ملف الرئاسة اللبنانية معلّق بانتظار نضوج التسوية

16 ابريل 2023
قصر بعبدا الرئاسي، نوفمبر الماضي (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

يستعد البرلمان اللبناني لعقد جلسة تشريعية، بعد غد الثلاثاء، لإقرار التمديد الثاني للمجالس البلدية والاختيارية، بعدما كانت مقررة في العام الماضي بالأساس بالتزامن مع الانتخابات النيابية، فجرى تأجيلها إلى العام الحالي لتسهيل الاستحقاق النيابي.

وتأتي خطوة البرلمان بعد أن أقفل أبوابه في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، جراء الفشل في انتخاب رئيس جديد للبلاد في الجلسة الـ11 التي كانت مخصصة لذلك. مع العلم أن منصب رئاسة الجمهورية شاغر منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون.

وفي وقتٍ يظهر المشهد أن تسوية تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية عقدت بين القوى السياسية بعدما انقلب "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل على تمسّكه بمبدأ عدم عقد جلسة تشريعية إلا لانتخاب رئيسٍ، متوجهاً الثلاثاء، تبعاً للتوقعات، لتأمين النصاب والميثاقية المسيحية، لا تزال "الطبخة الرئاسية" لم تنضج بعد، بانتظار كلمة الفصل الإقليمية والدولية.

المشهد منذ 19 يناير لم يتغيّر حتى اللحظة في ظلّ تمسك رئيس البرلمان نبيه بري بعدم الدعوة لانتخاب رئيس قبل حصول توافق سياسي على مرشح رئاسي، بينما يعد الخرق الأبرز، خلال هذه الفترة، بإعلان "حزب الله" و"حركة أمل" (يرأسها بري) رسمياً دعم رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، الحليف الأبرز لرئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي لا يزال يتريث في إعلان ترشيحه، على الرغم من استعدادات أجراها لعقد مؤتمر صحافي في وقتٍ سابق بهذا الصدد.


دبلوماسي فرنسي: باريس لا تدعم حزب الله، ولكنها تعتبره فريقاً لبنانياً ولا يمكن استبعاده

ولا يزال النائب ميشال معوض مرشح الأحزاب المعارضة، المنفتِحة على خياراتٍ أخرى ضمن المواصفات الإصلاحية نفسها وفق تعبيرها، والتي انتقلت إليها كرة التهديد بتعطيل نصاب الجلسات، لقطع الطريق أمام وصول مرشح "الممانعة" تبعاً لقولها، مع الإشارة إلى أن خرقاً ساد صفوفها، قاده رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط بحَراكه السياسي على خطِّ بري، محاولاً التسويق لأسماء رئاسية وصفها بـ"المستقلة وغير المستفزة والتوافقية"، أبرزها قائد الجيش العماد جوزيف عون، والوزير السابق جهاد أزعور، والنائب السابق صلاح حنين، الذي كان اسمه حاز في بداية جلسات الانتخاب على دعم بعض "قوى التغيير".

وعلى خطّ "التغييريين" الذين تشتتوا إلى جبهات متفرقة واختلفت خيارات أغلبهم، لا يزال النائبان ملحم خلف ونجاة عون صليبا يعتصمان في البرلمان منذ 19 يناير الماضي، حتى دعوة بري إلى جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس.

أما حراك البطريرك الماروني بشارة الراعي، فبدوره لم يأتِ بنتيجة بعد، رغم جمعه النواب المسيحيين في خلوة وصفت بالروحية، لم تخرج بأي نتيجة سياسية.

الخط السعودي ـ الإيراني

وفي مقابل الجمود الداخلي، فإن التغييرات الإقليمية، ولا سيما على الخط السعودي الإيراني السوري، تبقى الأبرز في المشهد، والتي يعوّل عليها المسؤولون في لبنان لتنعكس إيجاباً على مستوى الرئاسة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الاجتماعات الدولية العربية التي تبحث الملف اللبناني، وينتظر أن تحدث خرقاً ما.

مع العلم أن فرنسا هي أكثر المنخرطين رئاسياً بمبادرة غير معلنة رسمياً، تقوم على دعم فرنجية للرئاسة مقابل وصول نواف سلام إلى رئاسة الحكومة، لإرضاء مختلف القوى اللبنانية، لكن طرح باريس لم يلق بعد ترحيباً سعودياً، وفق ما يتردد سياسياً.

وفي موازاة ذلك، برزت كذلك الزيارات المتبادلة لبنانياً وخارجياً، أبرزها التي قام بها فرنجية إلى فرنسا، وتعهد خلالها، بحسب أوساط مقربة من تيار المردة، بالقيام بجملة إصلاحات وخطط إنقاذية، وأنه سيكون على مسافة واحدة من الجميع.

في حين كانت لافتة جولة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي في بيروت في 3 إبريل/نيسان الحالي، والتي استمرت أياماً، استمزج فيها مواقف الكتل السياسية. وقطر من الدول الخمس التي اجتمعت لبحث ملف الرئاسة اللبنانية في باريس في فبراير/شباط الماضي، إلى جانب السعودية، مصر، فرنسا والولايات المتحدة، وقد بدأ الحديث عن لقاء خماسي ثانٍ قيد التحضير.

في السياق، يقول مصدر دبلوماسي فرنسي، لـ"العربي الجديد"، إن "فرنسا لا تدعم فريقاً على حساب آخر، أو اسماً رئاسياً معيناً، بل تريد شخصية تلقى التوافق المطلوب بين القوى السياسية، وتؤدي إلى إنهاء حالة الشغور الرئاسي"، لافتاً إلى أن "السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو عقدت، في الأيام الماضية، لقاءات عدة مع سياسيي لبنان، واستمزجت الآراء التي كانت مختلفة، وسمعت من الفريق المعارض والتغييريين كلاماً عن رفض ما يُحكى عن مقايضة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، خصوصاً رفضاً تاماً لانتخاب فرنجية".

ويشدّد المصدر على أن "فرنسا لا تدعم حزب الله، ولكنها تعتبره فريقاً لبنانياً، انتخبه اللبنانيون وله نواب في البرلمان، ولا يمكن استبعاده. ومن هنا، فإن حلّ الأزمة الرئاسية تقتضي موافقة جميع الأطراف اللبنانية الذين لا يزالون يماطلون بينما الانهيار إلى تسارع".


سجيع عطية: لوّح فرنجية بأنه في حال رُفع الفيتو السعودي عنه فسيترشح

فرنسا ودعم فرنجية

من جهته، يقول النائب المستقل سجيع عطية، لـ"العربي الجديد"، إن "الطبخة الفرنسية لم تنضج بعد، وفرنسا تحاول مع السعودية من أجل دعم فرنجية، ويبدو أن التحفظ لا يزال موجوداً، ولو حصل تقدّم، لكان أعلن ترشيحه، فهو لوّح إلى أنه عندما يُرفَع الفيتو السعودي عنه سيقدم على الخطوة".

ويشير عطية إلى أننا "ننتظر اجتماع الدول الخمس (الذي لم يُحدد موعده بعد) حول ملف الرئاسة اللبنانية لنرى نتائجه، علماً أن هناك تباينات في وجهات النظر، أما داخلياً، فحالة الترقب قائمة بانتظار كلمة الخارج، فكل الأحزاب لديها ارتباطات إقليمية ودولية وعربية".

ويلفت عطية إلى أن الحديث عن إيصال فرنجية مقابل نواف سلام، كطرح فرنسي، يصب في إطار إحداث نوع من الضمانة لمن لديه هواجس ترتبط بفرنجية والعكس، وفرنجية لا مشكلة لديه بذلك، لكن رئاسة الحكومة ليست مضمونة، خصوصاً أنها تخضع لاستشارات نيابية، مشيراً إلى أنه شخصياً لا يمانع هذه المقايضة، التي من شأنها أن تحدث نوعاً من الهدوء، وتنعكس بتمثيل الجميع في الحكومة الجديدة.

ويأمل عطية أن تسرّع التطورات الإقليمية في الاستحقاق الرئاسي اللبنانية، وحتماً، فإن التطورات على الخط السعودي السوري الإيراني ستنعكس على لبنان بطريقة ما، ولا سيما أن حزب الله موجود ضمن المشهد الإقليمي، في ظل هواجس سعودية بتدخلاته، خصوصاً في اليمن.

من ناحية ثانية، يقول عطية إن "هذه المستجدات قد تنعكس إيجاباً على لبنان، لكن لم نعلم بعد ما إذا كان ملف لبنان قد وضع جدياً على الطاولة". ويلفت أيضاً إلى أنه في حال بقي الفيتو السعودي على فرنجية، فيجب البحث عن خيار ثانٍ.

بدوره، يرى النائب في قوى التغيير إبراهيم منيمنة، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن الحراك الدولي قد يكون في بداياته، وهناك تعقيدات عدة على المستوى الإقليمي، علماً أن التطورات السعودية والإيرانية، بشكل خاص، قد تنعكس بشكل إيجابي على الواقع اللبناني، لكن لا نعلم متى تُترجم النتائج.

ويضيف: "بغض النظر عن كل القوى التي لها مصالحها في لبنان، فإن موقفنا واضح لجهة مواصفات الرئيس، صاحب البرنامج والرؤية الإصلاحية الإنقاذية، القادر على مناقشة المواضيع السياسية الأساسية التي لا يمكن تجاهلها أكثر، خصوصاً النظام السياسي وسلاح حزب الله". ويؤكد منيمنة أنه "بالنسبة إلينا نحن ضد ترشيح فرنجية، ومنفتحون على النقاش بأسماء تتوفر فيها المواصفات المشار اليها والتي تحظى بثقة اللبنانيين".

تخيير اللبنانيين

أما رازي الحاج، النائب في حزب "القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع، فيقول لـ"العربي الجديد" إن "محور الممانعة يمارس سياسة خطف الدستور وتخيير اللبنانيين بين خيارين، إما الجوع والذل والانهيار التام، أو فرض مرشح من عنده، الذي لا يمكن اعتباره إلا مرشحاً يستكمل سياسة التمديد للأزمة الاقتصادية وعزل لبنان دولياً وعربياً".


رازي الحاج: نحاول جمع أكبر عدد من نواب المعارضة لإيصال الرئيس الإنقاذي

ويرى الحاج أن "أي تحرك داخلي أو عربي أو دولي يهمه مصلحة لبنان يجب أن يوجّه رسالة أساسية إلى محور الممانعة، بأنه لا يمكن الاستمرار بفرض مرشحه في ظل ما يشهده البلد من انهيار، والتفتيش في المقابل عن رئيس إنقاذي يمكنه فك عزلة لبنان، ويعيد الثقة للبنانيين، وباستطاعته أن يدير السفينة التي تتألف من حكومة فاعلة ومجلس نيابي نشيط".

ويتوقف الحاج عند المقايضة الفرنسية بالقول: "نحن نعلم أن تجربة رئيس جمهورية من فريق ورئيس حكومة من فريق مقابل لم تنجح في كل المقايضات السابقة، إذ يجب أن يكون الرئيسان ذوَي توجه واحد سياسي وإصلاحي واقتصادي للعمل معاً لإنقاذ البلد، وإلا فسنأخذ لبنان إلى مزيد من الفشل".

ويشدّد على "أننا متمسكون بموقفنا، ولو حاز فرنجية على دعم خارجي، فنحن لن نسمح بوصول مرشح الممانعة، ونحاول جمع أكبر عدد من نواب المعارضة وتوحيد الصفوف لإيصال الرئيس الإنقاذي القادر على بناء دولة القانون واحترام الدستور".

وعلى مقلب "التيار الوطني الحر"، فقد مرّ تحالفه مع "حزب الله" خلال الأشهر الأخيرة بانتكاسات كثيرة، خصوصاً في ظلّ الخلاف حول انعقاد جلسات الحكومة بغياب رئيس الجمهورية، ودعم الحزب لفرنجية على حساب باسيل، إذ إن الأخير لا يزال متمسّكاً برفضه دعم مرشح الحزب وحركة أمل، الأمر الذي يعد أيضاً من عوائق انتخابه من دون الغطاء المسيحي، الذي دائماً ما يتذرع به باسيل ويهدد من بوابته.

وقال باسيل، الأربعاء الماضي: "مهما كرروا دعواتهم إلينا بأن نعيد حساباتنا في موضوع رئاسة الجمهورية، لا لزوم لأن نفكر بذلك لأنها معركة وجود، فعندما نقبل بإلغاء قرارنا مرة، نكون قبلنا به كل المرات والعوض بسلامتكم"، مع الإشارة إلى أن التيار لم يختر بعد مرشحه للرئاسة.