استعرت المعركة الدائرة على مأرب، بين الجيش اليمني وجماعة الحوثيين. ومع اقتراب المواجهات بشدة من مدينة مأرب، عاصمة محافظة مأرب الغنية بالنفط، تبدو آخر معاقل الحكومة اليمنية المعترفة بها دولياً، في شمالي البلاد، مهددة أكثر من أي وقت مضى.
ويأتي ذلك مع سقوط قادة للجيش اليمني من الصفّ الأول، فيما شكلّ احتدام المعارك خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، أكبر عملية استنزاف بشرية للمسلحين الحوثيين أيضاً.
كما يأتي وسط شكوى للحكومة اليمنية من عدم التكافؤ في السلاح مع الحوثيين، وتراجع الجدوى من ضربات التحالف.
مواجهات في محافظة مأرب
انهارت بعض التحصينات الدفاعية الرئيسية لقوات الجيش اليمني في جبال البلق الشرقي
وتكاد المواجهات لا تهدأ أبداً في الأطراف الجنوبية والشرقية لمحافظة مأرب، إثر هجمات مزدوجة تشنها جماعة الحوثيين من محاور مختلفة في جبال البلق الواقعة بمديرية الوادي، والكسارة بمديرية صرواح، فضلاً عن هجمات من جبهة العلم، المؤدية إلى حقول النفط في منطقة صافر.
ومع انهيار بعض التحصينات الدفاعية الرئيسية في جبال البلق الشرقي، تبدو القوات الحكومية في مأزق حقيقي، وهو ما جعلها تدفع بقادة الصف الأول إلى الخطوط الأمامية للمعركة من أجل ردع الهجمات الحوثية الانتحارية.
مقتل اللواء ناصر الذيباني
وتعرض الجيش اليمني، أخيراً، لضربة موجعة، تمثلت بخسارة قائد عسكري بارز، هو رئيس هيئة العمليات الحربية في وزارة الدفاع، اللواء ناصر الذيباني، أثناء قيادة المعركة في جبل البلق الشرقي، الذي تسلل إليه الحوثيون أواخر الأسبوع الماضي.
وأوضح مصدر عسكري يمني لوكالة "فرانس برس"، أن الذيباني قتل مساء أول من أمس (الأحد) "مع 27 جندياً في مواجهات مع الحوثيين في جبال البلق".
ونعت وزارة الدفاع اليمنية ورئاسة هيئة الأركان العامة أمس الإثنين، الذيباني، قائلة في بيان نشرته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التابعة للحكومة، إن الأخير "استشهد وهو يؤدي واجبه الوطني والقتالي ويقود معارك التصدي لمليشيا الحوثي الإيرانية في أطراف محافظة مأرب".
وأضافت الوزارة أن الذيباني كان "أحد القادة الأوفياء الذين كان لهم بصمات خالدة في إعادة بناء القوات المسلحة عقب الانقلاب الحوثي، حيث بدأ مسيرته النضالية، من صحراء الربع الخالي في وضع النواة الأولى لإعادة تشكيل هيئات ودوائر الجيش ووحداته وقيادته ومناطقه".
وكان للذيباني، بحسب البيان، "صولات وجولات باسلة في ميادين الشرف والفداء"، مشيراً إلى أنه "قاد عدداً من معارك التحرير في محافظات مأرب والجوف والبيضاء وصنعاء وشبوة، وكان مثالاً رائعاً في القيادة والجندية، ومدرسة في التخطيط والإدارة والعمل الميداني والتكتيك القتالي".
وعلى الرغم من الضربة التي خلّفها سقوط الذيباني، والأثر المتوقع لذلك على مجريات المعركة، إلا أن وزارة الدفاع اليمنية أكدت أن هذه التضحيات "لن تزيد الأبطال إلا عزماً على مواصلة الدرب حتى تحقيق كامل الأهداف الوطنية المنشودة المتمثلة في دحر مخططات المشروع الإيراني ومليشياته الانتقامية"، بحسب تعبير البيان.
ولم تكشف الوزارة في بيان النعي، من جهتها، عن حجم الخسائر في صفوفها من باقي الضباط، لكن مصادر عسكرية أكدت أن الأخير قُتل، ومعه عدد من رفاقه الذين يحملون رتباً رفيعة، ومع المتوقع تشييعهم في جنازة عسكرية رسمية داخل مدينة مأرب خلال اليومين المقبلين.
قتل رئيس هيئة العمليات الحربية في وزارة الدفاع، اللواء ناصر الذيباني، في معركة جبل البلق
كما نعى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، مقتل رئيس هيئة العمليات الحربية في وزارة الدفاع، بمعارك مأرب، مضيفاً أن "المؤسسة العسكرية فقدت قائداً فذاً مخلصاً لوطنه ومعركة اليمن والعرب المصيرية في مواجهة المشروع الإيراني الطائفي المحمل بالشرور لليمن والمنطقة".
ووفقاً لمصدر عسكري حكومي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن اللواء الذيباني كان يتقدم المعارك منذ يوم الأربعاء الماضي، في جبل البلق وصحراء الأعيرف، ويشرف بشكل مباشر على سير المواجهات على الرغم من الكثافة النارية لجماعة الحوثيين واستهداف تحصينات الجيش بالصواريخ البالستية.
وبحسب المصدر، فقد كان اللواء الراحل خطّط لعملية نوعية أسفرت عن اقتحام المواقع التي تمركزت فيها مجاميع حوثية في جبال البلق، من أجل إزالة الخطر على مدينة مأرب، وخصوصاً بعد الهجوم الضاري على نقطة الفلج التي تعد البوابة الرئيسية لمدينة مأرب، حيث لا يفصلها عنها سوى نحو 15 كيلومتراً.
وتتشابه العملية التي سقط فيها اللواء الذيباني، مع العملية التي قُتل فيها قائد القوات الخاصة في مأرب، العميد عبد الغني شعلان، أواخر فبراير/شباط الماضي، عندما قاد عملية نوعية تكللت بدحر مجاميع حوثية تسللت إلى جبل البلق القبلي، وكانت تشكل تهديداً خطيراً على مدينة مأرب.
والذيباني هو أرفع مسؤول عسكري في صفوف القوات الحكومية، يُعلن مقتله منذ مقتل اللواء أمين الوائلي، قائد المنطقة العسكرية السادسة، أواخر مارس/آذار الماضي.
المعارك تُسمع إلى مدينة مأرب
وأعلن الجيش اليمني، أمس، أن قواته مسنودة بالمقاومة الشعبية، شنّت هجوماً واسعاً تمكنت خلاله من دحر مليشيات الحوثيين من مواقع عدة جنوب مأرب.
ونقلت وكالة "سبأ" التابعة للحكومة، عن مصدر عسكري، قوله إن "الهجوم أسفر عن سقوط العشرات" من عناصر الحوثيين بين قتيل وجريح، "بينهم قيادات ميدانية، إلى جانب خسائر أخرى في المعدات القتالية".
وللمرة الأولى منذ أيام، انتقلت المعركة إلى نطاق مديرية مأرب الوادي، وهي واحدة من أبرز معاقل القوات الحكومية والتي تقع في إطارها منابع النفط والغاز في حقول صافر شرقي مأرب.
وتعد مديرية الوادي، من أبرز معاقل قبيلة عبيدة التي يتحدر منها محافظ مأرب، الشيخ سلطان العرادة. وخلال الساعات الماضية، زعمت وسائل إعلام حوثية أن المواجهات اقتربت من بلدة كري، مسقط رأس العرادة.
وتستميت قبائل عبيدة للدفاع عن أراضيها من الهجوم الحوثي، ووفقاً لمصادر قبلية، فإن عدداً من كتائب المقاومة الشعبية تشكلت خلال الأيام الماضية لمساندة الجيش الوطني، وباتت هي من تتقدم الصفوف الأولى.
وأوضح المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أن المعارك المتصاعدة منذ الخامس من ديسمبر الحالي، تحولت إلى أكبر عملية استنزاف للجيش اليمني وجماعة الحوثيين، وخصوصاً مع اقتراب المواجهات إلى مسافة صفرية، وخصوصاً في صحراء الرملة والأعيرف وعدد من سلاسل جبال البلق.
وتسبب اقتراب خطوط التماس من بعضها في إرباك مقاتلات التحالف الذي تقوده السعودية، والتي تعجز عن تمييز خصومها الحوثيين على الأرض، وهو ما جعل هامش الخطأ في الضربات الجوية مرتفعاً إلى درجة غير مسبوقة.
للمرة الأولى منذ أيام، انتقلت المعركة إلى نطاق مديرية مأرب الوادي
وأكدت مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد"، أن غارة جوية خاطئة لمقاتلات التحالف استهدفت دورية عسكرية للجيش اليمني في الأطراف الجنوبية لمأرب، أمس، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، لم يعرف عددهم.
وكان التحالف قد صعّد من وتيرة الضربات الجوية على أرتال الحوثيين في أطراف مأرب الجنوبية. وخلال اليومين الماضيين، نفذ الطيران الحربي، أكثر من 70 عملية استهداف، في معدل قياسي يهدف إلى ردع الزحف الحوثي وإزالة الخطر الذي يهدد مأرب.
ونقل التلفزيون السعودي أمس، عن التحالف، قوله إنه نفذ 28 عملية استهداف ضد مليشيات الحوثيين في مأرب والجوف خلال الساعات الـ24 الأخيرة.
ومع اشتداد المعارك في أطراف البلق الشرقي ومحيط نقطة الفلج، روى سكان محليون لـ"العربي الجديد"، تفاصيل الأجواء التي عاشتها مدينة مأرب، ليل الأحد – الإثنين، حيث سمع دوي الانفجارات والاشتباكات بوضوح إلى داخل المدينة.
وأكد السكان في مأرب، الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن هذه الأجواء كانت شبيهة بأجواء المعركة التي شهدها جبل البلق مع مقتل العميد شعلان، قائد القوات الخاصة، لحظة الجولة الأولى من الهجوم مطلع فبراير الماضي.
وتتزايد المخاوف لدى سكان مأرب، وخصوصاً في مخيمات النازحين التي اقتربت منها المعارك بشدة، على حياتهم.
ومساء أول أمس الأحد، أعلنت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، نقل مخيم الرحمة الذي يضم نحو 200 أسرة من مديرية مأرب الوادي إلى مناطق أكثر أماناً، بسبب اقتراب خطوط المواجهة.
القوات الحكومية متمسكة بالأمل
ويبدو أن الأيام المقبلة ستكون صعبة أكثر، مع تصاعد وتيرة الهجوم الحوثي، الذي تقول الحكومة اليمنية إنه يُدار من قبل السفير الإيراني لدى الحوثيين في صنعاء، حسن إيرلو، والذي يُتهم بأنه أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني.
لكن القوات الحكومية لا تزال تتمسك بالأمل.
وقال القائد الميداني في الجيش اليمني بمأرب، حسن بن فؤاد العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن ما يدور هو "معركة النصر التي ستهزم المشروع الإيراني"، مؤكداً أن قوات الجيش اليمني ورجال القبائل، "لن يسمحوا بتحقيق المشروع الحوثي والإيراني بدخول مأرب"، وأن "أحلام الحوثيين ستتحول إلى كابوس في صحاري المحافظة.
وتشكو القوات الحكومية من عدم تكافؤ المعركة، وخصوصاً في ما يتعلق بالسلاح النوعي مقارنة بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي تعتمد عليها جماعة الحوثيين بدرجة أساسية في قلب موازين القوى.
وقال مصدر في الجيش اليمني، إن الضربات الجوية المكثفة لم تعد مجدية في الوقت الراهن، مع كثرة الأنساق البشرية المهاجمة من قبل الحوثيين، والذين يتسللون إلى الجبال بأقدامهم ويصعب استهدافهم بغارات جوية متواصلة، خلافاً للهجوم الذي كان يتم في مناطق مكشوفة عبر دوريات وآليات عسكرية.
وأشار المصدر، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المرحلة الراهنة تستدعي بنادق رشاشة على مدى أبعد، وكذلك صواريخ حرارية من طراز "كورنيت"، للتعامل مع الدوريات الحوثية، بالإضافة إلى بنادق قناصة، وكذلك زراعة ألغام في مناطق التماس، وخصوصاً عند نقطة الفلج، من أجل إعاقة الهجوم الحوثي حتى لا يحصل انهيار كامل.
غروندبرغ في مسقط لبحث الأزمة
في غضون ذلك، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمس، عقد مباحثات مع مسؤولين عمانيين ويمنيين وكبير مفاوضي جماعة الحوثيين محمد عبد السلام، في العاصمة مسقط، لبحث عقد حوار سياسي بهدف التوصل إلى حل للأزمة اليمنية.
وقال مكتب غروندبرغ في تغريدة على "تويتر"، إن الأخير زار مسقط "حيث التقى كبار المسؤولين العمانيين، وكبير مفاوضي أنصار الله (جماعة الحوثيين) محمد عبد السلام"، مشيراً كذلك إلى أنه التقى ممثلين سياسيين يمنيين، دون تحديدهم.
وأوضح المبعوث الأممي أنه "ناقش سبل تهدئة العنف في اليمن وبدء حوار سياسي يهدف للتوصل إلى تسوية جامعة وشاملة"، من دون أن يحدد مدة زيارته لمسقط.