مفاوضات سد النهضة… مصر ترفض إعادة المحاصصة والبيع

25 سبتمبر 2023
سد النهضة، فبراير 2022 (ميناسي وونديمو هايلو/الأناضول)
+ الخط -

أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية، أمس الأحد، انتهاء فعاليات الاجتماع الوزاري الثلاثي بشأن سد النهضة، الذي عُقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي 23 و24 سبتمبر/ أيلول الحالي، بمشاركة وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا، وذلك من دون أن تسفر الجولة التفاوضية "عن تحقيق أي تقدم يذكر في مفاوضات السد الإثيوبي". وقالت الوزارة، في بيان لها، إنّ "الجولة التفاوضية شهدت توجهاً إثيوبياً للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة، والترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً".

وكانت الجولة قد عُقدت وسط خلافات كبيرة في الرؤى بين مصر وإثيوبيا بشأن تفسير نصوص اتفاق المبادئ الموقع عام 2015 في العاصمة السودانية الخرطوم من جانب زعماء الدول الثلاث، وذلك في ظل تمسك أديس أبابا بحصة رسمية على غرار القاهرة والخرطوم من مياه النهر تحت مسمى "الاستخدام المنصف".

وكشف مصدر مصري في وزارة الري على اطلاع بتفاصيل الجوانب الفنية لأزمة السد، لـ"العربي الجديد"، عن أن "الموقف الإثيوبي المتعنّت، الذي يظهر غياب حسن النوايا، دفع مصر للتشدد في موقفها بالتمسك باتفاق قانوني ملزم"، مشيراً إلى أن "الهدف ليس سد النهضة في حد ذاته، كون السد بات بالفعل أمراً واقعاً، وأن المناورة بشأن أزمته تكاد تكون محدودة".

وقال المصدر إن "موقف القاهرة يكمن في وضع مبدأ عام، حتى لا يكون تجاوز الأعراف والمواثيق الدولية أمراً معتاداً". وشدد على أن "هناك مخاوف لدى مصر من خطط إثيوبيا لبناء سدود جديدة، وهو ما يعني أنه إذا مرّ الموقف الإثيوبي الحالي بشكل سهل ومن دون إقرار اتفاق قانوني ملزم لكافة الأطراف، فستكون الأمور مسألة وقت لاندلاع أزمة جديدة مع أول سد جديد تشرع أديس أبابا في بنائه".

رفض مصري للتصورات الإثيوبية

وأكد المصدر المصري "تمسك القاهرة برفض التصورات الإثيوبية الرامية للحصول على حصة من مياه النهر تصل إلى نحو 20 مليار متر مكعب من المياه"، موضحاً أن المفاوضين المصريين "قدموا خلال جولات التفاوض السابقة، التي شارك فيها مراقبون من الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والإمارات، ما يوضح عدم صحة الدفوع الإثيوبية بشأن استحواذ مصر على مياه النيل".

وأشار إلى أن "حوض نهر النيل يسري به 3.4 تريليونات متر مكعب من المياه، وتبلغ حصة إثيوبيا وحدها من تلك المياه 150 مليار متر مكعب، في حين يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، ومصر على 55.5 مليار متر مكعب".


دبلوماسي مصري: هامش حركة القاهرة يضيق مع انتهاء كل عملية ملء جديدة لسد النهضة

من جهته، رأى دبلوماسي مصري معني بملف القرن الأفريقي أن "ما يزيد من صعوبة الأزمة هو الأوضاع الداخلية في إثيوبيا وتوظيف ملف السد في الخطاب الحكومي الداخلي في ظل الأزمات التي تواجهها الحكومة هناك"، موضحاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه "لا يوجد في جعبة القاهرة حتى الآن سوى بعض الوعود من دولة الإمارات التي ترعى جولة المفاوضات الحالية، من دون أن تكون هناك ضمانات حقيقية بشأن التزام إثيوبي".

ولفت الدبلوماسي إلى أن "هامش الحركة المصرية يضيق مع انتهاء كل عملية ملء جديدة، خصوصاً أن السد بات يحتجز خلفه حالياً نحو 42 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يعني أن ما يجرى التفاوض حوله ليس كثيراً".

وحول رغبة أديس أبابا في الحصول على حصة من المياه، أو اشتراط بنود تسمح لها ببيع المياه مستقبلاً على غرار النفط في حالة الدول النفطية، قال الدبلوماسي المصري إن القاهرة "لن تسمح بصياغة بنود تفتح الباب أمام إعادة تقسيم حصص المياه أو بيعها لها مستقبلاً".

وأضاف أن "القاهرة لا تمانع إنشاء مشروعات إثيوبية تقوم على المياه، لإدراكها التام بأن لدى إثيوبيا من المياه ما يغنيها تماماً عن حصة مصر كاملة". وشدّد على أن "الأمر له أبعاد أخرى، وهو ضمان مورد جديد عبر بيعها تلك الحصة التي ترغب في الحصول عليها في نهاية المطاف لمصر، على اعتبار أن القاهرة في حال قارنت بين كلفة تحلية المياه وشراء تلك الحصة التي ستغنيها عن التحلية، فإن الكلفة في حالة الشراء ستكون أقل كثيراً من تكلفة التحلية".

وكان مسؤولون وسياسيون مصريون حذروا من خطورة السد على بلدهم، ومنهم وزير الخارجية سامح شكري، الذي قال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء السبت، إنه "ليس هناك مجال للاعتقاد الخاطئ بإمكانية فرض الأمر الواقع، عندما يتصل الأمر بحياة أكثر من مائة مليون مصري".

وأضاف أن "بلاده لا تزال حريصة على مواصلة مفاوضات سد النهضة، من أجل التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، على الرغم من التعنت الإثيوبي والممارسات الأحادية"، متهماً أديس أبابا بـ"التمادي في ملء وتشغيل السد بشكل أحادي، في خرق صريح لقواعد القانون الدولي".

وفي السياق، قال أستاذ القانون الدولي العام في مصر أيمن سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف المصري بعد الملء الرابع لأكبر سد في القارة الأفريقية ليس سهلاً، ولا توجد أي أرضية للاتفاق بين إثيوبيا، دولة المنبع لنهر النيل الأزرق، وبين مصر دولة المصب، كما لا توجد أرضية قانونية أو فنية مشتركة أو أساس مشترك لتحقيق توافق على قضايا قانونية وفنية خلافية صعبة، بدأت منذ أن شرعت إثيوبيا في بناء السد عام 2011".

وأضاف سلامة أن "إثيوبيا ترفض تماماً إبرام اتفاق فني يترجم المبادئ العامة العشرة التي نص عليها اتفاق إعلان المبادئ لسد النهضة الموقعة في الخرطوم في مارس/آذار 2015، لأنه سيترجم هذه المبادئ تفصيلياً وتفسيرياً وسيكون ملزماً للدول الثلاث، ولكن إثيوبيا تقبل فقط توقيع ما يسمى بالتوجيهات العامة الإرشادية لتشغيل وملء سد النهضة".


اتهم شكري إثيوبيا بتشغيل السد بشكل أحادي

وأوضح سلامة أن "هذه المبادئ الإرشادية التوجيهية ليست ملزمة كما الاتفاقيات الدولية والمعاهدات"، لافتاً إلى أن "الظروف الواقعية الدولية ليست في صالح مصر ولا السودان، لكنها في صالح إثيوبيا".

وتابع: "نجحت اثيوبيا في استهلاك واستنزاف الوقت وتحقيق ما تصبو إليه، وهناك دول كبرى إقليمية وغير إقليمية استثمرت في سد النهضة، وهناك دول مجاورة لإثيوبيا في القرن الأفريقي وخارجه، تنتظر بشغف بدء حصولها على الكهرباء منخفضة التكاليف من سد النهضة، لذلك كل هذه التحديات ضد السودان ومصر في مسألة النزاع حول مسألة النهضة". وحول مسألة مراجعة اتفاق إعلان المبادئ، قال إن مصر "لن تجني من الانسحاب من اتفاق المبادئ الذي وقعته عام 2015 أي ثمرة".

مفاوضات سد النهضة

من جهته، قال خبير المياه الدولي المصري ضياء الدين القوصي، لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على جولة المفاوضات الأخيرة في أديس أبابا، إن "الغرض الرئيسي من هذه الجلسات هو أن يعرف الجميع، محلياً وإقليمياً ودولياً، أن مصر لم تدخر أي جهد ولم تترك أي فرصة للوصول إلى اتفاق بالطرق الدبلوماسية، وعن طريق المفاوضات، تمهيداً لاتخاذ إجراءات أخرى في المستقبل".

أما خبير السدود المصري محمد حافظ، فاعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن مفاوضات أديس أبابا "فشل جديد يضاف إلى سلسلة الفشل السابقة التي توجت بها جولات المفاوضات بين إثيوبيا ومصر".

وأضاف أن "الجانب المصري لا يتحدث بصراحة مع الشعب بقوله إن المفاوضات تجرى حول آلية عمل السد، بينما الجانب الإثيوبي يؤكد أن المفاوضات تتعلق بكمية المياه التي ستخصم من حصة مصر، والتي وافقت عليها مصر في عهد (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب، وهو خفض حصتها إلى 37 مليار متر مكعب، بدلاً من 40 مليارا ونصف مليار، بينما وصل التنازل المصري إلى 9 مليارات، وذلك فيما تؤكد إثيوبيا أن الخصم يصل إلى 16 مليار متر مكعب، وهناك بعض المعلومات تتحدث عن خصم 22 مليار".

المساهمون