين، من "قيام ترامب بعمليات تطيح الهدنة القائمة بين الفصائل المسلحة والقوات الأميركية في العراق، خلال الفترة المتبقية من رئاسته"، معتبراً في تصريحٍ صحافي له أخيراً أنّ "فترة ترامب هي فترة تهديم وفترة سلبية سببت مشاكل وأزمات، والفرصة سانحة أمام الإدارة الجديدة للولايات المتحدة لإصلاح ما خربه ترامب مع دول العالم". وأضاف: "بالنسبة لنا كعراقيين، أهم هدف نريد التوصل إليه، هو خروج القوات الأميركية من العراق وأن تلتزم (واشنطن) بالأطر الدبلوماسية السليمة في التعامل مع العراق كدولة".
من جهته، زاد المتحدث باسم جماعة "أنصار الله الأوفياء" عادل الكرعاوي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، من احتمالية توجيه ترامب ضربة عسكرية تستهدف "فصائل المقاومة الإسلامية". وقال إنّ "سيناريوهات الاعتداء موجودة لدى ترامب، وتأكد هذا الأمر بعد استبداله وزير الدفاع، فهذا القرار لم يتخذه اعتباطاً، بل إنّ لديه أفكارا عدائية يريد تنفيذها بعد خسارته في انتخابات الرئاسة". ورأى الكرعاوي أنّ ترامب "يسعى حالياً إلى إثارة أي ملف، أو أن يخلّف تركة ثقيلة لـ(الرئيس المنتخب جو) بايدن من خلال توريطه مع فصائل المقاومة، ونتوقع منه أن يقوم بأعمال عدائية في اللحظات الأخيرة من عمر ولايته الحالية، ولكننا مستعدون في الوقت نفسه لأي طارئ".
من جانبه، حمّل عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، بدر الزيادي، حكومة مصطفى الكاظمي مسؤولية "أي خرق خارجي للسيادة الوطنية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحكومة ستكون عرضة للاستجواب في حال وقع اعتداء ضدّ أي جهة عراقية وداخل الأراضي العراقية". وأكد أنه "لن يتم السماح بتكرار حادثة المطار بأي شكلٍ من الأشكال".
وبالتزامن مع هذه المخاوف، تنشط كتل سياسية ومسؤولون عراقيون في حراكٍ يهدف لإخراج المليشيات المسلحة من مراكز مدن شمال وغرب البلاد، ولا سيما بعد سلسلة الجرائم التي ارتكبت في المناطق المحررة من تنظيم "داعش"، وتتهم المليشيات بالوقوف خلفها. كما أنّ سياسيين عراقيين يتخوفون من استهداف مخازن الأسلحة والمقرات التابعة للفصائل المسلحة المنتشرة في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وكركوك وحزام بغداد وشمال بابل، بواسطة غارات أميركية.
تحركات قادة المليشيات قد تكون متعمدة في مسعى لإبقاء التوتر
في السياق، اعتبر الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، أحمد النعيمي، أنّ "عملية أميركية من هذا القبيل غير مستبعدة، لكن مثل تلك التحركات لقادة المليشيات قد تكون متعمدة أيضاً في مسعى منها لإبقاء التوتر في المشهد الأمني العراقي".
وأضاف النعيمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يتجه لخلط الأوراق في المنطقة ككل قبيل إقراره بالهزيمة ومغادرة البيت الأبيض، نكاية بالإدارة الجديدة تحديداً. لكن عملياً، استمرار تصعيد المليشيات من لهجتها ضدّ القوات الأميركية، ومحاولة خلق حالة إيهام بكونها مستهدفة من واشنطن والاحتلال الإسرائيلي، هي إحدى أدواتها لمواصلة انتهاكاتها وتكميم أفواه المعارضين وقمعهم، وأيضاً تبرير تحديها للقانون والنظام العراقي ككل". ورأى النعيمي أنّ "الأجواء العراقية مرصودة من قبل الأميركيين، لذا لن يكون للتحركات الحالية لقادة المليشيات أي تأثير في إطار حمايتها، في حال قررت واشنطن فعلاً توجيه ضربة لأي من قادة تلك الفصائل أو مقراتها".