- المصفاة، التي بدأت العمل في 1955، تواجه ضغوطاً للنقل بسبب المخاوف البيئية والصحية، بما في ذلك ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، مما دفع الحكومة ووزارة النفط للبحث عن موقع بديل يتوافق مع المعايير البيئية.
- النقاش حول نقل المصفاة يتقاطع مع قضايا النزوح والسيطرة العسكرية، حيث تعهدت وزيرة الهجرة بإعادة النازحين خلال ستة أشهر، لكن نقل المصفاة قد يعمق الأزمة الإنسانية والسياسية بإرسال رسالة سلبية للنازحين حول إمكانية عودتهم.
تفكر السلطات العراقية في نقل مصفاة الدورة النفطية جنوبيّ العاصمة بغداد إلى بلدة جرف الصخر، التي تحتلها فصائل عراقية حليفة لإيران منذ عام 2014 وتمنع عودة أهلها إليها، شماليّ محافظة بابل، الملاصقة لبغداد. وجاءت هذه الفكرة بعد مقترح قدمه عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي مصطفى الكرعاوي، في يوليو/ تموز الماضي، الذي اعتبر نقل مصفاة الدورة ضمن المقترحات المرتبطة بدعم اقتصاد محافظة بابل. لكن هذا المقترح يثير مخاوف نشطاء ومراقبين باعتباره النهاية لآمال عودة النازحين إلى بلدتهم التي تغربوا عنها منذ نحو 10 أعوام.
النائب الكرعاوي بحث هذا المقترح مع رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وقال في تصريحات سابقة إنه "قدّم أوليات المشروع لأجل دراستها والعمل على وضع خطة تنفيذها، ولا سيما أن جرف الصخر تقع ضمن نطاق استراتيجي يربط محافظات الفرات الأوسط (النجف وكربلاء والديوانية وبابل والمثنى) بالعاصمة بغداد". وأضاف أن "ذلك يأتي ذلك ضمن خطتنا التي تمنح الأولوية للمشروعات الاستراتيجية والاهتمام بما يعزّز من قيمة المحافظة الاقتصادية".
وتعتبر مصفاة الدورة أقدم مصافي النفط الكبيرة في العراق، وتضمّ مجمعاً صناعياً نفطياً متكاملاً دخل الخدمة عام 1955، ويقع في منطقة الدورة، جنوب شرقيّ بغداد، بمساحة نحو مليوني ونصف مليون متر مربع. وينتج المجمع البنزين والغاز السائل ووقود الطائرات وزيت الغاز والديزل والنفط الخام والشحوم، والشمع، والأسفلت، وغيرها. لكن عام 2014 ظهرت مخاوف من تأثير بيئي للمصفاة على السكان، ودعا البرلمان العراقي إلى نقلها لمكان آخر "بحسب الضوابط البيئية والدولية التي تمنع إنشاء المصافي داخل التجمعات السكانية".
وعلمت "العربي الجديد"، أن فرقاً هندسية من مصفاة الدورة زارت أخيراً، لأكثر من مرة، بلدة جرف الصخر للاطلاع على أماكن قد تكون مناسبة لتأسيس المصفاة الجديدة. وقال أحد المهندسين الذين زاروا البلدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المنطقة فارغة تماماً، ولا تزال الجسور مدمرة، وهناك آثار للعمليات العسكرية التي جرت في البلدة منذ نحو 10 سنوات". وأضاف أن "الجماعة المسلحة التي كانت برفقتنا لم تقبل أن نتجول في كل المنطقة، لكننا وجدنا بعض المنازل داخلها تحوي على حياة، وفهمنا أنهم أُسَر عناصر فصائل مسلحة، وقد كتبنا تقريراً فنياً إلى وزارة النفط، ونحن بانتظار مزيد من التوجيهات".
خطة نقل مصفاة الدورة
ولفت المهندس، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن "الأسباب التي يتحدث عنها المسؤولون في الحكومة وفي وزارة النفط، تتعلق بالجانب البيئي، ولا سيما أن المنطقة المحيطة بالمصفاة باتت تتأثر كثيراً بالمخلفات الهوائية وملوثات البيئة". وقال إنه "ارتفعت خلال السنوات الماضية معدلات الإصابة بالسرطان في المنطقة".
وأوضح أن خطة الحكومة الحالية بشأن نقل مصفاة الدورة "هي تقليل الملوثات وفق المعايير البيئية الحديثة، وبالتالي تجد أنّ من المهم أن تبعد المصفاة عن مركز مدينة بغداد"، مضيفاً أن "جرف الصخر إحدى المناطق التي تفكر فيها الحكومة، ويجدها مسؤولون أنها مناسبة".
لم تعد وحدات الجيش والشرطة العراقية إلى جرف الصخر منذ 2014
مع العلم أن جرف الصخر تقع منذ استعادة القوات العراقية السيطرة عليها في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2014، تحت سلطة الفصائل المسلحة الحليفة لإيران. وقد انسحبت وحدات الجيش والشرطة من البلدة بطلب من تلك الفصائل بعد أيام من السيطرة عليها، ولم تعد إليها حتى الآن، كذلك لم تتمكن من دخولها أيضاً. وتعتبر المدينة معقل عشيرة الجنابيين العربية في العراق إلى جانب عشائر أخرى مختلفة، وما زال سكانها البالغ عددهم نحو 180 ألف نسمة مُهجّرين في مخيمات ومعسكرات نزوح.
وسبق أن نقلت مجلة الشبكة، وهي جزء من هيئة الإعلام الرسمية في العراق، عن مصدر حكومي قوله إن هناك توجهاً لإيقاف العمل في مصفاة الدورة وإغلاقها "بشكل تام حال تمكن العراق من تحقيق الوفرة من المشتقات النفطية من خلال المصافي المقامة". كذلك أشار أمين بغداد (يعادل رئيس البلدية) عمار موسى، في وقت سابق من العام الحالي إلى أن "السوداني يولي اهتماماً كبيراً لموضوع نقل مصفاة الدورة إلى خارج العاصمة".
لكنّ المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد، أشار إلى أن الموقع الجديد لمصفاة الدورة "لم يُحدد بعد، وهناك أكثر من منطقة تفكر فيها الوزارة، وخصوصاً التي تتوافر فيها الشروط، ومنها أن تكون قريبة من مصدر مائي، بالإضافة إلى أن تكون بعيدة عن نقاط الكثافة السكانية". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "العمر الافتراضي لمصفاة الدورة انتهى، ومع وصول العراق إلى الاكتفاء الذاتي بعد دخول عدد من المصافي إلى مرحلة إنتاج المشتقات النفطية، من المؤمل أن يكون هناك موقع بديل للمصفاة، من أجل مراعاة الجوانب البيئية والصحية والسلامة العامة".
عضو في تحالف السيادة: الأطراف المسيطرة على جرف الصخر تريد أن يستمر احتلالها للبلدة
السيطرة على جرف الصخر
من جانبه، بيَّن عضو في تحالف السيادة، أكبر التحالفات العربية السُّنية في البلاد، أن "التلميح وتهيئة الأجواء لأجل نقل مصفاة الدورة إلى جرف الصخر، يمثل احتلالاً رسمياً وجديداً ونظامياً للبلدة التي أجبر أهلها على الخروج منها، ولا يزالون في مخيمات النزوح ويعيشون الأوضاع الإنسانية الصعبة". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الأطراف المسلحة المسيطرة على جرف الصخر، تريد أن يستمر احتلالها للبلدة، لكن هذه المرة عبر غطاء حكومي رسمي".
وكانت وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق، قد تعهدت في 29 ديسمبر 2022 بإعادة جميع النازحين العراقيين، وبينهم نازحو منطقة جرف الصخر في محافظة بابل خلال 6 أشهر، مشددة على إبعاد هذا الملف عن "المزايدات السياسية". وهناك نحو 6 آلاف عائلة نازحة من جرف الصخر وتسكن حالياً في المسيب وعامرية الفلوجة والسليمانية بإقليم كوردستان. وبحسب المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي عباس جهاكير، فإن "ملف جرف الصخر أمني وسياسي، حيث هناك جهة أمنية ماسكة للأرض، وهناك وجهات نظر أخرى في هذا الملف، ووزارة الهجرة لا تستطيع فرض رأيها على جهة معنية لديها توجهات أو هاجس أمني".
محمد جدوع الجنابي: إشاعة موضوع نقل المصفاة يبعث برسالة للنازحين من جرف الصخر
بدوره، اعتبر الناشط السياسي العراقي محمد جدوع الجنابي أنّ "من الجيد أن تخرج المصافي والمصانع بعيداً عن المناطق والمدن ذات الكثافة السكانية، لكن موضوع نقل مصفاة الدورة إلى جرف الصخر يدعو إلى القلق فعلاً، لا سيما أنها منزوعة السكان". ورأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "كان الأجدر بالحكومة أن تفكر في منطقة أخرى مثل النهروان أو المدائن باعتبارها مناطق مفتوحة وتحتوي على حقول نفطية"، مرجحاً أن "الهدف من إشاعة موضوع نقل المصفاة من بغداد إلى جرف الصخر، يبعث برسالة للنازحين من البلدة، بأن أراضيهم ستبقى خالية من السكان، وعليهم إيجاد البدائل".
وبالنسبة إلى وزارة الهجرة والمهجرين، فقد اعتبر الجنابي أنها "تسبب مشاكل للنازحين، خصوصاً أن الوزارة تسعى للإغلاق القسري من دون إيجاد حلول للمناطق منزوعة السكان". وقال إنه "بالتالي فلا بد من حل، خصوصاً أن النازحين الذين أخرجوا بالإجبار من المخيمات، يمرون حالياً بوضع إنساني صعب، وقد فقدوا الإعانات المحلية والدولية".