مثّلت حادثة حرق المصحف في السويد على يد لاجئ عراقي، الأربعاء الماضي، الفرصة الأنسب لعودة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الساحة السياسية مجدداً بعد اعتزال، وإن كان علنياً، عن المشهد دام قرابة عام. وخلال الأيام الماضية، كثّف الصدر من بياناته السياسية، وأعاد تفعيل منصات التيار الإعلامية مجدداً، وأبرزها "صالح العراقي" المعروف باسم وزير الصدر.
غياب الصدر عن المشهد كان يُعد الأول من نوعه من ناحية طول الفترة الزمنية التي امتدت قرابة عام كامل. وتتزامن عودته مع فتح مفوضية الانتخابات باب تسجيل الكيانات السياسية لخوض الانتخابات المحلية المقررة نهاية العام الحالي.
كما تترافق عودته، عبر التعليق وإصدار البيانات الموجهة للحكومة والقوى السياسية حيال حادثة حرق المصحف، مع تحشيد شعبي في الشارع من قبل أتباعه عبر تظاهرات في بغداد شارك فيها عشرات الآلاف ورُفعت فيها صور الصدر، وتجمعات كبيرة بمدن جنوب ووسط العراق، بدت وكأنها موجهة لخصوم الصدر.
وانسحب التيار الصدري من العملية السياسية في 29 من أغسطس/آب الماضي، بعدما قرر الصدر سحب نواب كتلته "الصدرية" من البرلمان، ومن ثم اعتزال العمل السياسي، بعد سلسلة أحداث بدأت بتظاهرات لأنصار التيار وانتهت بالاشتباكات داخل المنطقة الخضراء في بغداد مع فصائل مسلحة منضوية تحت هيئة "الحشد الشعبي".
قيادي في التيار الصدري: الفرق الانتخابية داخل التيار بدأت بتنشيط أعضائها
وفي هذا السياق، قال عضو بارز في التيار الصدري ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إن زعيم التيار "يدرس بشكل جدّي المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، لمنع الإطار التنسيقي من السيطرة بشكل كامل على الحكومات المحلية في مناطق وسط وجنوب العراق".
وبيّن أن "تظاهرات نصرة القرآن التي نظمها الصدريون يومي الجمعة والسبت الماضيين، وردود الفعل المحلية حولها، مُشجعة للعودة سياسياً لكن بشكل تدريجي، خصوصاً أن عودة (وزير الصدر) لنشاطه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تأتي من أجل نشر التوجيهات السياسية، التي ستصدر في المرحلة المقبلة، بشكل مباشر من قبل الصدر".
وكشف أن "الفرق الانتخابية داخل التيار الصدري، بدأت بتنشيط أعضائها، بشكل غير معلن من أجل الاستعداد لخوض انتخابات مجالس المحافظات، كما أن عودة الصدريين للساحة السياسية، تعني عودة المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في العراق، وعدم السماح باستمرار حكومة محمد شياع السوداني لدورة كاملة".
سياسي في تيار الحكمة: الصدر لم يعد يرغب في الانتظار فترة أطول للعودة
إلى الحياة السياسية
من جهته، وصف سياسي بارز في تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم عودة الصدر مجدداً بأنها كانت "قراراً مُتخذاً سابقاً، لكن بانتظار المناسبة ووفّرتها حادثة حرق المصحف". وأضاف السياسي نفسه، طالبا عدم الكشف عن اسمه، أن "الصدر بدأ بمهاجمة قوى الإطار ومن يصفهم المليشيات، تحت حجة ضعف تفاعلهم مع حادثة حرق المصحف، ووصل إلى مهاجمة ما يسميه فضائيات المليشيات، وهذه النغمة معروفة عند الصدر باستغلال أي حادثة كانت لتوجيه نقد وهجومه، لكن الحدث الآن ليس محلياً بل دولي، واستغله الصدر، وهذا يعني أنه لم يعد يرغب في الانتظار فترة أطول للعودة، واختار حادثة السويد على يد العراقي اللاجئ للظهور مجدداً".
من جهته، اعتبر عضو تحالف "الإطار التنسيقي"، عائد الهلالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عودة التيار الصدري للمشهد السياسي "كانت أمراً متوقعاً للجميع". ورحب الهلالي بعودة الصدريين، متحدثاً عن "جهود سابقة" لبعض قادة تحالفه لإقناع الصدريين بالعودة للحياة السياسية.
وبيّن الهلالي أن كل المعطيات تدل على أن التيار الصدري سيشارك في الانتخابات المحلية نهاية هذا العام. ولم يستبعد "عودة الحوارات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي وبعض أطرافه، بعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات". ولفت إلى أنه "يجب أن تكون هناك حوارات واتفاقات من أجل تشكيل الحكومات المحلية، خصوصاً إذا ما شارك الصدريون في هذه الانتخابات".
في المقابل، قال الخبير بالشأن السياسي العراقي، نزار حيدر، لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس مستبعداً أن يكون قرار تحريك الشارع الآن من قبل الصدر يحمل رسالة سياسية للمستقبل القريب، وهو باب لعودة الصدريين للمشهد السياسي، خصوصاً مع قرب انتخابات مجالس المحافظات". واعتبر أن "تفاعل وزارة الخارجية العراقية وحكومة السوداني مع حادثة حرق المصحف كانت بسبب تحرك الصدريين شعبياً بالدرجة الأولى".
وتعيد التظاهرات الكبيرة التي قام بها أتباع الصدر مشاهد التظاهرات السابقة واقتحام مبنى البرلمان قبل انسحاب الصدر من العملية السياسية. ولم تخل تظاهرات الصدريين الأخيرة من الجانب السياسي، إذ رددوا هتافات سياسية منها "نحن جنود السيد"، وغيرها من الهتافات ذات الأبعاد السياسية وإثبات الوجود في الساحة، كما حملوا صور زعيمهم وصور والده محمد صادق الصدر.