يفتح إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن مكافأة مالية، هي الأولى من نوعها، لقاء تقديم معلومات تتعلق بالجماعات التي تستهدف المصالح الأميركية في العراق، الباب واسعاً أمام دلالات الخطوة الأميركية وطبيعة الاحتمالات المقبلة وما سيترتب عليها، في وقت يؤكد فيه مسؤولون عراقيون وجود لجنة تحقيقات مشتركة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وضباط عراقيين بشأن الهجمات الأخيرة التي طاولت منشآت حساسة تستضيف قوات أميركية شمال وغرب العراق، إضافة إلى العاصمة بغداد.
وبحسب بيان الخارجية الأميركية الذي ذيلته برقم هاتف، يتبيّن ببحث سريع أنه ذاته المخصص للإبلاغ عن زعيم تنظيم "داعش" الملقب حجي عبد الله، والذي رفعت واشنطن قيمة مكافأة الإبلاغ عن معلومات حوله إلى 10 ملايين دولار نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فيما تُقدّم مكافأة بقيمة 3 ملايين دولار لمن يقوم بالإبلاغ عن هجمات مخطط لها أو معلومات عن هجمات سابقة استهدفت المنشآت الأميركية في العراق. ووصف البيان هؤلاء بأنهم "إرهابيون جبناء يهاجمون البعثات الدبلوماسية الأميركية في العراق ثم يهرعون للاختباء بين السكان المدنيين".
الإعلان عن هذه المكافأة جاء بعد سلسلة هجمات بصواريخ كاتيوشا وطائرات مسيّرة مفخخة شهدتها قواعد ومعسكرات عدة منذ منتصف فبراير/شباط الماضي، استهدفت قواعد "حرير" في أربيل، و"بلد" في صلاح الدين، و"عين الأسد" في الأنبار، إضافة إلى معسكر "فيكتوريا" المجاور لمطار بغداد الدولي غربي العاصمة. وهذا الإعلان هو الأول من نوعه بعد أن كانت الإعلانات المتعلقة بالمكافآت المالية محصورة بأنشطة الجماعات الأصولية، كتنظيم "القاعدة" ومن بعده "داعش".
الإعلان عن المكافأة جاء بعد سلسلة هجمات بصواريخ كاتيوشا وطائرات مسيّرة مفخخة استهدفت قواعد ومعسكرات عدة
الإعلان الجديد يدفع مراقبين ومهتمين عراقيين لطرح جملة من التساؤلات، من أبرزها، هل إن الولايات المتحدة في إعلانها الموجّه بشكل مباشر للعراقيين بشأن تقديم المعلومات لها من دون الإشارة السلطات العراقية، استندت إلى قوانين سلطة الائتلاف المؤقتة نهاية عام 2003 فيما يتعلق بتقديم المعلومات التي يمتلكها العراقيون بشكل مباشر للقوات الأميركية، أم أن هناك تنسيقاً ما في هذا الإطار مع السلطات الرسمية العراقية؟ إضافة إلى سؤال حول ما سيترتب في حال حصلت واشنطن على معلومات تتعلق بمهاجمي بعثاتها ومصالحها في العراق، وهل سيكون هناك عمل عسكري مباشر داخل العراق أم تترك التصرف للقوات العراقية؟ كما يبرز تساؤل عما إذا كانت واشنطن لا تعرف فعلاً الجهات التي تستهدفها على وجه التحديد حتى تطلب مساعدة وتخصص مكافآت مالية، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد فصل من حملة تصعيد أميركية مرتقبة ضد الفصائل المسلحة الحليفة لإيران في العراق؟
اللافت أيضاً أن المكافأة جاءت من خلال برنامج "المكافآت من أجل العدالة"، الذي تم إنشاؤه عام 1984، وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب الدولي والمرتبط بمكتب الأمن الدبلوماسي في وزارة الخارجية الأميركية، بحسب ما يظهر من تعريف البرنامج على موقعه الرسمي في شبكة الإنترنت، والذي أوضح أن من بين أهداف البرنامج "منع أعمال الإرهاب الدولية ضد مواطني أو ممتلكات الولايات المتحدة".
مسؤول عسكري في بغداد قال لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن فريق تحقيق مشترك من قوات التحالف الدولي يتعاون مع جهاز المخابرات العراقي وقيادة العمليات المشتركة بالتحقيق في الهجمات الست الأخيرة التي نفذتها جماعات مسلحة حليفة لإيران على أهداف عدة، منها مطار "حرير" في أربيل وقاعدة "عين الأسد" في الأنبار، إضافة إلى الموقع المجاور لمطار بغداد، في إشارة إلى معسكر "فيكتوريا"، الذي يضم وحدة مهام أميركية خاصة تعمل ضمن قوات التحالف الدولي للحرب على الإرهاب. وأضاف أن "الإعلان الأميركي حول المكافأة لا علاقة له بالتحقيقات الجارية منذ أسابيع"، لافتاً إلى أن الجهات الرئيسية المشتبه بها في الاستهدافات المتكررة للمصالح الأميركية لم تتغير أو تبرز غيرها، وهي "كتائب حزب الله"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"عصائب أهل الحق".
وأقر المسؤول في الوقت ذاته أن "الإعلان يعتبر تطوراً جديداً، ومن غير المستبعد أن تتخذ واشنطن إجراءات عسكرية بناء على أي معلومات تتلقاها مستقبلاً أو أنها قررت أن تستخدم هذا الإعلان لشن ضربات في الفترة المقبلة"، معرباً في الوقت ذاته عن أن "الإعلان سيعزز من وتيرة استهداف الجماعات (المليشيات المسلحة) للكثير من الأشخاص بتهمة العمالة والتخابر، مثل المترجمين والصحافيين والناشطين وحتى على مستوى ضباط المخابرات".
فريق تحقيق مشترك من قوات التحالف يتعاون مع المخابرات العراقية وقيادة العمليات المشتركة بالتحقيق في الهجمات الأخيرة
وما تزال بغداد تشهد منذ فجر الخميس الماضي إجراءات أمنية مشددة تحسباً لهجمات جديدة، عقب هجومين استهدفا قاعدتي "بلد" الجوية و"فيكتوريا" مساء الأربعاء، إذ تنتشر قوات أمنية وأخرى من الجيش العراقي في مناطق وسط وغرب العاصمة، فضلاً عن تحليق للطائرات المسيرة المخصصة لأغراض المراقبة.
وحول ذلك، اعتبر أستاذ قسم الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا مهند سلوم، مسألة تخصيص مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن المليشيات التي تهاجم المصالح الأميركية في العراق بأنه "تطور لافت"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الخطوة قرار أميركي بالتعامل مع المليشيات العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني على أنها تنظيمات إرهابية يجب تصفية قياداتها لإضعافها وتفكيكها، بالإضافة إلى أن سعي الولايات المتحدة لجمع معلومات عن هذه المليشيات بشكل مباشر من أفراد المجتمع العراقي يعني أن الولايات المتحدة توصلت إلى قناعة بأن الحكومة العراقية غير قادرة على إيقاف أو تحجيم هذه الهجمات".
ولم يستبعد "أن تكون حكومة مصطفى الكاظمي قد طلبت من الولايات المتحدة معالجة هذه المجموعات المسلحة بشكل مباشر بسبب تعقيدات علاقة عدد من هذه التنظيمات المسلحة مع أطراف سياسية مؤثرة في الحكومة والمشهد السياسي العراقي". واعتبر سلوم أنه "مع تزايد حدة الخلاف الأميركي/الإسرائيلي مع إيران بسبب برنامجها النووي العسكري ودورها في عدد من الصراعات المسلحة في المنطقة، أتوقع أن يشهد النصف الثاني من هذا العام بداية عمليات اغتيال واعتقالات أميركية مباشرة لعدد من القيادات الميدانية التي تنتمي لمجموعات مسلحة تستهدف مصالح الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها في العراق".