انتهت المواجهة الأخيرة في قطاع غزة التي أطلقت عليها المقاومة اسم "ثأر الأحرار"، بعد 5 أيام شهدت إطلاق مئات الصواريخ والمقذوفات تجاه عدة مناطق، بدءاً من مستوطنات "غلاف غزة" وحتى تل أبيب، مروراً بـالقدس المحتلة.
وحملت هذه المواجهة التي جاءت بدايتها بشكل مفاجئ عبر اغتيال 3 من قيادات "سرايا القدس" الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي"، متغيرات ميدانية في شكل المواجهة مع الاحتلال، وطبيعة الرد الفلسطيني، والتنسيق الفصائلي من خلال غرفة العمليات المشتركة، وحتى التفاوض السياسي.
وشهدت هذه الجولة تصدر حركة "الجهاد الإسلامي" لعملية الرد على الاغتيالات والعدوان الإسرائيلي، مع وجود حضور دائم لمسمى غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة، خلافاً لبعض الجولات التي خاضها "الجهاد الإسلامي" تحت مسمى سرايا القدس فقط، أو خارج إطار الغرفة المشتركة.
وبدا لافتاً سعي الاحتلال الإسرائيلي طوال أيام المواجهة الخمسة لتأكيد استهداف فصيل معين، ومحاولة عزل بقية الفصائل الأخرى، ولا سيما حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي كان خطابها الإعلامي يؤكد حضور الغرفة المشتركة والمقاومة في المواجهة.
وإلى جانب الخطاب السياسي لحركة حماس التي تمسك بزمام الأمور في القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ 17 عاماً، فإن الخطاب لذراعها العسكري (كتائب القسام) كان حاضراً عبر الخطابات الخاصة بالغرفة المشتركة، أو حتى في بيان نعي قائد العمليات المركزية في "سرايا القدس" إياد الحسني، الذي شهد إشارة إلى كونه مسؤولاً عن التنسيق المشترك مع القسام طوال أيام معركة "ثأر الأحرار".
في المقابل، يبرز رأي فلسطيني داخلي يتحدث عن ضرورة تعزيز التنسيق العسكري بين الفصائل الفلسطينية، وألا يترك فصيل بعينه تحت دائرة المواجهة من أجل منع الاحتلال الإسرائيلي من التفرد به واغتيال كوادره وقياداته، وأن تشهد الفترة المقبلة مراجعات عسكرية وأمنية.
ويرى أصحاب هذا الرأي أنّ غرفة العمليات المشتركة، على حضورها، بحاجة لتنسيق أكثر فعالية على الصعيد العملياتي الميداني في ما يتعلق بشكل إدارة أي مواجهة مستقبلية مع الاحتلال الإسرائيلي، ونحت جسم أمني داخل الغرفة يتولى معالجة أي ثغرات أمنية، وكذا حماية الشخصيات العسكرية البارزة والمقدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية.
جولة من جولات المواجهة
في الأثناء، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس سهيل الهندي، إنّ الجولة الأخيرة ليست نهاية المطاف بالنسبة إلى المقاومة الفلسطينية، وهي مرحلة من مراحل الصراع المفتوح مع الاحتلال الإسرائيلي، وسيكون ما هو قادم أعظم بالنسبة إلى الاحتلال أو حتى الحركات المقاومة.
وأضاف الهندي في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ المقاومة الفلسطينية حققت في هذه الجولة التي استمرت 5 أيام إنجازاً مهماً، بعيداً عن تحليل هذه النتائج، وستتبعها مراحل أخرى من المواجهة حتى تحرير كامل الأراضي الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ويوضح أنّ حركته هي رأس المقاومة الفلسطينية وهي على تواصل مستمر مع جميع الفصائل في الميدان، سواء عبر الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، أو مع الفصائل لتنسيق المواقف لمواجهة الاحتلال واستمرار الإعداد لأي مواجهة في المستقبل القريب.
ويرى عضو المكتب السياسي لحركة حماس أنّ غزة أثبتت خلال الأيام الماضية أنها عصية على الانكسار، وأن المقاومة هي الأخرى لا تنكسر، إضافة إلى ما عكسه الميدان من حالة تنسيق بين الفصائل مجتمعة عبر الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية.
أما عن المحاولات الإسرائيلية لشرخ علاقة حركته بحركة "الجهاد الإسلامي"، فيعتقد الهندي أنّ المساعي الإسرائيلية فشلت في ذلك، نظراً للعلاقة القوية والمتينة التي تجمع الجانبين، ولأن هنالك رؤية مشتركة تجمع حركة حماس بالجهاد، عدا عن التنسيق المستمر والمتبادل، على حد تعبيره.
كسر المساعي الإسرائيلية
إلى ذلك، يؤكد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أحمد المدلل، أنّ "المقاومة نجحت في الخروج من هذه الجولة مرفوعة الرأس، على الرغم من المساعي الإسرائيلية لكسرها عبر اغتيال مجموعة القيادات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، منذ بداية المواجهة وحتى نهايتها".
ويضيف المدلل لـ"العربي الجديد": "مواجهة ثأر الأحرار أثبتت أنّ هناك مقاومة قوية وموحدة استطاعت أنّ تحقق أفضل النتائج الاستراتيجية مع حفظها لمخزونها الاستراتيجي في أدوات القتال، وأنّ الوحدة الميدانية قادرة على صنع المعجزات في تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني".
وشدّد عضو المكتب السياسي لحركة "الجهاد الإسلامي" على ضرورة أنّ تنعكس هذه الوحدة القتالية والميدانية على موقف سياسي موحد، يسهم في وضع برنامج موحد واستراتيجية فلسطينية تدعم صمود الشعب الفلسطيني أكثر خلال الفترة المقبل.
ولفت المتحدث إلى أنّ المواجهة الأخيرة ستفتح الباب أكثر خلال الفترة المقبلة أمام المزيد من اللقاءات والمشاورات ووحدة الموقف، رغم أنّ "سرايا القدس" قاتلت بشكل أساسي في هذه المعركة، فإنّه "لا يجب نفي أنّ هناك دعماً وإسناداً من قبل جميع حركات المقاومة".
قراءة سياسية وعسكرية
في موازاة ذلك، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن، أنّ عملية التقييم للمواجهة الأخيرة مرتبطة بقراءة إذا ما كانت المقاومة الفلسطينية قد نجحت في الثأر لجمهورها من الاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما أنّ هذه الجولة بدأت بعملية اغتيال وغدر من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف محيسن لـ"العربي الجديد"، أنّ "المقاومة الفلسطينية نجحت خلال هذه الجولة في استخدام تكتيكات جديدة بعد الاغتيال، كان أبرزها الضغط على الاحتلال الإسرائيلي وشلّ مناحي الحياة لساعات طويلة، قبل أن تبدأ في عملية الرد على اغتيال قادة سرايا القدس".
ويشير المحلل السياسي إلى أنّ هذا السلوك العسكري للمقاومة يحسب لها، لكونها شلت قطاعات حيوية في الاحتلال الإسرائيلي، وأجبرت مئات الآلاف من المستوطنين على البقاء في الملاجئ بشكل يجعلهم عاجزين عن الحركة، فضلاً عن تغيير مسارات حركة الطائرات خشية من رد المقاومة.
ووفق محيسن، فإنّ المقاومة نجحت في التقييم الأولي للمواجهة مع إفقاد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صورة النصر، نتيجة للفعل العملياتي الذي قامت به، وحالة التنسيق التي جرت بين فصائل الغرفة المشتركة للمقاومة الفلسطينية خلال أيام المواجهة.
ويرى المتحدث أنّ "المقاومة بشكل عام مدعوة لصياغة جسم داخل الغرفة المشتركة بمثابة جناح له علاقة بالبعد الأمني، بحيث يعمل على أخذ الاحتياطات اللازمة، وتأمين القادة والمقدرات المختلفة لتفويت الفرصة على الاحتلال الإسرائيلي مستقبلاً من مفاجأة المقاومة أو الغدر بها".