أرسل الرئيس التونسي قيس سعيّد، الأسبوع الماضي، وزير خارجيته نبيل عمار إلى الجزائر حاملاً رسالة شخصية إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وعند عودة عمار إلى تونس، التقاه سعيّد، الجمعة، لبحث نتائج الزيارة. لم تُكشف تفاصيل هذه الزيارة والرسالة، لا من تونس ولا من الجزائر، ولكن بيان الرئاسة التونسية أشار إلى أن سعيّد "أكد، مجدداً، العلاقات التاريخية بين تونس والجزائر، وعلى الحرص المتبادل على مزيد من تطويرها، لأن تاريخنا واحد وحاضرنا واحد ومستقبلنا لا يمكن أن يكون إلا واحداً ومشتركاً".
تكشف هذه الكلمات القليلة أن هناك خلافاً ما بين الجارتين، أو سوء تفاهم، ويبدو أنه طال نسبياً، وكان مراقبون كثيرون قد أشاروا إلى أن غياب التنسيق الواضح بين البلدين منذ أشهر في ملف الهجرة يؤكد وجود خلاف بينهما. وتواترت اللقاءات التونسية الليبية في هذا الشأن، بينما لم يحصل ذلك مع الجزائريين، على الرغم من أن أغلب المهاجرين الوافدين من تونس يدخلون من الحدود مع الجزائر.
طبعاً لن يدوم هذا الخلاف طويلاً، فلا الجزائر تملك هذا الترف بأن تغضب من الجارتين، غرباً وشرقاً، تونس والمغرب، في الوقت نفسه، ولا تستطيع تونس وحكومة سعيّد بدورها أن تجازف بهذا النصير الثابت، الذي ألقت بكل بيضها في سلته، خصوصاً بعدما خرجت عن حيادها التاريخي في ملف الصحراء.
ولكن ملف الهجرة موضوع شاق وصعب على سعيّد، وقد خسر فيه كثيراً، داخلياً ودولياً، ويريد أن يعالجه بأقرب وقت ممكن للحد من أضراره الكثيرة، وهو لم يتمكن من ذلك، على الرغم من كل الجهد الذي بذله مع الإيطاليين.
وتؤكد الأرقام الإيطالية والتونسية أن عدد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا بعشرات الآلاف، عائلات بأكملها، شباب ونساء وأطفال، والذين تم منعهم من ذلك في السواحل التونسية كذلك، والغرقى والمفقودين بالمئات، وأن الأمر لم يتغير كثيراً على الرغم من مراقبة السواحل المكثفة وكل الوعود بتطويرها، لوجستياً ومادياً.
داخلياً، لم يتوقف وصول المهاجرين إلى تونس من الحدود الجزائرية، وإلى صفاقس تحديداً، التي أصبحت ميناء الانطلاق نحو سواحل لامبيدوزا بامتياز، بينما المدينة، بل والمحافظة كلها، تنوء بهذا الحمل الثقيل، الاجتماعي والاقتصادي، والإنساني بالخصوص.
سيتعيّن على تونس والجزائر الجلوس إلى الطاولة والتحدث بصراحة الشقيقتين حول هذا الملف المزعج لكليهما، وبحث حلول مشتركة مع الجارة الثالثة، ليبيا. وكان من الأجدى لو تم هذا قبل اجتماع روما الدولي حول هذا الملف، ولكن الخلافات منعت ذلك للأسف، ولكن الوقت لن يرحم، لا تونس ولا الجزائر ولا ليبيا. للأسف، هذه صورة عربية حزينة أخرى، وإذا ما أضفنا إليها الجار المغربي المُقصى، فإنها تصبح مأساة لن يسامحنا عليها التاريخ.